تندلع الحرب، ولا يسأل أحد عن مقدماتها.. يُصار مباشرة إلى التعاطي مع الحرب –إعلامياً وسياسياً- كحدث يجب استثماره والاستفادة منه؛ لمصلحة الأطراف الحزبية والسياسية في الساحة، وتحديداً الأطراف الداخلة في حسابات الربح السياسي، والخارجة من حسابات الخسارة الإعلامية والدعائية المقترنة بالواجب الوطني. ففي هكذا مشهد يصبح الواجب خسارة منبوذة!! تتوقف الحرب، ويتسابق الجميع إلى إعلان عريضة اندهاش وتذمر.. ويتساءلون: كيف؟ ولماذا؟ ومن دون مقدمات!! وكأن القاعدة هي الحرب لاغير.. والاستثناء الذي يحتاج إلى إخراج ومونتاج ومقدمات تفصيلية، هو السلم- أو اللا حرب! لا أحد من هؤلاء "المندهشين" مستعد لتبرير الحرب واندلاعها، أو السؤال –ولو من باب التصنُّع وادِّعاء الموضوعية- عن أسبابها ومقدماتها؟ بل على العكس من ذلك، وكما لا يجب من الاستخفاف، واللا مبالاة الزائدة عن حد الإهمال والتجاهل الغبيين.. الأحمقين! وإذْ يُفضِّلون الانكماش والتقهقر في الحالتين: استدعاء التفسيرات المعقولة، أو استقراء المقدمات والحيثيات المفترضة، فإنهم أيضاً لا يسمحون للآخرين القيام بهذه المهمة، ودائماً جوبهت جميع التغيرات والشروح والقراءات؛ إما بالسخرية أو التهكم، أو التنفيذ المقصود ولذاته، ولكن من دون أن يطرحوا بدائل أخرى مقنعة، أو حتى غير مقنعة، المهم أن يطرحوا! دائماً.. كانت هناك حرب وكفى.. وعليهم، بالتالي، ألاَ يقبلوا أو يسمحوا بتمرير التساؤلات حول مقدماتها وأطرافها الإقليمية والدولية؛ حتى لا يحرموا أنفسهم لذة التشفِّي بالسلطة، وحجة أو خطيئة تُعلَّق بها أبد الدهر.. وهكذا دأبوا على الاستهانة والتهوين من شأن الشروح الرسمية، وشبه الرسمية، وغير الرسمية حتى، والتقارير والتحليلات المشابهة.. والتي ألحت على وجود أدار وتدخلات لأياد خارجية .. إقليمية ودولية- أمدَّت وأعدت وموََنت وموَّلت، اكتفوا فقط بالسخرية وكان الاتهام الجاهز هو أن السلطة تبالغ في الحديث وتخلع على الصراع "بعداًًُ إقليمياً" هو غير متحقق أصلاً! وأغلب الظن أنهم كانوا يكذبون على أنفسهم، وهم يعلمون ذلك؛ لأنهم في قرارة أنفسهم يعلمون أن حرباً ومواجهات بهذا الحجم وهذه الشراسة والقوة والاستماتة، ليست مع هواة.. أو طلاب مدرسة ما.. أو مع مصلَّين يريدون –فقط- حقَّهم الطبيعي في الحصول على مسجد يمارسوا صلواتهم وشعائرهم ويدعون الله أن يهلك أمريكا وإسرائيل!! أليس هذا ما قيل، في مقابل كافة التساؤلات والتفسيرات والتقارير التي قيل دائماً أنها "مبالغات" أو "مغالطات"؟! .. ولكن يحدث، فجأة –وليست مصادفة على كل حال- أن الجميع مستعدون، على غير العادة، للاندهاش والاستغراب والتساؤل إذا توقفت الحرب وهدأت الجبهات، وأمن الناس؟! .. في هذه الحالة يتقافز "جن" كُثُر، ويسكبون العبرات والشكوك على الطرقات بصوت واحد: ياللفضيحة، انتهت الحرب؟ هكذا.. من دون مقدمات!! وكأنهم كانوا قد تساءلوا عن مقدمات تفجرها للمرة الخامسة، وأسباب اندلاعها في خامس الجولات، وسابقاتها الأربع؟! حتَّى يسوؤهم توقفها فجأة. ولأنها الحذلقة المقرونة بالانتهازية البشعة، سوف تجدهم، الآن فقط، يتذاكون حد الغباء، حدَّ التبذُّل.. وحدَّ الزِّفت، في قراءة "المشهد الدولي" و"التداخلات الإقليمية" "والصفقات" المتبادلة بين أطراف المعادلة "الإيرانية والأمريكية" وأنها وحدها رسمت أو "فرضت" وبهكذا إيقاع، وكأنهم يقعون على كشف عبقري أو سر خطير ونادرٍ لم يكن لنا أن نعرفه من دون عقولهم النَيِّرة!. ومع ذلك، إذا هداهم تفكيرهم "أخيراً إلى هذه الخلاصة، وأن نهاية أو توقف الحرب والمواجهات جاء بفعل "توافقات" أو "صفقات" أو "تفاهمات" أو ما كان.. بين إيران وأمريكا وأطراف إقليمية ودولية أخرى. فهلاَّ عادوا وسألوا أنفسهم عن بداية وتفجر الحرب والمواجهات أول مَّرة؟! ومن يقف وراءها؟ وكيف يكون الفاعلة في التهدئة والإيقاف غير فاعل في التسعير والتفجير؟! هل يعني هذا أنهم يقرُّون على أنفسهم بالخطأ ومجانية الصواب أولاً، والإصرار على الحنث العظيم، في كونهم رفضوا واستماتوا في رفض وإنكار مقولة التدخلات الخارجية، والأيادي الخارجية، والاستهداف الخارجي؟! .. حتَّى أن البلدان لطالما قيل أن لها يداً وقدماً في دعم وتمويل التمرد وإدارة المواجهات والحروب فيما بينها، في أراض يمنية، وبأيد يمنية، وعلى حساب الدعم اليمني، فيما يشبه الحرب بالوكالة.. لحساباتها وثاراتها الخاصة، وكان "عباقرتنا" المتخذلقون يسخرون، ويكذِّبون، ويفندَون تلك التقارير والشهادات بالنيابة عن المعنيين بالاتهامات والإدانات. هؤلاء أنفسهم عادوا الآن، وناقضوا أنفسهم، وصاروا يتلقون من "مصادر" مقصورة عليهم وحدهم معلومات وإفادات وشهادات حول مقدمات وحيثيات توقف الحرب.. وترد أسماء "إيران، ليبيا، أمريكا" في مقدمة وصلب الأخبار والقصص الخبرية والتحليلات الخاصة.. جداً.. جداً. فما الذي حدث بالتحديد ليقفزوا من النقيض إلى النقيض؟! لماذا توقُّف الحرب مزعج للبعض إلى هذا الحد.. ولم يزعجه قط تفجرها واشتعالها؟! ولماذا يقتلون أنفسهم، ويحِّملون عقولهم فوق ما تطيق وتحتمل، بحثاً واستقصاءً، وافتراضاً.. عن "مقدمات" نهاية الحرب وتوقف الدعم عن النزف. ولم يكلفوا أنفسهم أقل القليل من الجهد" للاستماع والإصغاء إلى ما قيل عن "مقدمات" الحرب وتفجرها، واستنزاف الدم اليمني؟ ولماذا نحن مضطرون اليوم إلى تصديقهم وتقدير تحليلاتهم ومصادرهم.. وهم لم يُصدِّقوا- نفس الحقائق والحيثيات، والقراءات ذاتها أول مرَّة؟! ..الأهم هو أن الحرب انتهت.. ويجب أن نبارك ذلك، إنما لا يجب أن نبارك المتحذلقين، كما لا يجب أن نصغي إليهم الآن وقد "بانت سعاد".. فما لوا برؤوسهم حيث مالت الرِّيح. حتى وإن علمنا أن في كلامهم المتأخِّر جزءاً من الحقيقة، ووجاهة تدنوا- أو تُدني- من الصِدق- الذي نعلمه بالتأكيد- ومن قبل هذا "الآن" بكثير. فالصدق أحياناً يدلك على كِذب قائلة! وصلى الله وسلم على القائل: (صدقك وهو كذوب). ألا يجب التوقف ملِّياً أمام أناس يتحملون مشقة البحث عن "مقدمات" اسلم، ويغضون عقولهم ولا يسألون عن مقدمات الحرب؟! وبعد.. أياً تكن المقدمات والأسباب، هناك قرار شجاع وحكيم اتخذ بإنهاء المواجهات في صعدة.. جميعنا نكسب في هذه الحالة، وجميعنا معنيون بتكريس القرار، واستمرارية السلام، وبعدها سنتحدث طويلاً عن حرب أخرى "بلا رصاص" .. و"بلا نهاية"!.. شكراً لأنكم تبتسمون..