لم يعد اكتشافاً ذلك الذي يتحدث عن تغاضي الإخوان المسلمين عن حروب الدولة ضد القاعدة، فالجميع يعلم، بمن فيهم أمريكا التي تساندهم، أن القاعدة جزء لا يتجزأ من الحركة، وليست أحداث مصر وليبيا وسوريا واليمن إلا الشاهد الحي. إنما الذي يحتاج لكشف ربما هو موقف اللقاء المشترك، ذلك التنوع غير المتجانس، تماماً، وكيف يطوع نفسه لخدمة طرف بداخله ضد توجهاته المعلنة؟ بيان اللقاء المشترك بخصوص موقفهم من الحرب ضد الإرهاب كان ركيكاً وفيه من التدليس ما فيه، وهو ما يدفع السؤال الدائم للعودة وهو: هل اللقاء المشترك واجهة لتغطية اقانيم الخراب الثلاثة: حوثي، حراك، إخوان؟؟ من يتحكم بمواقف اللقاء المشترك؟ هل هي المصلحة العليا للوطن؟ أم أن هناك ترتيبات معينة؟ ما هي هذه الترتيبات؟ عقب مغادرة الرئيس صالح للسلطة لم نجد اللقاء المشترك إلا كياناً هشاً، وظهرت الخلافات الداخلية المتوقعة بين حلفاء اللقاء على طبيعتها، لدرجة أن حسن زيد والمتوكل والقانص، وجميعهم رؤساء مكونات داخل اللقاء، تكتلوا في طرف، فيما ياسين واليدومي والعتواني تكتلوا في طرف، وهكذا حتى بدأنا نشهد تدريجياً اجتماعات للثلاثي الأرعن دون استدعاء ومراعاة لثلاثي محسوب على إيران وسوريا! وتلك كانت بداية لظهور الحوثي كقوة تفضل السلاح وليس غيره. من هنا، وبلا شك، فإن الخلافات داخل اللقاء المشترك جاءت واضحة في خطوط العملية السياسية. والسؤال الآن: هل البيان الصادر عن اللقاء المشترك بخصوص الحرب على الإرهاب يشمل جميع الأطراف الستة؟ وإذا كان كذلك، فلنا أن نسأل: متى عاد الستة من حربهم البينية ليشكلوا جبهة واحدة فجأة؟ ما هي الحاجة لأن يعود الستة فجأة وحسن زيد نفسه، مثلاً، لا يزال صدى تصريحه بشأن سلاح الإخوان حاضراً في الأذهان؟ في 2012 وعقب موجة الفيلم المسيئ للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) احتاج الإخوان لهذا اللقاء كي يدينوا الهجوم على السفارة الأمريكية، في حين خرج مرجعيتهم الكبير ليعلن عن دعوته لإحراق السفارة الأمريكية. بهذه الطريقة يمكن سبر تحركات الإخوان داخل مستويات اللقاء المشترك منذ أن قرروا الاحتفاظ بالاشتراكي والناصري فقط وإسقاط باقي شركاء المشترك فعلياً؟ والمعنى من هنا أن الإخوان يحتاجون المشترك لحماية موقفهم السياسي من جهتين، فهم من جهة يحتاجونه للهروب من ضغط داخلي، ومن جهة يحتاجونه للهجوم على طرف لا يستطيعون مهاجمته بصورة فردية. يعلم الإخوان أن إدانة القاعدة بصفة الإرهاب تعني، فعلياً، أنهم يقطعون أي خطوط للتواصل والرجوع للمنبع الأصلي، ومن يتابع الخطاب الإعلامي للإخوان خلال الفترة الأخيرة سيشهد أن هناك تحولاً تجاه إحياء ثقافة القاعدة، ولان الظروف الدولية تطلب منهم إدانة الإرهاب، فهم يحتمون باللقاء المشترك لتحقيق ذلك، وهذا الذكاء المكشوف يسعى من خلاله الإخوان إلى إرضاء الطرفين المتناقضين، فحين يطلب منهم إدانة الإرهاب يفعلون ذلك باسم المشترك، والسبب هو لاسترضاء القاعدة والظهور في موقف المضطر بسبب التحالف لإصدار ذلك الموقف. ومن جهة، يحاولون بغباء الادعاء أمام المجتمع المحلي والدولي أنهم ضد القاعدة! ما يحسم هذا الغباء المتذاكي هو أن الإخوان عندما أصدر اللقاء المشترك بياناً لتهنئة المصريين بإسقاط الإخوان أصدروا بياناً خاصاً بهم يدينون فيه السيسي ويعتبرون ما حصل انقلاباً. إذاً.. فهم في تفرد مواقفهم وبياناتهم يعبرون عن مصالحهم جيداً، والسؤال هو: لماذا لا يصدرون بياناً فردياً يدين الإرهاب في اليمن ومصر أيضاً، مثلما يفعلون هذا وقت الحاجة!؟ بعيداً عن الإخوان نأتي إلى باقي أعضاء اللقاء المشترك، فالواضح أن الخطة الأمنية المتبعة تبدو أقرب إلى استراتيجية واضحة وواسعة، ليست القاعدة إلا الهدف الأول منها. وبالتالي فإن الإخوان - ومثلما يرون في بقاء القاعدة خدمة لهم - ترى باقي أطراف المشترك نفس الفكرة ولكن بزاوية مختلفة، ولذلك كان البيان الصادر عن جميع المتناقضين ناجماً عن محاولة لإرباك المشهد وزيادة التشويش فقط!! قد يقول البعض إن تلك خطوة يجب أن يشكر اللقاء المشترك عليها، ولكن هذا الحكم سيكون شكلياً، لأن البيان في واقعه شكلي، فهو لم يدن القاعدة بصفته تنظيماً إرهابياً، ولم يعط للأمر أولويته المطلوبة، كما ولم يعر الموضوع أي انتباه إلا بعد مرور أيام والتأكد من أن البقاء، صامتين، يعني أنهم خاسرون، كون القاعدة بدأت بالتقهقر فعلا. باختصار.. بيان المشترك، إن كان لنا أن نشكره، فإن الشكر الذي يجب علينا أن نقدمه للمشترك هو ذلك الشكر المبني على حقيقة أن الحرب على القاعدة تعني ضرب اللقاء المشترك في عمقه الحيوي.. أي أن نشكرهم لاعترافهم الكامل بأن سقوط القاعدة يعني سقوط اللقاء المشترك، ليس كإطار، وإنما كمصالح وأطراف متناقضة يعتبر تواجد القاعدة هو نقطة تجمع الجميع.. ما يعني أن إسقاطها خطر يضر بالجميع. * المنتصف