شهدت اليمن قبل الحوار موجات عنف مقصودة ومخططاً لها، إلا أنها وبنفس الوقت كانت أطرافها بدون إدراك من القبائل التي في حضرموت أو مأرب قد قدمت درساً واضحاً لليمنيين يؤكد بفشل الفيدرالية مستقبلاً في الحفاظ على الوحدة الوطنية، وكيف بمقدور فكرة إلغاء المركزية أن تؤدي بالقبائل لإعلان دويلاتها الخاصة بعد أن يتم توسيع صلاحيات أقاليمها شيئاً فشيئاً كما نصت وثيقة بنعمر!! ومثل ذلك وفي قاعة يمنية أخرى وتحديداً، خارج قاعة موفنبيك، قدمت الطوائف درساً آخر لليمنيين يقوم على نفس المسار، فحروب الشمال أعطت هي الأخرى أنموذجاً أولياً بسقوط أحجية الفيدرالية وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك بخطورة استبدال وحدة 22 مايو باتحاد بنعمر، وأن ما من شيء سيقف حيال إعلان دويلات طائفية وقبلية وغيرها مستقبلاً بعد توسيع في صلاحيات الأقاليم الطائفية وغيرها وإيجاد حدود دم فيما بينها. وعلى الرغم من سلبية هذه الموجات المعنفة، إلا أن هذه الموجات كانت قد خدمت مشروع القوة الناشئة التي كانت بحاجة ملحة لامتلاك مركز إسناد خارجي قوي بحجم مجلس الأمن لتتخلص من أنانية مراكز القوى الأخرى التي لا تريد ترك حصتها لهادي بقدر ما تريد منه أن يكون محكماً لمصالحها!! والى جانب هذه الحروب المفتعلة جرى لأول مرة في اليمن وتحت صمت الجهات الرسمية وبموافقتها، تهجير في الجنوب للمواطنين الشماليين وتهجير لطائفة السلفيين من دماج.. وهذا التهجير، أيضاً، مقصود ولا نتهم أحداً هنا بالتآمر، بل بالإيمان بمفهوم الديمقراطية التوافقية التي وردت في وثيقة بنعمر والتي تشترط حدوداً جغرافية للطوائف والاثنيات عن طريق تشجيع العزل الطائفي والحق في السيطرة الجغرافية دون مزاحمة من طائفة أو أثنية أخرى !! ربما تكون هذه الخطوة سياسية بحتة، إلا أنها جريئة ومن يقوم بها لابد وأن يحظى بإعجاب من عجز عن الإتيان بها.. جميع الأحداث، قبل انتهاء مؤتمر الحوار، كان ينظر إليها على أنها عرقلة، ولكنها في الواقع ليست إلا حادلة (دكاكة) تزيل العوائق من مشروع الشرق الأوسط الجديد، وإذ ذاك كان لابد من تبرير التأخير وعلاجه بالتمديد والتمديد غير المشروط!! وعلى طريقة عمل الجمعيات الممولة من أمريكا تحول مؤتمر الحوار إلى جمعية (..) تستقوي بالقوى الأجنبية، التي تخاف جداً من بكاء الحقوقيين والناشطين والناشطات!! لدرجة أنها أي أمريكا وبريطانيا ذبحت مليوني عراقي كي لا تبكي أي منظمة ديمقراطية من ديكتاتورية صدام حسين!!! في الأسابيع التي سبقت صدور قرار مجلس الأمن قدمت القاعدة خدمة عظيمة للرئيس هادي، ربما، دون إدراك كيف سيستغل أحدهم مسألة اقتحامها للدفاع والسجن المركزي فيصنع لمجلس الأمن الحجة الدامغة للتباكي على (مصالح ديك تشيني المهددة) اليمن!! وبعد أن تباكى ذات المجلس الذي تباكى على العراق وأفغانستان وقبلهما فلسطين وفيتنام وفنزويلا وكوبا.. الخ، صدر قرار مجلس الأمن الذي تبينت نواياه في البند السابع وليست الفقرة رقم سبعة في القرار 2140 إلا تعبيراً عن الغباء في تغليف الهدف الحقيقي!! ومع أن ذلك يعتبر نهاية السياسة والتاريخ بحسب تعبير فوكايما، إلا أن البعض ابتسم له معتبراً إياه أنه سيحد من العنف ولن يعيق من تنفيذ المخرجات (الخيالية) فهل كان هذا (الافتراء) صحيحاً؟ حتى الآن لم يلتزم اليمنيون بتنفيذ المخرجات، فالحوثيون إلى جانب الإخوان يصنعون بالشراكة معرقلاً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً كبيراً! وبمجرد نزول بعض فرق الجيش من بعض النقاط التي على الجبال بسبب فشل وزارة الدفاع فإن الحراك الانفصالي والقاعدة يحيلون التلال إلى جبال تقف حائلة في مد جسور الاستقرار!! كذلك الاختطافات التي تعتبر الخطوة التي تأتي كسابقة لعودة الاغتيالات السياسية والعسكرية في طريقها للعودة أو لنقل أنها عادت فعلاً، بالنظر إلى الاختطافات المبتكرة، فهذه المرة تطرح القبائل تهديداً عكسياً يمهد لممولي القاعدة الذين منعهم قرار مجلس الأمن 2140 من ذلك طريقاً للالتفاف على القرار!! وعلى غير العادة جاء تفجير مبنى المخابرات في لحج بعد أن أصدر هادي قرارات تخص الأمن والجيش ليبدو الأمر هذه المرة مختلفاً عن العادة كون التفجير لم يستبق القرارات التي يخرجها هادي من الدرج كما قال ذات يوم!! تجدر الإشارة أن هادي (المنتهية ولايته) قام بإجراء تعديل في بعض المواقع العسكرية الحساسة، ولكنه حتى الآن يعلن أن هناك خطة ثانية لاستكمال هيكلة الجيش، فهل هذه الخطة الاستكمالية التي يبشرنا بها قد نصت عليها مخرجات الحوار ونحن لا نعلم؟! وللأهمية نورد أن هذه ال(الجرعة) ستضمن موت المريض سواءً أكانت الجرعة إيجابية أم سلبية وذلك سبب علمي. الإعلان عن هيكلة استكمالية في هذا التوقيت وهو توقيت، صياغة الدستور الاتحادي، يثير التساؤل حول طبيعة هذه الهيكلة في التأثير على الدستور المتوقع أنه سيمنح الحكومات الفيدرالية وزارة داخلية منفردة.. فهل ستوصلنا الهيكلة إلى منح وزارة دفاع مخصصة لكل إقليم!! إن حدث هذا الأمر فتلك كارثة لا يجب أن لا يبتسم لها الجيش. لأنها ببساطة تعني نهاية هذا الجيش ونهاية عقيدته التي نشأ عليها . ما يجعل الأمر مستفزاً هو أن وزير الدفاع يتواجد في أمريكا منذ فترة، أي أنه بالقرب من السفير السابق جيرالد فايرستاين الذي تولى مسألة الهيكلة الأولى إلى جانب بنعمر، وقد اضطرت وكالة الأنباء اليمنية سبأ لأن تعلن عن هذا التواجد بعد عملية اقتحام المنطقة العسكرية الرابعة في عدن، حيث قالت إن الوزير في أمريكا يتشاور مع بنعمر، ولم تذكر السفير السابق، حول الخطة الأمنية، في إشارة واضحة أنهم يتدارسون عملية الهيكلة، والأكيد أن الحكومة اضطرت للإفصاح عن مهمة سفر الوزير السرية أصلاً. من هنا أعتقد أن الهيكلة القادمة التي تعدها أمريكا وستكلف وزير الدفاع بتنفيذها وإيصالها إلى الرئيس هادي ستكون المسمار الأخير في نعش الجيش مع ملاحظة أن هادي، ربما، لن يقول كالعادة بأن الهيكلة أخرجها من الدرج؛ لان هذه المرة سيخرجها من صندوق بريد DHL أو فيديكس. ما يهمنا الآن هو الأحداث التي سبقت وواكبت الحوار بدأت تعود للواجهة وما من شيء تغير، ولعل من المنطق أن نسأل حول لجنة العقوبات المنتظرة من مجلس الأمن ومتى يجب أن تعمل؟ وهل الحرب الطائفية السياسية الحاصلة تقع ضمن دائرة العرقلة؟ أم أنها تقع ضمن دائرة الإسراع بتنفيذ مخرجات الحوار؟ بحسب الديمقراطية التي صاغها بنعمر فإن ما يحدث الآن يعتبر جزءاً لا يتجزأ من المرحلة التأسيسية للدولة الاتحادية، وبالتالي فلا أكون مبالغاً حين أقول إن معاقبة الحوثي ومليشيات الإخوان تبدو صعبة ذلك أنهم فعلاً يؤسسون لدولة بنعمر وديمقراطيته. * المنتصف