لا تألو جهداً أو وقتاً في تبيان ملامح "الضالعي" إن صادفته.. فمن بين جميع اليمنيين الذين تجمعهم المعاناة والكدح وشظف العيش، يبدو كدح وعناء وفقر وبساطة الضالعي متفرداً وعميقاً بتفاصيله وأوجاعه.. بحكاويه القادمة من الماضي وبحاضره المتقادم من عجاف السنين.. لسنين عجاف آتية.. لا فرق يتشكل لديه، غير عزته وصموده وعدم انكساره أمام كل تلك المهلكات! الضالع.. حين تدلف إليها، تقفز إلى مخيلتك قصص مراحل النضال ورفاق الأمس الصادقين.. جباه اختزلت القصة، تجد الناس هناك يتشابهون مع الجبال المحيطة بالمدينة، شرسة ووعرة وتخلو من مظاهر الحياة لكنها شامخة.. غير منحنية، وكذلك الإنسان هناك، عظم وجلد وسُمرة وتجاويف حفرتها السنين فشكلت تقاسيمه الصارمة، ربما كان ذلك أحد أسباب شقائهم وعنائهم.. لا ينكسرون ولا يسيرون.. ولا يستطيع أحد ليَّ ذراعهم. لم ينالوا حظاً أو نصيباً من كل التقاسمات والصفقات التي تجري شمالاً وجنوباً، لكنهم نالوا وينالون الكثير، أكثر من نصيبهم من المؤامرات والحقد والكراهية، لا لشيء يملكونه غير أنهم بالإضافة إلى إرث أحقاد.. لا ينكسرون بسهولة.. تباً لهذا العناد! رفضوا كل شيء قبل أن يتقمص رفضه الآخرون.. ضحوا قبل أن تأتي مواسم التشريق.. زرعوا بذرة ربيع الثورة قبل أن يلتحقوا بها في خريف الحصاد.. انتفضوا وهتفوا وصنعوا ولم يقلدوا أو يتقمصوا.. ولم يعودوا إلى بيوتهم ليشاهدوا شاشات التلفزة ماذا نقلت وكيف تعاملت، أو تأهبوا لاستلام الأثمان البخسة نظير ما عملوه، عجباً لهذه الثقة والأنفة!! ثم هاهم يخرجون من المولد، كالعادة، بلا فائدة.. بعد أن سرقت زمرة قضيتهم. خطفتها ومارست الابتزاز بها وبدماء أبناء الضالع، وأرسلت إلى المدينة البائسة وأهلها الكادحين رسائل مؤلمة، تلقاها الأطفال قبل الكبار، قذائف وزعت الموت في الأفياء، ليست أخطاءً بل سبق إصرار وتعمُّد، تكررت مشاهدها الموجعة لتنبئ عن الكثير من المخاوف والتوجسات، ولتصبغ السواد على كل شيء.. ولتوزع مخيمات العزاء على الطرقات والأودية. والحقيقة أن لا شيء يجعل الضالعي ينكسر ويسكب شلالات الدمع من مآقيه، لا الفقر ولا الكدح ولا شظف العيش ولا المؤامرات الثقال غير أولئك الصغار الذين يستهدفون الأبرياء الصغار بقذائف إجرام غادرة.. بكائية هزت صورها ومشاهدها كل اليمن وسط تساؤلات، كم نحتاج من هكذا مواجع لتنهار جبال الحقد في قلوب كبار القوم؟! * صحيفة "المنتصف"