الحرب على أشدها في اليمن. النيران المشتعلة في هذا البلد الأبي الذي كان يُكنى سعيدا تلتهم الشجر، والحجر، والعمران، والإنسان، ويذهب ضحيتها الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة.. ولا أمل يلوح في الأفق مشيرا إلى قرب إطفاء لهب النار المستعرة. والسبب وراء كل ذلك، كما يتم الترويج له من طرف الإمبراطورية الإعلامية السعودية ورديفتها القطرية، هو أن إيران تتمدد في اليمن بعد أن استولت على العراق وسورية ولبنان وتهدد بالاستيلاء على البحرين.. الخوف من السيطرة الإيرانية المزعومة على دول الجوار العربي هو الذي حرك السعودية لصد هذه السيطرة وإيقافها في اليمن. لكن، كيف استولت إيران على العراق وسورية ولبنانواليمن، هذا إذا وافقنا أنها استولت على هذه الدول قولا وفعلا؟؟؟ بالنسبة للعراق، ألم يتم ذلك بسبب الغزو الأمريكي لهذا البلد سنة 2003 والذي انطلق من السعودية والكويت؟؟ ألم تقبل الرياض بما نتج عن الغزو وتعاملت مع الحكومات العراقية المنبثقة عنه؟؟؟ لماذا لم تحرك الرياض أي ساكن ضد أمريكا حين كانت قواتها في بلاد الرافدين تقتل، وتذبح، وتدمر، وتمزق النسيج الاجتماعي العراقي وتشتته إلى طوائف وتذكي في البلد نار الحرب الطائفية المقيتة؟؟؟ أصلُ استلام الإيرانيين للعراق، إن كانوا قد استلموه حقا، هو تآمر دول الخليج على هذا البلد، وتحريض الأمريكيين ومساعدتهم على غزوه واحتلاله، والقضاء على دولته التي حاربت الإيرانيين نيابة عن الخليجيين لما يفوق 8 سنوات. فالسعودية مسئولة إذن عن كون إيران استولت على العراق كما تقول في وسائلها الدعائية، وذلك حين شجعت وعملت على غزوه واحتلاله من طرف الأمريكيين، وباركت ما نجم عن الغزو الذي يشكل أصل الشرور التي تعيشها منطقتنا. وفيما يتعلق بسورية، نحن نذكر أن العلاقات السعودية السورية كانت سمنا على عسل طيلة الثمانينات والتسعينات حتى سنة 2003. فرغم أن سورية كانت تؤيد إيران في حرب الثماني سنوات مع العراق، وكانت إلى جانبها بكل الوسائل والإمكانيات، رغم ذلك، ظلت علاقات دمشقبالرياض قائمة ومتينة، وكانت سورية تتلقى الدعم المالي والسياسي والإعلامي من السعودية، وكانتا معا تُسيران، بالتنسيق بينهما، لبنان وتسيطران معا عليه، بل كانتا بمعية القاهرة تقودان العالم العربي وتتحكمان في القرارات الصادرة عن الجامعة العربية. لكن متى طفت الخلافات بين البلدين وبرزت إلى العلن؟ لقد جرى ذلك بعد غزو أمريكا للعراق سنة 2003 وزيارة كولن باول وزير خارجية أمريكا وقتها دمشق وطلبه من سورية التخلي عن المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق والاستسلام للإرادة الإسرائيلية، وحين رفض الرئيس السوري بشار الأسد ذلك، انطلقت الحملة ضده، وبدأت في الصحافة السعودية، وظلت تتصاعد مع مرور الأيام إلى أن وصلنا لما يسمى بالربيع العربي، حيث تم خطف الانتفاضة السورية وعسكرتها، وتحويلها إلى حرب دموية تدميرية ضد سورية، مجهزة بالتكفيريين، وممولة من طرف دول الخليج وعلى رأسها السعودية. وحين تقف إيران إلى جانب الدولة السورية التي تتمتع بالشرعية الدولية من خلال مقعدها في هيئة الأممالمتحدة، وتحول دون سقوطها بين براثن التكفيريين والفوضى الشاملة والساحقة، يقع اتهام إيران بأنها استولت على بلاد الشام واحتلتها، وحولتها إلى مستعمرة إيرانية. لو أن السعودية ظلت منفتحة على العراق وسورية واليمن، وأبقت على خيوط التواصل قائمة بين هذه الدول، وسعت إلى طمأنتها وإشعارها بأنها دول شقيقة، ولو وظفت الرياض فيها، كاستثمارات إنمائية، سدس أو حتى عُشر ما أنفقته من أموال في الحروب وسفك الدماء، لكانت قد انتزعت تلكم الدول من إيران بشكل ناعم، ولأضحت تحت تأثيرها ونفوذها، ولما وصلنا إلى هذه الوضعية التعيسة. نحن مع الحوار والسلم والتعاون وضد الحرب، فالسعودية دولة شقيقة وكبيرة في العالم العربي ولا أحد ينكر أهميتها، وإيران دولة جارة لنا وتجمعنا وإياها أواصر الثقافة والدين والتراث المشترك، والعدو الإسرائيلي الذي يتهددنا جميعا، ونحن في حاجة للتعاون معها، فديكتاتورية الجغرافيا تفرض علينا ذلك. ولكن إذا كانت دول الخليج والسعودية تحديدا ترى أن إيران تشكل تهديدا لها، وأنها غير جديرة بثقتها، ولا تقبل أي شكل من أشكال التحاور والتعاون معها، وتريد تحجيمها ومنعها مما تعتبره تمددا في الأراضي العربية، فهذا حق السعودية، ولكن المطلوب منها فقط، هو أن تواجه إيران بشكل مباشر، وأن تعلن الحرب عليها في أراضيها. الإمكانيات المالية للسعودية ضخمة، وهي البلد الأول في العالم من حيث إنفاقها على شراء الأسلحة والمعدات الحربية، ولديها من الشباب المستعد للقتال ما لا يعد ولا يحصى، ففي جميع بؤر الصراع والتوتر في العالم نجد أن ذوي الجنسية السعودية يشكلون العدد الأكبر من كل الأجانب الذين يقاتلون في تلك البؤر، ولديها تحالف دولي كبير وممتد في أمريكا وأوربا وآسيا.. ومساحة أرضها شاسعة جدا.. إنها تتوفر على كل المتطلبات التي تقتضيها عملية خوض الحرب ضد إيران، وربما الانتصار فيها.. فلماذا لا تقوم السعودية بمحاربة إيران بنفسها بشكل مباشر، ما دامت تشعر أن الإيرانيين يستهدفونها ويريدون الاستيلاء عليها، من خلال محاصرتها في الدول المجاورة لها؟؟؟ والأساسي في كل هذا هو: لماذا تحارب السعودية إيران دائما بالوكالة؟ لماذا تقاتلها باستمرار بالدماء السورية والعراقيةواليمنية، بدل أن تقاتلها بجيشها وإمكانياتها الذاتية؟؟؟ السعودية تحب الدول العربية كثيرا، وتريد تخليصها من الهيمنة الإيرانية ولكن بنقل حربها مع إيران إلى تلك الدول لتدميرها وقتل شعوبها وتشريدها وإعادتها ومعها المنطقة كلها إلى العصر الحجري. تتصرف السعودية كالدب الذي أراد أن يهش ذبابة من على وجه مالكه فأرداه بضربة واحدة قتيلا. رجاء ارحمونا من حبكم القاتل هذا، نحن في غنى عنه.