تُشكّل التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى خارج السعودية ، هاجساً يؤرق الكثير من المسؤولين بالمملكة ويقض مضاجع العاطلين عن العمل في ظل ارتفاع معدلات البطالة وتُعتبر المملكة أكثر وجهة مفضلة للعمالة في الشرق الأوسط؛ حسب استطلاع أجراه بنك “إتش إس بي سي”، كما أنها الرابعة عالمياً في استقدام العمالة التي تستحوذ على ما يزيد عن 42% من الوظائف، وتبلغ تحويلاتهم إلى بلادهم من المملكة حوالي 26.6 مليار دولار، علماً أن السعودية ثاني أكبر بلد مُصدر لتحويلات الأجانب بعد الولاياتالمتحدة الأميركية. وآخر الإحصاءات، ما أعلنته وزارة العاملين بالخارج الباكستانية، أن العمالة الباكستانية في السعودية حولت 4.83 مليار دولار، خلال الفترة من يوليو 2015 إلى إبريل 2016؛ لتؤكد أن المملكة هي أكبر مصدر لتحويلات العمالة الباكستانية، وتأتي بعدها الإمارات بنحو 3.54 مليار دولار. وأوضحت الوزارة، أنها تتطلع إلى خطة “التحول الوطني 2020” لزيادة عمالتها في المملكة، وبالتالي زيادة حصيلتها من النقد الأجنبي، دون أن تدرك سعي المملكة الحثيث إلى تقليص هذه العمالة والاعتماد على توطين معظم القطاعات الاقتصادية بالاعتماد على الشبان السعوديين. وأعرب الباحث والأكاديمي السعودي الدكتور محمود المدني، عن دهشته من تقارير “ساما” عن تحويلات العمالة الأجنبية إلى خارج المملكة والتي وصلت إلى مبلغ وقدره 153.3 مليار ريال في عام 2014، وهو أكثر مما تم تحويله في عام 2013 الذي بلغ 147.9 مليار ريال. وأوضح المدني، أن التوقعات تتحدث عن مبلغ يقترب من 150 مليار ريال كحصيلة لتحويلات العمالة الأجنبية في 2015، مضيفاً أن هذه التحويلات تمثل استنزافاً سنوياً للموارد النقدية بنسبة 6% من الناتج المحلي الإجمالي. وأضاف أن “هذه الأرقام صادمة جداً، حيث أنها تؤثر على الاقتصاد المحلي، مما يؤدي إلى نقص شديد للتدفقات النقدية في السوق، ولها تأثيرات سلبية أخرى على معدلات البطالة والاستثمار ومعدلات النماء وأسعار العملات وغيرها”. ويرى أمين عام لجنة الإعلام والتوعية المصرفية طلعت حافظ، أن الحديث عن التحويلات الأجنبية يندرج ضمن أنواع من التضخيم والمبالغة في مدى تأثيرها على الاقتصاد الوطني. وتابع حافظ: “من الخطأ الاعتقاد بأن تلك التحويلات استنزاف لمقدرات الاقتصاد الوطني؛ لأننا إذا نظرنا إلى الرقم قد يبدو كبيراً، ولكن أيضاً يجب أن نكون منطقيين وموضوعيين في حجم هذا المبلغ بالنسبة للبنية التحتية وحجم ميزانية واستثمارات المملكة”. واستدرك: “أنا لا أنكر ولا أقلل من التأثيرات الناتجة عن استمرار الحوالات، ولكن الجنوح والمبالغة بأن هذا التأثير مُهدد للاقتصاد المحلي أختلف معه؛ لأن اقتصاد المملكة قوي وكبير، إذ يمثل إنتاج المملكة 40% من الناتج المحلي الإجمالي العربي و56 إلى 58% يمثل من حجم الاقتصاد الخليجي”. ولفت إلى أن المملكة لديها حجم كبير من الاستثمارات الخارجية وفي مختلف أدوات الاستثمار والاحتياطات الكبيرة نحو 2.5 تريليون ريال سعودي، مضيفاً “لذلك أنا لست قلقاً من هذه المبالغ المحولة، ولكن من دون شك تصغير هذا الرقم سيكون له عوائده الإيجابية على الاقتصاد المحلي”. وأضاف حافظ، أن التغلب على مشكلة تحويلات العمالة الأجنبية والحد من ارتفاعها، يكمن في ابتكار فرص وقنوات استثمارية للأجانب، تحفزهم على استثمار أموالهم وإبقائها داخل الاقتصاد الوطني، بهدف تنميتها والمحافظة عليها، وليس كما يرى البعض بفرض نوع من الرسوم أو الضرائب على الدخول وتقييد حركة تلك التحويلات.