- سياف الغرباني:- طارق الفضلي نجل آخر سلاطين الجنوب، ورث تاريخاً ثقيلا من المشيخة والجهاد معا، لا يدري كيف يستخدمه، وورث معه الدلال الذي منحه إياه أسامة بن لادن في أفغانستان كاملاً، ومر بسلسلة من التحولات بدءاً من جهادي في أفغانستان إلى عضو في اللجنة العامة لحزب المؤتمر إلى قيادي في الحراك الجنوبي إلى مؤيد لأنصار الشريعة وأخيراً في تيار "فك الارتباط". ليس بوسع أحدنا التخلي عن الاستغراب عند قراءة تاريخ متناقض لرجل واحد، أو عند استحضار تصرفات، طارق الفضلي، المفعمة بروح رجل متقلب المزاج، ومتمرد على الجميع ولا تخضع تصرفاته لسلطة من أي نوع. ويمكن استثناء علاقة حميمية تربطه بالجماعات الجهادية، ربما نتيجة التحاقه بركب الباحثين عن الجنة في سن مبكر. قبل بضعة أعوام فقط؛ خرج الجهادي السابق في تنظيم القاعدة والمحارب المنافح القديم في جبال تورا بورا، طارق الفضلي، يجوب شوارع مدينة زنجبار رافعا العلم الأمريكي فيما هو صاحب سجل جهادي مناوئ للأمريكان، ويرحب بفكرة عودة بريطانيا، وهو من يرفع راية الاستقلال، وهو ذاته، من قال أخيرا؛ في خضم الحصار المفروض عليه، في حوار صحفي مثير للجدل بأنه يجاهد الشيوعيين لأنهم ماركسيون، ولأنهم من دمروا الجنوب وشردوا أهله وصادروا أملاكه وأراضيه، واتهمهم بأنهم شكلوا هذا الحزب بالاتفاق مع المخابرات البريطانية وبموجبه سلمتهم البلد رخيصا وطبقوا الشيوعية على شعب الجنوب العربي المسلم - حد قوله! ولم يجد أي مانع للمجاهرة بكونه ورفاقه، حملة مشروع الدفاع عن الفضيلة، لم يفشلوا في الجهاد ضد الشيوعيين، والاعتقاد أن سقوط الشيوعية في الجنوب، نهائيا، كان سيكون" تحصيل حاصل" لولا أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح احتواهم ودافع عنهم ووقف في صف الاشتراكيين، ضد المجاهدين. وحتى مغازلته الأخيرة لأمريكا، والثناء على أخلاقها السياسية، لا تخرج عن سياق التصرفات الأشد غموضا وتناقضا وغرابة لرجل مغمور بشعور رنجسي كونه سليل أسرة حكم، ومراوغاً عبقرياً، أو هكذا يبدو له الأمر. كما أنه وبفعل الخبرة التي أمكنه مراكمتها، فإن طارق يبيع علاقته بالقاعدة للحراك ولحاجة أمريكا الأمنية، ويرسل تلك العلاقة المضمونة إلى مكان ما في مستقبل ليس مضموناً بالضرورة . منذ عدة أيام يقبع الفضلي في منزله في مدينة زنجبار رافضا كل مقترحات لجنة الوساطة القبلية بينه وبين مسلحي اللجان الشعبية، الهادفة إلى إخراجه من أبين إلى عدن حرصا على سلامته، ورغم جور الحصار المفروض عليه من آلاف المسلحين القبليين، حد قطع الماء والكهرباء وكل وسائل الاتصال وما يربطه بالمحيط الخارجي؛ إلا أن طارق يشعر بأمان من نوع ما، وأنه مهما ساءت الأمور، وأياً تكن نتائج الحصار وما يترتب عليها، فإنه سيجد له مقعداً محجوزاً في طاولة استرضاء ما بعد الحصار.. ذلك أن بقاء شخصية طارق بذات المكانة الاجتماعية وكونه سليل أسرة سلاطين، صاحبة حق تاريخي في أبين، ضامن أساسي لمستوى حضور الرئيس في الجنوب، الحراك الجنوبي بالذات. الجنوب كله يود لو يكون صاحب طارق الفضلي، وبالنسبة للمجاهدين، يكفي أنه كان صاحبهم يوماً ما، لقد منحهم بتلك الصحبة العابرة ما يعفيه من أية مصابرة ومرابطة. إنه يمر على الأشياء خفيفاً لكنه لا يتورع في إبداء مدى ولهه وانشداه للماضي وأحداثه ورجالاته، وكم أنه رجل لا تربطه بالأجندات علاقة تذكر. الثابت بل والمؤكد استحالة تطويع الفضلي، الممتلئ بشخصية المحارب، أو جعله يرضخ لأي ظرف عبر استخدام أساليب ترهيبية، وحتى حشو بريده برسائل التصفية الجسدية وتلويحات القتل، تظل طريقة غير مجدية لإخضاع رجل يخال الموت طريقا سالكا ينتهي بعناق سبعين حورية أو سير في ذات الطريق المؤدية إلى الله. ولا أظن أن ثمة فهما غير ما سبق لتفكير مجازف لم يأبه لآلاف الجنود البرانيين وطوابير منكوشي الشعر الذين يحاصرون منزله بتوجيهات من قيادات عسكرية عراها أخيرا وقدمها بسجل إجرامي حافل، في حوار تلفزيوني كشف فيه حقيقتها وكم أنها موغلة في الفساد والقبح بصراحته الغريزية، وخرج رغم الحصار يؤكد أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح اتصل به هاتفياً بعد تمكن الجيش اليمني في مايو المنصرم من السيطرة على أبين وكلفه ب"تصفية أبين من أنصار الشريعة". وزاد على ذلك أن دعا الشباب في الشمال و الجنوب أن يثوروا على الأحزاب من داخلها وعلى قياداتها العتيقة قائلا:" إذا كان اشتكيتم من علي عبدالله صالح حاكما 33 سنة فزعماء أحزابكم حكام من أربعين سنة ولم يتغيروا، وأضاف " راجعوا الشباب أن يثوروا على الديناصورات حقهم وأن يسقطوا قادة أحزابهم". طارق الفضلي نجل آخر سلاطين أبين، السلطان ناصر الفضلي، والشخصية الأكثر جدلا في الجنوب، عاد إلى منزله في مدينة زنجبار بمحافظة أبين، بعد مغادرته إلى شقرة خلال الحرب الدائرة بين القاعدة والجيش وسط أنباء متضاربة عن الكيفية التي عاد بها. بحسب قيادات اللجان الشعبية فإن الفضلي عاد بحماية قوات عسكرية وأمنية رافقته وأوصلته إلى منزله، في الوقت الذي كان فيه مسلحوها قد بدأوا عمليا محاصرة منزله في مدينة زنجبار، اعتقلوا بعدها اثنين من مرافقيه واستولوا على سيارة كانت خارجة من منزله . في الأيام التالية لفعل الحصار اعتبر حسين الوحيشي قائد اللجان الشعبية بزنجبار عودة الفضلي المفاجئة مؤشرا لعودة تنظيم القاعدة إلى أبين، كونه المتسبب في الحرب التي دارت بين أنصار الشريعة والجيش خلال الشهور الماضية. وحمل الوحيشي السلطات مسئولية أية تداعيات خطيرة قد تسبب فيها عودة الفضلي لزنجبار، مشيرا إلى توعد اللجان لمقاتله وطرده من أبين. لكن "الوحيشي" الذي أكد أكثر من مرة أن اللجان الشعبية ترفض أي حلول مع الفضلي وأنها لن تقبل إلاّ بقتله أو أن يسلمهم نفسه، عاد يطالب الحكومة بإطلاق سراح جميع عناصر القاعدة الذين تم ضبطهم خلال الحرب على الإرهاب في أبين .. واتهم السلطة بأنها ستأتي بعد الفضلي بأيمن الظواهري إلى أبين. وجاءت مطالبة رئيس اللجان الشعبية بإطلاق سراح عناصر القاعدة من السجون ، بعد مطالبة السلطة المحلية منهم تقديم صحيفة اتهامات ضد الفضلي، خلال اجتماعات مع السلطة المحلية، وقعت فيها ثلاثة محاضر، وهو ما اعتبره الوحيشي تأكيدا على دعم السلطة للفضلي الذي تتهمه اللجان بقتل العشرات من المواطنين وتدمير المحافظة. وأضاف: "إذا كانت الدولة تطالب بصحيفة اتهام وهى تعرف كامل المعرفة الجرائم التي ارتكبها الفضلي، فنحن وبراءة للذمة نطالب بإطلاق أسرى القاعدة كون اعتقالهم تم بطريقة غير قانونية ولا توجد عليهم اتهامات". وأشار بأن المحاضر التي تم التوقيع عليها لم يتم تنفيذها من قبل السلطة المحلية، والمتمثلة بطلب توضيح من الحكومة هل طارق الفضلي متهم بجرائم قتل أم لا؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسلحي اللجان الشعبية برروا حصار منزل الفضلي منذ اللحظات الأولى بكون الفضلي مطلوبا للمحاكمة بموجب أمر قهري صدر بهذا الخصوص من النائب العام، ورغم تأكيدات محافظ محافظة أبين والسلطة المحلية بعدم صحة ما تقوله قيادات اللجان الشعبية وعدم تلقيها أي إشعار رسمي بذلك، إلاَّ أن اللجان الشعبية ظلت تلوك تلك الأكذوبة، وتستخدمها كذريعة لما تقوم به، قبل أن تعود لتطلب من الحكومة توضيحاً حول ما إن كان طارق الفضلي متهماً أم لا!