أفلح رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون في تأمين نيل خطته للفصل التدريجي التأييد يوم غد في الحكومة ولكن ليس قبل إحداث هزة أرضية سياسية قد لا ينجو منها. فقد أقال وزيري الاتحاد القومي أفيغدور ليبرمان (النقل) وبني ألون (السياحة) الأمر الذي دفع وزيري المفدال إلى دراسة أمر بقائهما في الحكومة. وبرغم أن خطوة شارون هذه خلقت خلافات شديدة في جميع الدوائر إلا أن الهزات الارتدادية الناجمة عنها قد تقود إلى شق صفوف كل من الليكود والعمل والمفدال وحتى حركة ميرتس ياحد. وكانت المفاوضات حول ما سمي باقتراح تسيفي ليفني القاضي بتأجيل حسم الصراع حول الخطة من خلال الفصل بين إقرار الخطة من حيث المبدأ وبحث إخلاء المستوطنات لاحقا، قد فشلت. ولم تكن صدفة أن يتم الإعلان عن الفشل بعد عودة مدير مكتب شارون دوف فايسغلاس من واشنطن حيث اطلع على هامش الحركة الممنوح اميركيا. وأشار شارون إلى أن الفشل حدث بعد إصرار الوزراء المعارضين على إدخال بنود تفقد خطة شارون كل معنى. وبين هذه البنود التأكيد على استمرار ضخ الميزانيات للمستوطنات المراد إخلاؤها. واعتبر شارون أن وزراءه من خلال هذا الإصرار يعمدون إلى إظهاره كخرقة بالية أمام الجمهور وأمام الأميركيين والعالم. واعتبر ذلك ابتزازا لا يمكن القبول به. ورغم ذلك فإنه طوال اليوم ستتواصل المحاولات لتقليص الفجوة بين شارون ووزراء الليكود المعارضين. ولكن حتى لو تم التوصل إلى أي نوع من الحل الوسط في الليكود فإنه لن يكون أكثر من موقت. فظاهر الصراع الجاري هو بين شارون وكل من الاتحاد القومي والمفدال ولكنه في الجوهر صراع داخل الليكود وعلى زعامة اليمين. وهذا يعني أن معركة الزعامة في الليكود كانت وما زالت المعركة ذاتها في اليمين وبالعكس. وما طرد وزيري الاتحاد القومي إلا توجيه ضربة عملية لبنيامين نتنياهو. وكان نتنياهو يطمح إلى أن يخوض المعركة مع شارون على قضية أخرى وليس على أمر عقد الأميركيون عليه آمالهم. ويواجه شارون مذكرة لحجب الثقة الاثنين، في حين من المقرر أن يلقي خطاباً الثلاثاء يتوقع أن يفجر فيه مفاجآت سياسية. وما يجري الآن هو في الواقع معركة تستخدم فيها كل الأسلحة وهي معركة ليكودية بامتياز. والصراع يدور سرا وعلانية حول من يمتلك أو من يمنع الآخر من امتلاك أغلبية واحد وستين عضوا. ويأمل شارون أنه بمنعه نتنياهو من امتلاك جبهة واحد وستين عضو كنيست سيبقي لنفسه خيار إدارة اللعبة السياسية على شفا الهاوية كما يريد. فهذا المنع يحول دون نتنياهو والمطالبة بإقالته في أول فرصة سواء أكانت حجب ثقة عن الحكومة أم رئيسها. والأهم أن هذا المنع يبقي بيد شارون سيف الانتخابات المبكرة الذي يخيف الليكود أكثر من أي شيء آخر. وتبدأ شارون بإقرار الخطة يوم الأحد في الحكومة. وهذا يعني أنه بعمل إداري قلص عديد الحكومة من ثلاثة وعشرين وزيرا إلى واحد وعشرين. ومن دون تغيير موقف أي من الوزراء أفقد معسكر المعارضين اثنين وصار المؤيدون لخطة الفصل أحد عشر مقابل عشرة. ولكن السؤال كيف سيتصرف أولا وزيرا المفدال؟ وقد أعلن زعيم المفدال آفي إيتام أن إقرار الخطة يعني انسحابه الفوري من الوزارة. ولكن رفيقه أورليف لا زال حتى الآن يطلب التريث. ومن الممكن أن يقود هذا الخلاف إلى انشقاق، خاصة أنه ليست هناك مودة خاصة بين الرجلين اللذين يمثل كل منهما معسكرا مغايرا. وإذا انسحب المفدال أو قسم منه فإن شارون يفقد الأغلبية النظرية التي له في الكنيست. وتتحول حكومة شارون إلى حكومة أقلية. ولكن هذه الحكومة حتى في ظل الائتلاف الواسع الذي كانت تملكه كانت من الوجهة العملية في الشهور الأخيرة حكومة أقلية، إذ كان الكثير من أعضاء الليكود وكل أعضاء الاتحاد القومي والمفدال يتغيبون لأسباب سياسية وحزبية عن جلسات التصويت على الثقة بالحكومة. وحسب التقديرات المتوفرة، لم يكن شارون يمتلك أكثر من أربعين صوتا فعليا في الكنيست الحالية. ولكن الأمر سيزداد سوءا بالنسبة لشارون إن نفذ تهديده غدا. فقد أبلغ وزير الخارجية سيلفان شالوم أنه سيضطر لإقالته من منصبه إن صوت ضد الخطة في الحكومة. وبرر ذلك بأنه من غير المعقول أن يعارض وزير الخارجية رسميا الخطة السياسية المركزية لحكومته. ويفتح تنفيذ هذا التهديد بوابات جهنم على شارون داخل الليكود. إذ لا معنى لصمته عن نتنياهو وليفنات بعد ذلك ومن الجائز أن تثار مجددا النعرة الطائفية. والأهم أن قواعد الليكود التي ترى أن شارون تجاهل نتائج الاستفتاء تتحضر للانقضاض عليه، وثمة هناك من يجمع التواقيع لعقد مؤتمر جديد من أجل الإطاحة بشارون. ونتنياهو يدير الآن معركته الكبرى من أجل البقاء ولذلك يجند ليس فقط أعداء شارون في شاس وإنما شينوي أيضا. وهو يراهن على إقناع جزء من شينوي بأنهم بوقوفهم إلى جانب شارون إنما يراهنون على الحصان الخاسر. وإذا كان الاتحاد القومي و الليكود والمفدال يكسبون شاس، وإلى حد ما يهدوت هتوراه، فإنهم يراهنون على ذلك الجزء المعارض لحكومة شارون داخل العمل والأحزاب العربية بل وحركة ميرتس ياحد. ففي حزب العمل قطاع يرفض حكومة الوحدة أو حتى منح شارون شبكة أمان. وهذا يعني أن الوعود التي يقدمها شمعون بيريز لشارون قد تكون محدودة الضمان. وعموما، يحاول حزب العمل الإيحاء أنه في الصراع بين شارون واليمين المتطرف يستطيع شارون أن يثق بتأييد قسم كبير من أعضائه. وثمة خلافات بين يوسي بيلين وعدد من أعضاء حزبه حول موقفه القاطع بعدم تأييد شارون حتى في وجه اليمين المتطرف. وهنا لا بد من الانتباه إلى أن تفاصيل جلسة الغد سوف تحدد لون القطار وليس وجهته. فإسرائيل دخلت صيرورة تقود بين ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر إلى الانتخابات المبكرة. إذ يستحيل تشكيل شيء ثابت من الواقع الذي سينشأ. وهذا ما يعرفه الجميع. فالسيناريوهات التي تنتصب أمام شارون تتراوح بين الإقالة والاستقالة، وبين الانتخابات المبكرة والمبكرة جدا.