تسارعت التفاعلات الداخلية مع استقالة الأمين العام السابق لحركة النهضة الإسلامية حمادي الجبالي التي خرجت عن كونها موقفا شخصيا إلى ثورة مكشوفة على رئيس الحركة راشد الغنوشي انضمت إليها عناصر بارزة وتاريخية في التنظيم الإخواني. وبعد يوم من إعلان استقالة الجبالي، أصدر رئيسان سابقان للحركة وهما الصادق شورو والحبيب اللوز بيانين لوحا فيه بالانسحاب ما لم تراجع القيادة نهجها السياسي، وذلك على خليفة موقف الحياد الذي تبنته في الانتخابات الرئاسية.
وقال الصادق شورو في تصريح ل”العرب” إنه توجه ببيانه إلى قواعد حزب حركة النهضة، محذّرا من أن شرخا كبيرا بدأت تباشيره تظهر للعيان في صورة استقالات وانسحابات فعلية في القيادات المركزية في إشارة منه إلى استقالة الجبالي، وقد ينتهي إلى ما لا يحمد عقباه -على حد تعبيره- فضلا عما هو حاصل الآن من تناقض كبير بين القاعدة والقيادات.
وأضاف الرئيس السابق للنهضة خلال فترة المواجهة مع الرئيس السابق زين العابدين بن علي (1991) أن استقالة حمادي الجبالي ليست حدثا بسيطا ولا يجب المرور عليها مرور الكرام، لافتا إلى أنه ستكون لها انعكاسات في المواقف والسياسة العامة والداخلية بالنسبة إلى حزبه.
واتهم شورو في بيانه فريقا من القيادة بمحاولة الاقتراب من نداء تونس ومرشحه السبسي على حساب منافسه المنصف المرزوقي باعتباره المرشح المسكوت عنه من موقف الحياد الذي اتخذه مجلس الشورى.
وهو الموقف ذاته الذي أعلن عنه القيادي البارز في الحركة الحبيب اللوز حين أكد أن “الدفع المتكرر نحو حزب نداء تونس من طرف البعض يمثل خطرا على مناخات الشورى داخل الحركة وبالتالي على وحدتها”.
وحث اللوز في بيانه الغنوشي “أن يتحمل مسؤوليته كاملة لوقف هذه التجاوزات والإحاطة الجادة بالموقف عبر الدفع من موقعه إلى الانضباط التام لمؤسسة القرار الأولى وعبر منع كل أشكال التكريس والتفلّت وذلك من أجل ضمان وحدة الحركة”.
وقال مراقبون إن بيانيْ اللوز وشورو فيهما تلويح واضح بالانسحاب ما لم يعمد الغنوشي إلى وقف “التفلّت” الذي يمارسه المكتب التنفيذي بما يعنيه من التفاف على قرارات مجلس الشورى. لكن المراقبين لفتوا إلى أن الغنوشي نفسه هو من تتجه له سهام النقد والاحتجاج لتجاوزه مؤسسات الحركة، والتصرف وكأنها غير موجودة، وهذا هو السبب الحقيقي لاستقالة الجبالي الذي أسرّ لمقربين منه أن وجوده لم يعد ذا فائدة مادام القرار يؤخذ دون استشارته هو والقيادات التاريخية.
وكثيرا ما تذمّر الجبالي حين كان رئيسا للحكومة من الضغوط التي كان يمارسها عليه الغنوشي وهي ضغوط بلغت حد التدخل في جزئيات إدارة الملفات وقد أعرب في أكثر من مرة عن “ضرورة الفصل بين تسيير دواليب الدولة وبين خطة النهضة ورؤيتها للحكم”.
وسرعان ما خرج النقاش حول استقالة الجبالي إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تعترف غالبية قواعد النهضة بأن الجبالي على حق، وأن “نفرا قليلا من القيادات اختطفوا قرار الحركة، وأباحوا لأنفسهم ما لا يتناسب مع مبادئ الأخوّة والشورى والأمانة”، وأن “بعضا ممن يسمون قياديين مازالوا ماضين في غرورهم، وفي أخطائهم القاتلة”.
وأكد العربي القاسمي عضو مجلس شورى النهضة على موقعه في فيسبوك أن “انسحاب الجبالي خسارة كبرى لا يمكن السّكوت عليها”، مشيرا إلى ما أسماه "سياسات انبنت على تجاوزات صريحة وفاضحة لمؤسّسات الحركة وانطبعت بالطّابع الفردي”.
وفي قراءته للتصدعات التي تشهدها النهضة، قال الناشط السياسي عبدالناصر العويني في تصريح ل”العرب” إن هناك شقا يسمى عادة بالصقور هم من يتخذون مواقف تتعارض مع قرارات القيادة التي تتسم في هذه المرحلة بالبراغماتية السياسية وهو ما يثير انفلاتات كبيرة في حركة النهضة.
لكنه يستبعد أن تكون سببا في تفكك الحركة في الوقت الحالي، لافتا إلى أن النهضة لا تعتمد على الديمقراطية الحزبية العادية بل على رئيس الحركة الذي يتخذ القرارات الكبرى.
ويرى متابعون أن حركة النهضة تمر بأسوأ فتراتها خاصة بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي وصفها الأمين العام الحالي علي العريض بالإعصار الذي لم تتوقعه قيادات النهضة.