قرر زياد الرحباني «الهجرة» إلى روسيا للإقامة فيها والعمل. قراره هذا الذي فاجأ به «الساحة» اللبنانية ليس مزحة من مزحاته التي اعتاد عليها جمهوره الكبير. أعلن زياد القرار عشية إحيائه الحفلات الثلاث التي أقامها في «المركز الثقافي الروسي» قبل أيام، وبدا اختياره المركز دليلاً على القرار الذي اتخذه، بعدما ضاق به «أفق» لبنان السياسي، لا سيما بعد الخلاف الحاد الذي برز أخيراً بينه وبين «حزب الله». وأثار النقد الذي وجهه الرحباني إلى الحزب ضجة، نظراً إلى العلاقة الجيدة التي ربطته به في الآونة الأخيرة. ولم يكن نقده للحزب عفوياً أو «اعتباطياً» بل عبر عن موقف سياسي وربما أيديولوجي إزاء ثقافة الحزب ونزعته الفئوية. وقال لإحدى الشاشات اللبنانية الصغيرة حرفياً: «ما عدنا قادرين على الدفاع عن حزب الله دائماً». وأضاف: «يأخذ حزب الله منا ولا يعطينا شيئاً في المقابل. هو لا يرد علينا بالمثل، حتى إنه لا يذكر اسمي بتاتاً». وأعلن زياد قراره السفر إلى روسيا من دون أن يصفه بالهجرة النهائية، فهو سفر للعمل هناك في ظروف جيدة تقنياً وفنياً وعالمياً. ولم يتمالك عن السخرية من الجمهورية اللبنانية. وكانت حفلاته الأخيرة التي لقيت نجاحاً كبيراً حملت عنواناً ذا دلالة وهو «59 بيكفي»، وشاء من خلاله أن يقول، هو الذي بات على عتبة الستين، أن الأعوام التي قضاها من عمره في لبنان صارت تكفي ولا بد من المغادرة. وقال إنه يفضل أن يرحل، ولكن في طريقة كان يتمنى أن تكون «أشد هدوءاً». يعبر كلام زياد الرحباني هذا عن حال «القرف» والتجهّم والاضطراب التي يعانيها في لبنان اليوم، لا سيما بعد الخيبات السياسية التي مُني بها وكأنها هزائم شخصية، وعقب التخبط في وحول التناقضات العقائدية والخلافات الأهلية والانقسامات. كأنّ زياد تذكّر فجأة ماضيه الفني الجميل والملتزم والعلماني والوطني، وتذكر أيضاً الفنان الثوري والإنساني الذي كانه وما زال، والذي استطاع أن يخترق خطوط تماس الحرب اللبنانية ليصل إلى جميع اللبنانيين. غير أن الموقف النقدي الذي وجهه زياد إلى «حزب الله» كان أعلن ما يماثله سابقاً خلال حفلة أقامها في 23 آب (أغسطس) الماضي في مدينة الناقورة الحدودية، فهو خاطب «حزب الله» في الحفلة قائلاً له أنه كحزب، لم يعد قادراً على تجاهل الآخرين في الجنوب، وأن هناك أناساً معروفين بأسمائهم فجروا إذاعة المتعاملين مع إسرائيل ولم تكن لديهم إعانات ولا دول وراءهم. وذكر المناضلة سهى بشارة التي أطلقت النار على العقيد المتعامل مع إسرائيل أنطوان لحد في عقر داره. وأشاد بالمناضلين اليساريين الذين كانوا يقاومون في الجنوب معتمدين وسائل عسكرية بسيطة وبدائية. وفوجئ زياد كثيراً بعدم تغطية حفلته تلك إعلامياً، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي فلم ينقل كلامه في الحفلة ولم تنشر صورة منها، علماً أنه طلب من الحاضرين تصويرها مباشرة ونشرها، وتجاوب معه مئة شخص. وقد جعله حجب صوره وكلامه عن المواقع الإلكترونية، يتأكد كما قال من أنه «مراقب». هل يغادر زياد الرحباني لبنان إلى روسيا حقاً؟ هل سيتمكن هناك من مواصلة عمله الإبداعي هو الذي لم يترك لبنان بتاتاً طول الحرب الأهلية، مؤثراً البقاء في وطنه بصفته مواطناً وفناناً ملتزماً؟