هل سيقف الإخوان المسلمون مع أنفسهم للتقييم والمراجعة والاستفادة من مستجدات الفترة التي أعقبت الربيع العربي؟! حتماً هناك خسائر ومكاسب والعقلية التي تحكم المشهد تختلف من دولة لأخرى، فبينما استفاد الفرع التونسي الذي خرج من حلقة الجماعة إلى الوطن الكبير، فإن خسائر إخوان مصر لا تزال مستمرة بغض النظر من الظالم والمظلوم! لأن المرحلة تقتضي تقييم الذات وحساب الخسارة لتجنبها أجدى من لملمة المكاسب الوهمية القائمة على النزعة التاريخية العاطفية المستلهمة من غبار المعارك وحكايات المظلومية ومثاليات الإلياذة الإلهية . إن الحياة السياسية اليوم لا تعترف بعاطفة حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ولا بترتيل مراثي الشهداء، فالأتراك الذين سحقوا تحت مجنزرات الجيش صنعوا إرادتهم من جديد واستفاقوا من دهشة الموت والإقصاء ليس لأنهم يستغفرون في الأسحار لكنهم علموا جيداً وتعلموا أن القيادة تحتاج لنهضة وأن النهضة لا تكمن في سرد كتيبات فتحي يكن ولا سيد قطب ولا نونية ابن القيم، فكل هذه الكتب والحشو العاطفي تصلح في زمن المستنصر والمستبصر بالله، أما زمننا هذا فيحتاج إلى كتب تعلمك ماذا يعني انتماءك للقرن الواحد والعشرين. إن الذين يتخرجون من حلقات بير عبيد ومذبح وخطابات الصبري والمسوري يصلحون أئمة للمساجد لكنهم لا يصلحون لوضع خطط تحد من انهيار الدولة خطط تعيد ثقة المواطن بالنظام، نحتاج لخبراء يرسمون لنا خارطة لتأهيل الشباب لانتشال عقولهم من التأوهات الحارة حين يسردون قصص خولة والزبير ونذالة بيبرس وشجاعة صلاح، هذا مجال آخر وسيرة حياة ليست لحزب يعتمد على قاعدة عريضة من الناس، هذه القاعدة المشحونة بالعاطفة والولاء والموت من أجل الجماعة لا الحياة من أجل الحزب. إننا نحتاج لقوانين نيوتن وتهور انشتاين أكثر من حاجتنا لذبابة الزنداني ووصايا البنا.. لا أقصد السخرية، لكن أنتم ارتضيتم أن تحكموا بلداً يحتاج لخبراء في الاقتصاد والسياسة والهندسة والطب، فلا تقولوا لنا منا المهندس المسلم والطبيب المسلم، نحن لا نتحدث عن مهن فردية تدر على أصحابها الدخل، بل عن مناخ تتحرر فيه العقول من الصنمية والقلوب من العاطفة المستميتة نحتاج لتعلم طرق الري والاستزراع والتصنيع، نحتاج للغة الإنجليزية أكثر من حاجتنا لمعلقات عنترة وابن زهير. لنتخيل أن الكم الهائل الذي يتخرج من جامعة الإيمان ببرنامج واحد يختلف في فروعه ويتفق في أصوله أن نصف هؤلاء فقط علماء في معامل ومراكز بحث في الطب والكيمياء والفلك والإرصاد والفيزياء ومراكز تدريب لتعليم المجتمع إنما يخشى الله من عباده علماء الطبيعة والذرة والزراعة وليس من يحفظ صحيح مسلم وقطر الندى وبل الصدى، ولست ضد كل هذا، إنما الإفراط في تسطيح مفهوم الدين يعاكس مراد الله في خلق الأرض وإن رفضتم هذا الأمر فعليكم أن تلعنوا أردوغان وتكفوا عن مديحه فهو يفعل أكثر مما ذُكر. لو تخيلنا أن الإصلاح وهو قادر على تثقيف أتباعه لبعث روح التحفيز والنهضة والتقدم لن يضره شيء إن كان المستقبل لديه أكثر أهمية من الماضي والولاء للوطن أكثر من الجماعة . نحتاج بشدة لأن يترجل شيخنا الزنداني من على راحلته التي شاخت ولم يعد لديها جديد سوى استعادة القديم بحركة بطيئة مملة، نحتاج لأن يحث الناس على أن يسبقوا العلوم الحديثة فعلاً لا قولاً.. فإيماننا بالله يحتاج لخبز وملح وسكر وزيت وأجهزة الكترونية حديثة أكثر من حاجته للجدل مع كيث مور وملحدي الشرق. ربما ليست لدي القدرة للإسهاب في التفاصيل التي يفترض أن يسيروا عليها، لكنه حديث صدق لا شماتة ونصح لا سخرية، وحسبي أن الله لا يحب المتباكين من خشيته دون أن يتحركوا لستر أنفسهم من التبعية المهينة والمذلة حتى صرنا حديثاً بين الأمم. نحتاج عاطفتكم النووية للبناء.. نحتاج جموعكم لجدولة مطالب الدولة المدنية التي ناديتم بها.. نحتاجكم للوطن لا للجماعة.. نحتاجكم لأنكم منا ونحن منكم، فاتركوا عنكم غبار القرون لنعش معاً هذه الدنيا بقوانينها.. نحتاج دولة دينها القانون وأفراداً دينهم الله، فالشعارات الرهبانية أثبتت عقمها وفصل الاجتهادات والروايات عن السياسة هو بحد ذاته سيرة خير القرون، ولو كانت السياسة ديناً لما أوصى أبو بكر بعمر مخالفاً بذلك مبدأ الشورى ولاعتبرنا نصف الصحابة على الأقل أهل كفر وضلال، وحاشاهم.. إن من يصرخ باسم الدين مثله مثل من يصرخ ضده، والحق أن نصرخ جميعاً ضد الجهل والفقر والتخلف والمرض والعبودية بعدها يمكن أن نقول بأن فرقة من الكل عليها أن ترجع ليفقهوا الناس في دينهم، فالنفير الواجب الآن أن نحشد لمواجهة العدو ومن دعم الخارجين في الرمضاء فله الجنة قياساً على خروج النبي الكبير لمواجهة الأعداء، وأي عدو أكبر من الجهل وأي داء أمض من الفقر، وأي لعنة أكبر من التبعية.. ها أنتم الآن تعانون جميعاً من تطرف الخطاب الديني العائق أمام بناء دولة المستقبل.. فيا ترى هل من وقفة جادة لجلد الذات!؟!؟ * Abdu Alraqeeb Albokary , فيسبوك