كشف تحقيق استقصائي أن مهنة التسول في اليمن تدر نحو 50 الف دولار يوميا بمعدل مليون ونصف المليون دولار شهريا . ونقل التحقيق الذي نفذه موقع تسول عن رئيس منظمة أكتاف للطفولة في صنعاء وجود عصابات تستغل اللاجئين وتعمل بطريقة منظمة وحذرة يقف وراءها نافذون وأنه يتم توظيف صغار السن واختطاف بعضهم او الاتفاق مع اسرهم مقابل منحهم مبلغا ماليا من تسول أطفالهم .
عبارات التسول “الله يخليك ساعدني”، ”عطيني مصاري أنا يتيم”، “لو سمحت درهم”، عبارات يسمعها المارة بشكل يومي في شوارع لبنان اليمن والمغرب من أفواه أطفال وافدين إلى هذه البلدان ويتسولون في الأحياء، مستحضرين القصص الانسانية الحزينة للحصول على بعض المال. العديد من المارة يقعون عادة في الفخ… يتعاطفون… يخرجون المال من جيوبهم… يضعونها في يد الطفل وينصرفون. لكن ماذا عن الجزء الآخر من القصة، الذي يحجبه الطفل المتسول بذكاء. ماذا لو اكتشفت ان هذا الطفل يتخطى دخله الشهري بأضعاف دخلك الشهري، وأن المال الذي يجنيه طوال اليوم غالباً ما يذهب إلى جيوب رؤوس شبكات منظمة يدير بعضها متنفذين. في تحقيق استقصائي استغرق شهر ونصف من العمل، وشمل كل من المغرب واليمن ولبنان، رصد فريق موقع “تسول” اطفال الشوراع وبشكل خاص الأطفال المتسولين الوافدين من خارج البلدان الثلاثة. تسول أم ابتزاز؟ في شارع الحمرا، أكثر شوارع العاصمة بيروت ازدحماً تلاحق فيروز (اسم مستعار) المارة مرددة على مسامعهم عبارة “الله يخليكم ساعدوني انا من المعضمية (احدى مناطق الحرب السورية)”، لتنجح في اقتناص النقود من البعض دون آخرين. الطفلة عندما استوقفها فريق موقع “تسول”، اكدت انها جاءت إلى لبنان بعد الأحداث السورية. لكن كان من الصعب عليها تقديم رواية دقيقة عن من يرافقها. تارة تتحدث عن والدها، وتارة عن والدتها. اما الرواية الأخيرة فاستحضرت فيها خالتها، قاصدة بذلك امراة في الثلاثين من العمر تجلس في زاوية محددة من شارع الحمرا برفقة سيدة أخرى وتمضيان يومهما في التسول ومراقبة عمل باقي الأطفال الذي يزدحم بهم شارع الحمرا منذ قرابة العامين، تاريخ تصاعد الأزمة السورية واضطرار مئات الألاف من السوريين للفرار إلى لبنان. هذا المشهد نفسه يتكرر ليس في احد شوارع العاصمة بيروت فقط بل على بعد الاف الكيلومترات، وتحديداً في اليمن. ”وليد”، وهذا ليس أسمه الحقيقي، هو أحد أطفال اللاجئين السوريين الذين فروا لليمن نتيجة المعارك الدائرة في سوريا. “وليد” لم يتجاوز ال5 سنوات، رصده فريق موقع “تسول” يقف في جولة “عمران” في صنعاء، برفقة والدته. 6 ساعات من التسول تعمد خلالها والدته إلى توجيهه للتسول من أصحاب السيارات الفارهة دوناً عن غيرها.عند سؤاله عما أتى به إلى اليمن وكيف بدأ يتسول، لم يكد يبدأ الحديث والقول “انا هنا مع أمي”، حتى سارعت والدته إلى اللحاق به لمنعه عن الكلام. ويقول أحمد عبدالكريم، بائع في احدى البقالات في المنطقة، إن أعداد المتسولات السوريات اللواتي يصطحبن أطفالهن في هذا التقاطع، بدأ يأخذ شكلاً منتظماً منذ قرابة 8 أشهر، بالتزامن مع تزايد أعداد المتسولين من النازحين الذين باتوا يزاحمون اليمنيين وحتى اللاجئين الأفارقة بالتسول في الشوارع. أما في المغرب، فلا يبدو الوضع مختلفاً كثيراً. سوريون ولاجئون أفارقة أيضاً يقضون جل يومهم في الطرقات متسولين، وخصوصاً النساء اللواتي يصطحبهن أطفالهن الرضع. “حليمة” كما تسمي نفسها، تعمد إلى استغلال طفل تضمه طوال الوقت بين ذراعيها وتقول إنه ابنها، لاستعطاف الناس كي يمنحوها بعض الدراهم لاطعامه. وأظهرت جولة لفريق موقع ”تسول” على عدد من نقاط تجمع الأفارقة والسورين المتسولين في البلدان الثلاثة أن الأطفال دوناً عن غيرهم أكثر فئات المتسولين انتشاراً. وهؤلاء غالباً ما يتعرضون للاستغلال من قبل شبكات منظمة تدفعهم إلى الشوارع ومن ثم تسطو على ما يجنونه لصالحها. شبكات منظمة مسألة وجود شبكات منظمة تدير المتسولين ليست مجرد وهم كما يعتقد البعض، والدلائل كثيرة. إذا كان المسؤولون المغاربة يمتنعون عن التطرق إلى هذه الظاهرة بالرغم من تكرار محاولات فريق موقع “تسول” الحصول على اجابات منهم وتحديداً من وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، والتي تتبع لها ملحقة الأبطال المكلفة بشؤون الطفل بالمغرب، فإن شهادات اللاجئين الأفارقة تختصر المشهد. حمدو (اسم مستعار)، مهاجر مالي آتى إلى المغرب عن طريق الخطأ قبل سنتين وهو في عمر ال15، بعدما وعده أحد سماسرة الاتجار بالبشر بالوصول إلى أوروبا تهريباً، قبل أن ينتهي به المطاف مستغلاً من طرف أحد اعضاء مافيات التسول. حمدو أكد لفريق موقع “تسول” أن مشغله وهو مغربي الجنسية، وتم القاء القبض عليه قبل فترة، كان يجبره على التسول لتحصيل 200 درهم يومياً (25$)، محدداً له أحد اغنى شوارع العاصمة المغربية كمكان للاستجداء. وأضاف حمدو “كنت أتسول خشية من أن أعود بدون أموال، وخصوصاً أنه كان يراقبني، اذ كان يتخذ من العمل في أحد مواقف السيارات وسيلة للاشراف على المتسولين الذين يديرهم في الشارع”. وعن باقي أصدقائه، يقول حمدو ان بعضهم يلجأ إلى استخدام أطفاله لضمان استعطاف المارة، فيما كشفت دراسة أنجزتها الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة أن 18.8% من المهاجرين الأفارقة يشكل التسول مصدراً لدخلهم. جدول يوضح عدد المتسولين الموقوفين من قبل قوات الامن الداخلي في لبنانجدول يوضح عدد المتسولين الموقوفين من قبل قوات الامن الداخلي في لبنان (اضغط للتكبير) أما في لبنان، فالمسؤولون في الحكومة لا يترددون في تأكيد وجود شبكات. مكتب المعلومات في قوى الأمن الداخلي، زود فريق موقع “تسول” باحصائية دقيقة عن موقوفي التسول من تاريخ 5/04/2012 إلى 11/10/2013. الاحصائية تظهر انه تم اعتقال رأسين مدبرين يتوليان تشغيل الأطفال في مهنة التسول. في حين أكد وزير الداخلية اللبناني، مروان شربل في تصريح يعود إلى 4/4/2012 توقيف 78 مشغلاً، موضحاً أن “المجموعات التي تستغل الاطفال تقوم باستئجارهم من اهلهم ويدفعون لهم سلفا مبلغاً معيناً عن الطفل ومن ثم يحضرونهم بشاحنات صغيرة ويقومون بتوزيعهم على الاراضي اللبنانية ليقوموا في نهاية اليوم بتفتيشهم وأخذ الاموال التي قاموا بتحصيلها من التسول ومن ثم يقومون بارجاعهم الى اهلهم”. بدوره، روى الصحافي اللبناني، خضر حسّان، لموقع تسول، شهادته بعدما تمكن على مدى أسابيع من مراقبة كيفية تعاطي هذه الشبكات مع الأطفال السوريين المتسولين لجهة اجبار الأطفال خلال النهار على اعطائهم كل يحصلون عليه وحتى تفتيش الأطفال للتمكن من عدم اخفاء أي أموال. وبينما لا تفصل احصاءات الدولة اللبنانية بين جنسيات الأطفال المتسولين، شرح مدير جميعة بيت الرجاء المتخصصة في استقبال أطفال الشوارع، ماهر الطبراني، لفرق موقع “تسول” بحكم خبرته ومعايشته لقرابة 500 طفل سوري استقبلهم المركز منذ بداية الأزمة في بلادهم لماذا يجري التركيز على الطفال السوريين. وأوضح أنه “من النادر رؤية شخصاً لبنانياً يعمل على الطريق ضمن شبكة”، مضيفاً “الذين يعملون ضمن الشبكات عادة هم السوريون الذين يأتون إلى لبنان ولا يعرفون أحداً، وهناك اناس يستغلونهم ويأخذون منهم الأموال حتى يستفيدوا”. الأدلة على استغلال الأطفال الوافدين تنسحب أيضاً على اليمن. رئيس منظمة أكناف للطفولة والشباب في صنعاء، فضل القدسي، تحدث ل”فريق موقع تسول” عن وجود عصابات تستغل اللاجئين وانها تعمل بطريقة منظمة وحذرة”. كذلك تقود تصريحات مدير الدفاع الاجتماعي بوزارة الشئون الاجتماعية، عادل دبوان، إلى الاستتناج نفسه. الأخير أكد في تصريحات صحافية سابقة أن “تسول الاطفال والنساء من اللاجئين السوريين في اليمن، يدخل طوراً جديداً هو طور الاتجار بالبشر … ليصبح منظماً وضمن عصابات ومجاميع تدار عن بعد بإشراف من أشخاص لا يراهم أحد على جانب المتسولين”. في الأساس هذه الشبكات موجودة منذ زمن، لكنها وجدت في السوريين الوافدين فرصة لتعزيز عملها مستغلة في معظمة الأحيان الحماية المتوفرة لها. نافذون متورطون رئيس منظمة أكناف للطفولة والشباب، كشف لفريق موقع “تسول” أيضاً أن أحد المعنيين في جهاز الشرطة، تابع قضية احدى شبكات التسول بعد القاء القبض على أفرادها، الأمر الذي عرضه لضغوط كثيرة من أجل التوقف عن التوسع في التحقيق واغلاق الملف، بعدما أظهرت الدلائل تورط “شخص معين”، رفض القدسي اعطاء المزيد من التفاصيل حول هويته او منصبه، وأحالنا إلى الضابط المعني للتحقق من صحة ما أدلى به. الضابط نفسه أكد لفرق موقع “تسول” عندما التقيناه صحة الأمر، لكنه شدد على ضرورة حماية اسمه خوفاً من تعرضه للأذى، مشيراً إلى تعرضه لضغوط من كثيرين من أجل اطلاق سراح شبكة من المتسولين كان قد تولى عملية القبض عليها. لكن حتى لو تم المضي قدماً في اعتقال أفراد الشبكة أو غيرها من الشبكات، فإنهم سرعان ما سيخرجون مستفدين من ضعف العقوبات في لبنان والمغرب واليمن على حد سواء. ثغرات قانونية يشترك اليمن مع المغرب ولبنان في عدم وجود عقوبات قاسية بحق المتسولين او الذين يديرونهم. المادة 203 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، في الباب السابع تنص على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر من اعتاد ممارسة التسول، في اي مكان اذا كان لديه او في امكانه الحصول على وسائل مشروعة للتعيش، وتكون العقوبة الحبس تزيد على سنة اذا رافق الفعل التهديد”. تكمن المشكلة في أن المتسول حين يتم ضبطه، يردد بأنه كان يتسول للمرة الأولى، وهو ما يتيح لكثيرين الافلات من العقوبة. أما في المغرب، فتنص المادة 327 من القانون الجنائي المغربي على أن يعاقب من ثلاثة أشهر حبساً إلى سنة فقط كل متسول، حتى لو كان ذا عاهة أو معدماً استجدى بعدد من الوسائل بينها استصحاب طفل صغير. كما تنص المادة 328 على أن يعاقب بالعقوبة نفسها من يَستخدم في التسول، صراحة أو تحت ستار مهنة أو حرفة ما، أطفالاً يقل سنهم عن ثلاثة عشر عاماً؟ لكن الملاحظ أن كل هذه النصوص تطبق على المغاربة دون اللاجئين بهذا البلد. الثغر نفسه تقريباً في لبنان، فالعقوبة وفقاً للمادة 618 من قانون العقوبات تقتصر على الحبس من ستة أشهر الى سنتين وبالغرامة من 20 ألفاً الى مئتي ألف ليرة، من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره الى التسول جراً لمنفعة شخصية. وتبدو هذه العقوبات غير ذي جدوى أمام حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال نتيجة تواجدهم في الشارع. كما أن هذه العقوبات تبدو هامشية أمام حجم الأموال التي يمكن جنيها يومياً من ادارة شبكة تسول في البلدان الثلاثة.
تجارة تدر ذهباً بناء على شهادات أكثر من طفل متسول سواء في لبنان اليمن والمغرب، فإن اجراء عملية حسابية تقديرية لحجم الأموال المتدفقة من جيوب المارة إلى أيدي الأطفال ومن ثم الشبكات التي تديرهم يصبح ممكناً. تم افتراض وجود ألفي متسول في كل بلد من البلدان الثلاث بالرغم من تدني هذا الرقم، واعتبار ان متوسط الدخل 25 $ يومياً، ليتبن أن تجارة التسول تدر أقله في كل بلد 50 ألف دولار يومياً، ما يعني مليون ونصف دولار شهريا، مع العلم أن المبلغ قد يكون أعلى بكثير. هيثم بعدما تم القاء القبض عليه ونقله إلى المركز الاجتماعي (موقع تسول) الطفل هيثم بعد القاء القبض عليه ونقله إلى المركز الاجتماعي – تصوير: موقع تسول هيثم (الصورة)، وهو اسم مستعار لطفل سوري عمره 10 سنوات جاء الى لبنان قبل عامين بسبب الأزمة السورية، يتراوح مدخوله اليومي بين 150 و 200 الف ليرة لبنانية (اي بين 100 و 133 دولار). مبلغ اكد لنا هيثم، بصوته الذي بالكاد كان يمكن سماعه، أنه يجنيه من خلال بيع الورود في الشارع، منكراً انه يتسول بالرغم من أن القانون اللبناني يدرج بيع الورود لاستجداء المال في خانة التسول. وإن كان المبلغ مغري ويتخطي اي مدخول يمكن ان يحصل عليه المواطن من أي مهنة قانونية، فإنه بالنسبة لهيثم له عواقبه ليس أقلها ما تعرض له مراراً من ضرب من قبل رجال البلدية الذي كانوا يضربونه بسلك كهربائي لابعاده فيغيب قليلا ليعود إلى أن وقع أخيراً في قبضة القوى الأمنية. لكن شبكات التسول وكذلك بعض الأهالي يرون في المردود المالي مكسباً لا يمكن الاستغناء عنه، الأمر الذي يدفعهم لاجبار الأطفال على تحمل أي مخاطر، مستفدين في الوقت نفسه من تراخي الدول الثلاثة عن معالجة هذه الظاهرة في ظل وجود ثغرات قانونية عديدة ينبغي معالجتها.