عندما تبحث عن حلمك المفقود فلا تجده، وعندما تهرب من الرمضاء فتستقبلك أحضان النيران، وعندما يكون شعار التغيير الذي دفعت حياتك ثمنا لتحقيقه مطية للركوب عليك وعلى حلمك وحلم الملايين وفرصة جديدة لتقاسم الحصص، وعندما تُختزل الثورة في منبر الستين أو مكتب قائد الفرقة أو ديوان الشيخ، يصبح الوطن مجرد قطعة أرض جغرافية لا معنى لها وتصبح الهوية الوطنية مجرد بطاقة كرتونية تحمل شعار وطن مفقود، إنها رحلة البحث عن الوطن الذي فُقد منا حينما فقد القدرة على مواجهة الأطماع المتزايدة والناهشة فيه، منذ عقود ويده ممدودة للعالم طلبا للرحمة والمساعدة التي لم ولن يستغني عنها قبل أن يتحرر من أكلته. لقد أصبح حال اليمنيين مثل حال اليهود الذين عاشوا يجوبون الأرض بحثا عن وطن يلملم شتاتهم ويصون كرامتهم، حتى جاء بلفور ليحقق لهم ذلك الحلم وان كان على حساب الأمة العربية إلا أن حلمهم قد تحقق وأصبحوا قوة من بعد ضعف وحققوا أحلامهم على رقاب العرب، فهل من حق اليمنيين أن يحلموا بوطن أو حتى ببلفور مخلص يمنحهم الوطن المفقود الذي لن يكون على رقاب احد، لأن أرضه موجودة وخيراته متوافرة ولا ينقصه سوى المخلصين الذين ينقذونه من أيدي المجرمين واللصوص والمتغطرسين. إذا جاء بلفور الذي يحقق لليمنيين حلمهم فسيكون أحق بالولاء من أهل الذقون وناعقي المنابر وعابسي الوجوه، الذين شغلونا بقضايا الفقه النظري الذي لا يرقى إلى خدمة مصالح الناس وتنمية عقولهم وإنقاذهم من مستنقع الظلم والقهر والفساد، لو عملوا بقاعدة - أعظم جهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر – ولو قالوا كلمتهم وأصدروا فتواهم ضد الجائرين والمتكبرين واللصوص المفسدين في الأرض، ولو عملوا على تولية حاكم عادل لاعترفنا لهم بالولاء ولصدقنا أن دينهم يعين دنياهم ويرعى مصالح الأمة حقا، لكن الدين لا يتحرك إلا خدمة لأحزابهم وقياداتهم، ليتهم يفهمون أن مكانة الدين في خدمة الناس، وأن الدين يتجسد في إشباع الجائعين وحماية المستضعفين ونصرة المظلومين، حينها سنجد سببا واحدا يقنعنا بالامتثال لهم كما يريدون. * صحيفة المنتصف