حدثني أحد أبناء قريتي " ملاح ": أنه عمل حادث مع سيارة حديثة وهو الغلطان، كان يقود السيارة الحديثة سائق كان خائف من مالكها، وعده بإصلاحها لكنه طلب الكلام مع صاحبها وأتصل به، تحدث صاحبي مع مالك السيارة، وبعد الإعتذار والاستعداد بإصلاحها سأل صاحبي: من أين أنت؟، رد صاحبي:من ملاح، فقال يتأكد : من ملاح رداع، قال صاحبي: نعم ، فطلب منه أن يعطي التلفون للسائق ، تحدث مع السائق، فإذا بالسائق: امشوا الله يفتح عليكم صاحب السيارة سامحكم، استغرب صاحبي كيف يسامحه و لماذا؟، فسأله من صاحب السيارة فرفض السائق أن يخبره بإسمه، فسأله: طيب ليش سامحنا، قال لأنه يعز أهل ملاح لأنهم عملوا معه جميل لا ينساه، ولا يستطيع أن يجزيهم.. هكذا بكل بساطة يسامح و لا يريد أن يعرف الناس من هو و لماذا ، لأنه يريد أن يرد جميل لرجل لا يدري أحد من هو؟ ، وهذا هو الجميل مكتمل الأركان ، الجميل الذي يفعله صانعه و ينساه ، الجميل الذي يصنعه صاحبه لأجل الجميل و ليس لأجل صنيعة يصنعها لنفسه من أجل الزمن ، أو لأجل منفعة مؤجلة ، أو لأجل مصلحة متبادلة ، بل لأجل الجميل الذي يجعلك تشعر بالجمال الداخلي و السمو النفسي.. اصنع الجميل و اغرس الفضائل في كل مكان ، لا تشترط المعرفة لأجل صناعة الجميل ، بل ابذر جميلك لمن تعرف و لمن لا تعرف ، و لا تتوقع شيئاً من الناس ، لا تتوقع حفظ الجميل أو رد الجميل ، و إذا توقعت شيئاً من الناس فلا ترفع سقف توقعاتك ، لأن رفع سقف التوقعات يصدمنا ، و يجعلنا نبتعد عن صنع الجميل للآخرين ، اصنع الجميل و كل جميل سيظل معك و يظللك ، اصنع الجميل و اجعل في نصب عينيك أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء.. و أقف حائراً عند مقولة : " إتق شر من أحسنت إليه " ، هذه المقولة تخالف الطبيعة الانسانية التي طبعت بحب من أحسن إليها ، و لكن و إن صحت فهي تصح فقط في اللئيم من الناس ، وقائلها مصدوم وكان ينتظر المقابل لجميله وإحسانه ، والمثل يقول : " اصنع الجميل و ادربه البحر "، بمعنى اذا صنعت الجميل فلترمِ جميلك في البحر ولتنساه.. اصنع الجميل حتى مع الحيوان ، فإن الجميل لا يضيع صاحبه ولا يخيب..