على وقع قدوم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية "ستيفن أوبراين" الى مدينة عدن، شهدت العاصمتان (المؤقتة والقابعة تحت سيطرة الحوثيين) حراكاً متزايداً في أروقة السلطات العليا في المدينتين، نتج عنه وعود "رنانة" بصرف المرتبات في الأيام القليلة المقبلة لجميع موظفي الدولة. حكومة الشرعية أعلنت منذ اليوم الأول لقدوم "أوبراين" السبت الماضي بأن أياماً قليلة تفصل الموظفين عن استلام مرتب شهر يناير من العام الحالي، قبل أن يعود الرئيس عبدربه منصور هادي ليؤكد للمبعوث الأممي أن "الشرعية" ملتزمة بصرف المرتبات لجميع الموظفين باعتبارها "دولة" مؤكداً تخلي المليشيات عن هذا الدور باعتبارهم عصابات سطت على الدولة ونهبت خزينتها. ويبدو أن تصريحات الرئيس "هادي" القوية قد أثارت حفيظة حكام صنعاء، فأعلنت سلطات الإنقلاب بأنها بصدد صرف نصف مرتب لموظفي الدولة في الأيام القليلة القادمة بعد قيامها بتوفير سيولة مالية. تلا ذلك اجتماع لمجلس نواب الإنقلاب يوم أمس، وجه فيه تحذيراً شديد اللهجة لحكومة الحوثيين، مهدداً إياها بسحب الثقة ما لم تقم بتسليم المرتبات في غضون أسبوع. ويقول ناشطون أن هذا الحراك المتسارع في صنعاءوعدن لإبداء الالتزام التام بتوفير المرتبات لا يعدو كونه "سباق" يتنافس فيه "الإنقلاب" و "الشرعية" على نيل ثقة الضيف الأممي الرفيع، مؤكدين أن الأيام المقبلة ستكشف بأن ذلك السباق كان بمثابة بيع الوهم للناس، خاصة مع تجربة اليمنيين المريرة مع الجانبين في هذا الشأن الذي يمثل شريان الحياة الوحيد لهم ولأسرهم. ففي صنعاء بلغ اليمنيون أعلى مراتب اليأس بعد أن نكص الحوثيون عشرات المرات عن وعود قطعوها لموظفي المؤسسات الحكومية بأن مرتباتهم ستصرف في القريب العاجل، لتمضي الأيام والأسابيع والشهور دون جديد. وكانت آخر تلك التعهدات هو ما قطعه وزير مالية الإنقلاب صالح شعبان لموظفي وزارته وموظفي مصلحتي الضرائب والجمارك بصرف مرتباتهم، بعد أن قامت تلك الجهات بضخ مبالغ مالية كبيرة لخزينة الحوثيين، لكنه تراجع بعدها بأيام، ليشهد شارع أبو ظبي والذي تقع فيه وزارة المالية احتجاجات يومية للموظفين الذين ضاق بهم الحال، قبل أن يعود ذات الوزير ليقطع وعداً لهم بصرف استحقاقاتهم المالية في ظرف أيام قلائل بشرط رفع احتجاجاتهم، وهو ما تم قبل ما يقارب الأسبوعين، لكنهم حتى الآن لم يستلموا شيئاً.
أما في عدن وبالرغم من كون حكومة بن دغر قد شرعت فعلياً بصرف مرتبات موظفي الدولة في القطاعين الحكومي والعسكري لعدد من محافظات الجمهورية مطلع يناير الماضي، والتي لم تغطي حتى 50% من إجمالي الموظفين الفعليين، إلا أن الحكومة أوقفت صرف المرتبات بعد ذلك بشكل كلي، ليمر شهر يناير ومن بعده فبراير دون أي بارقة أمل بانفراج مالي واستئناف عملية الصرف ، ليجد الموظفون أنفسهم في وضع لا يطاق.
ستة أشهر وتزيد هي المدة التي أمضاها الموظفون اليمنيون دون مرتب "المعيشة"، بعد أن تم سابقا استقطاع بقية الاستحقاقات المالية كالحوافز والمكافآت بحجة "الإفلاس" والحصار، وبينما يعيش قادة الشرعية والإنقلاب في "بحبوحة" غامرة، يقاسي اليمنيون يومياً شظف العيش وهم يرون أطفالهم يتضورون جوعاً وهم يرتقبون الراتب "المنتظر".