جمال بن عمر، مبعوث أممي وصل إلى اليمن في ظل أزمة كادت تعصف بنا.. وجاء في البداية أسطورة الخلاص، ولكن يبدو أن الرجل، في الآونة الأخيرة، تحوَّل إلى مُستبدّ يُمارس عقد سجن الملك الحسن فوقنا.. وبدون أحم أو دستور. الرجل يُمارس دور الرجل الأول، ويلتقي باليساريين، ويُبدي لهم يسارية لطالما غابت علينا وجلس مع المشائخ، فتحوَّل إلى شيخ كبير يتدخَّل في كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة، دون مرعاة لتقاليد مهمَّته ولمشاعرنا نحن اليمنيين، الذين فتحنا له بيوتنا وعقولنا وقلوبنا، انطلاقاً من مخزوننا الحضاري والتاريخي كشعب يعرف الأصول.. لكن يبدو أن الرجل لم يقدِّر ذلك، فأصبح جزءاً من المُشكلة، وعقَّد وشَابَك المُشكلة، حتى لَكأنَّه يريد العودة بنا إلى المُربَّع الأول الذي طالما تجاوزناه بعد تدخُّل الأشقاء في الخليج والأصدقاء الدوليين. في البداية أخذ العصا مِنْ المُنتصف وحقّق نجاحات وتقدَّم في حلحلة الأزمة اليمنية.. لكن ما لبث وتحوَّل إلى طرف في الصراع ليُفجِّر أزمة مع الرئيس السابق وحزبه لصالح طرف آخر.. وهو بذلك يُخلّ بالتوازن، الأمر الذي سيُسفر عنه انتصارٌ للطرف الآخر، الذي سيبتلع المرحلة ويبتلع اليمن الجديد وينسف أحلام الشباب، الذين انتفضوا لتغيير يرحل المنظومة السياسية التي هي جزء من المُشكلة ويهيئ ليمن جديد بلا مشائخ وبلا جنرالات وبلا أصولية ماضوية تتوق لمشروع يحكم على النار والحديد، واستعراض الفتاوى، ويحشد الدين في بلد عُرف بعاطفته باعتناق الإسلام بالرسالة وليس بالسيف. كيف كشف بن عمر أن صالح يُعرقل المرحلة؟! وماذا عن الإخوان ورموز القبيلة؟! وأمراء الحروب؟! هل هم الملائكة الذين جاؤوا من السماء ياترى؟! أليسوا جوهر المُشكلة اليمنية؟! ماذا يعني ب"عرقلة المرحلة"؟! الحقيقة أن العرقلة التي يقصدونها، هي عرقلة مصالح طرف الصراع الذي فتح بن عمر أذنه وقلبه لهم، فجَنَّد نفسه لخدمتهم. الذين يرون أن صالح المُعيق للمرحلة، هم الذين يعانون من عُقد نفسية من صالح ويشعرون بالدونية أمامه.. لذا هم عاجزون عن القفز للمستقبل ويبحثون عن غريم يحمِّلونه كل المسئولية.. وعيوب الناقة. ما يتوجَّب على المبعوث الأممي أن يُراعي التوازن.. وأن لا ينزلق لجبهة من جبهات أطراف الصراع.. وأن يسعى لاستكمال الحوار ويتجنب تزوير قرارات فرق المؤتمر التي فاحت مؤخراً.. ويبقى مبعوثاً أممياً لا محامياً عن الرئيس الانتقالي ومستشاره الأمني والدفاعي وحلفائه من القوى التقليدية الذين هم جوهر المُشكلة اليمنية.