لم يذهب من أحب ولست بمفردي.. لا أشعر بالانعزال أو «الانفصال» والوحدة.. ولا أنا بمعزل عن العالم.. أو أعيش وسط الصحراء ولا تحت الأرض أو في السماء.. إنما أحس بالغرور يتسرب إلى داخلي.. فأخاف منه على نفسي ورأسي.. هذه الحقيقة وهذه الاسباب!! علمت نفسي بنفسي.. الخط والفن التشكيلي والصحافة.. بالكاد أكملت الثانوية في صعدة دون تفكير عابر بالجامعة والدراسة الأكاديمية.. لم أبحث عن وظيفة حكومية أو حلم بالعمل مع غيري.. وجدتني أكتب وأرسم وأنشر في الصحف منذ الإعدادية.. أغلقت دكان الدعاية والإعلان وفتحت صحيفة.. هكذا قررت قبل عشر سنوات.. فاقتحت صنعاء بخمسة آلاف ريال.. ألف أجرة البيجوت وألف مصاريف السفر وألف إيجار ليلة في فندق والألف الباقي بقيت منه ثلاثمائة ريال لفطور اليوم الثاني.. قضيت أسبوع في العاصمة.. لأعود إلى صعدة بالعدد الأول من صحيفة «الديار» أقلب كفي مثل الآخرين.. غير مصدق ولا مستوعب ولا مكترث بما يدور حولي من جدل ومشاكل وبلاوي كثيرة.. أصبحت الناشر ورئيس التحرير القادم بغبار الأرياف إلى أضواء صاحبة الجلالة.. لا أفكر كيف سأصدر العدد الثاني بعدما أدخلني الأول المعتقل.. لكن الشاب النحيل واصل المشوار ماضيا في طريق الأشواك وهو يضحك ويخزن ويلتهم الجرائد أكثر مما يأكل ويشرب ويتنفس.. واجهت مشاكل وتحديات في حقل الألغام الذي تورطت بالدخول إليه.. لعبت بالنار مع الكبار دون إدراك لخطورة ما أفعل.. سقطت وانهزمت كثيرا.. تبهذلت وواجهت الموت بالبنادق والرصاص أكثر من مرة.. تشردت سنوات ورقدت على أرصفة الشوارع والطرقات وداخل جوامع صنعاء حين كان الخوف والطفر يطاردني من كل الجهات.. بكيت بصمت وخنقتني حسرة الذل والقهر بلا حصر.. كنت وحدي أواجه العتاولة وأتحدى المستحيل.. وحدي خضت معركتي ولا أزال.. كالسيف منتصبا أمام العواصف يرفض الانحناء.. كانوا بأسلحتهم وجبروتهم وأنا وحدي مع قلمي.. هو السيف الذي لم يخذلني ولا استعنت بسواه في معترك الحياة!! إنها قصتي باختصار.. لا شأن لكم بها.. أدري.. لكني أكتب سطورها عن بعض التفاصيل الآن.. لمكاشفتكم بالحقيقة.. حقيقة هذه الجريدة التي بين أيديكم.. الصحيفة التي ولدت من ألوان الخيال وطيف الأحلام.. ربما سقطت مع المطر.. كحبة ثلج صغيرة فلتت سحابة الصيف أو غيمة شتاء.. لتأتي متسللة بين أنياب الذئاب الجائعة كآخر حبة في عنقود العنب.. أو ربما مثل قنبلة عنقودية الشظايا!! من ذلك الزمان حتى اليوم.. ما زلت كالسيف وحدي.. أقترب من إصدار «الديار» يوميا كمعجزة لا أفهم كيف تبلورت على الواقع.. ولا أجد جوابا لكل الأسئلة التي تحاصرني عن كل ما تفكرون به أنتم سوى الضحك وهز رأسي لتأكيد كل الاتهامات والظنون والاعتقادات.. أتبادل مع رفاق الدرب الأوفياء من أسرة «الديار» الصغيرة حكايات ما يقال ويشاع.. نتقاسم الصبر ولا نأبه أو نلتفت للأقاويل والعراقيل.. نعمل فقط دون انتظار أحد.. نكافح ولا نبحث عن أحد.. نكفر بالاستعطاف وذل السؤال.. نعتمد على الله المتكفل بالعباد.. نشكره فيزيدنا توفيقا وعزيمة ويمنحنا النجاح.. لا نستغني عن الشرفاء والمخلصين ولا نثقل على أهل المروءات.. نصدر «الديار» بالعرق ودماء القلب.. لنحصد متعة الإنجاز وراحة الضمير وثمرة الجهد على مدار ساعات الليل والنهار.. لا نعترف باليأس.. لأننا نتشبث بالأمل.. نعشق التحدي ونستمتع بالمغامرة.. حين نسبح عكس تيار الأمواج المتلاطمة.. أحرار نحلق حيثما نشاء.. نغرد خارج السرب.. لا نطيق التحليق مع الطيور الأخرى.. نحب التمرد على الجمود.. الخروج عن النص.. التفرد والتميز بغير المألوف والمعتاد.. الحرية هي اكسير «الديار» الذي لا يقبل المساومة.. زادنا وقوت الحياة.. نموت دونه ولا نقوى البقاء أحياء دون هواء الحرية!! أكرر.. لا شأن لكم بهذه السطور.. إنما لكي يطمئن ويهدأ بال المنشغلين بأمر «الديار» والمتربصين بها وكارهيها والمهتمين بمعرفة وكشف مصادر دعمها وتمويلها ومن تتبع ومع من تعمل ومن ورائها.. يساند ويخطط ويحمي ويوجه ويصنع القرار والتوجهات والأفكار.. شفقة بهم ورأفة.. أقول لهم وأقسم على المصحف صادقا.. لا أحد غيري.. أنا وحدي.. فاطمئنوا واهدأوا.. توقفوا عن الدوران كجمال معصرة السليط.. صدقوني لن تتوصلوا لشيء.. ورب الكعبة لا أحد سواي له شأن بهذه الصحيفة.. أصارحكم بالحق لعلكم ترفقون بأنفسكم!! كالسيف وحدي.. إن كنتم تضمرون السوء.. هذاالفرس وهذا الميدان.. جربوا ولن تجدوا غيرنا أمامكم.. لا تخافوا أو تحسبوا حسابا لمن تتوهمونهم.. أكاشفكم بالحقيقة بكل صراحة.. صدقوها أو طز.. نحن على ثقة مطلقة بالواحد الأحد.. نثق بأنفسنا أكثر مما تتصورون.. لا نملك سوى الأقلام والقراطيس.. لن أخبركم كيف استطعنا إصدار «الديار» كل يومين وثلاثة أعداد في الأسبوع.. كي لا تتعاملون مع القضية بالتكذيب والإنكار.. والشماتة.. نحتفظ بالسر الكبير حتى الوقت المناسب.. الوقت القريب الذي لا نستعجله.. عندما يكتمل البناء المؤسسي ل»الديار» بالمبنى والمطبعة والتجهيزات المتكاملة الكفيلة بإعلان الصدور اليومي بمشروع صحفي عملاق.. مذهل ومشرف ويفوق الوصف والتوقع.. كالسيف وحدي.. ومن غير السيف يصنع الانتصار ويحقق النصر في المعركة.. بدونه الحروب والمعارك تصبح مثل مصارعة الأتاري ومنازلات البلاستيشن.. ويكفينا لو هزمتنا الظروف وانهزمنا أننا خضنا الحرب بشرف وكرامة.. سقطنا والسيف لم يفارق أيادينا.. وحدي وبيض الهند تقطر من دمي.. أضحك وخلق الله تختصم.. أنام ملء جفوني قرير العين والخاطر.. وطواحين الهواء تصارع الرياح. وفي المنتهى.. لقراء وجمهور «الديار» شلالات من قبلات الاحترام تطبعها على الخدود والأكف مناقير الحمام.. وللخصوم وردة حب بيضاء وغصن تسامح أخضر!! * الناشر- رئيس تحرير صحيفة "الديار", اليمنية للوصول إلأى صفحة الكاتب على: فيسبوك - facebook.