مشهد العنف الدامي السارح على امتداد محافظات الجنوب هذه الأيام، يدعو للفجيعة والرعب والقلق، ذلك أنه ينذر بما هو أفجع وأفظع، فضلاً عن كونه يدوي بسؤال المصير: الوطن المأزوم إلى أين يساق ؟، وأي غد يرسم له على وقع أزماته المستحكمة، وتوتراته المتفجرة، وجراحه الدامية، وانقساماته وتشظياته المتعمقة، ومحنه وإحنه المتأججة ؟؟ . ءنعم، ما يجري في مدائن عدن مرورا بمرتفعات لحج وأبين، ووصولا إلى سهول شبوة وجبالها، وشطآن حضرموت ووديانها، من احتدام لفاعليات القتل والمواجهات والصدامات الدامية، والحملات والحصار العسكري والأمني الخانق، يدين وعلى نحو صارخ وواضح، الرافضين – مع سبق الإصرار – لموجبات النجاة بالبلاد والعباد والوحدة من مجاهل انهيار وشيك، والسادرين في غي تأجيج مفاعيل التأزيم والتوتير والتفجير، من خلال الإمعان في تكريس أوضاع تفرق ولا تجمع، تمزق ولا توحد، تدمر ولا تضمد، والإصرار على رفض تفعيل مقتضيات العدالة في توزيع السلطة والثروة، وتجسيد الشراكة الفعلية والتوازن الشامل في المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين مناطق الوطن وفئاته، والتنمية الشاملة المستدامة، على النحو الذي يجتث منابع وأسباب الغبن والقهر والتمييز والانتقاص والاستحواذ والغطرسة والنهب والاستلاب والإلغاء والإفساد، ذلك أن هؤلاء الممانعين والرافضين لتلك الموجبات والضرورات، هم من يدفعون بالأوضاع إلى مهالك العنف والتشرذم والانهيارات الكارثية المدمرة، وهم من يخصبون لتيارات التطرف والإرهاب التربة والمناخ للانتشار والاكتساح والتمكين في محافظات ظلت نابذة لها وماقتة وطاردة لفكرها الضال المضلل، وفاعلياتها المهلكة، من خلال الممارسات والسياسات الهدامة التي نزعت من أعماق الكثير من الجنوبيين شعورهم بالوجود الحي والفاعل والمتوازن في إطار الوحدة، والتي سلبت حقوقهم في الشراكة الحقيقية الفاعلة في السلطة والثروة، وفرضت عليهم صنوف الانتقاص في المواطنة، والتمييز والإقصاء والإلغاء والغبن والاجتياح، وتعاطت معهم – إنسانا وأرضا – على أنهم مجرد ( فرع ) ألحق ب( أصل)، و (مهزوم ) تحول إلى فيد ل ( منتصر) . لا ريب في أن ما يتصاعد في الجنوب من عمليات استهداف لمنتسبي الأمن، لا تجد من غالبية الجنوبيين إلا الإدانة والرفض الشديدين، بصفتها من الأفعال المجرمة شرعا وقانونا وعرفا،وهي في الأوان ذاته تدعو إلى مباشرة التحرك الفاعل والعاجل على النحو الذي يحقق للجنوب حضوره وشراكته الفاعلة تحت سقف وحدة تعز ولا تذل، تجمع ولا تفرق، وذلك من خلال التوجه الجاد لإعادة هيكلة نظام الدولة واعتماد الفيدرالية على أساس إقليمين ( جنوب وشمال ) في إطار كل منهما نظام حكم محلي كامل الصلاحيات، بما يرسي أسس وحدة وطنية قابلة للاستمرار والديمومة، وبما يقطع دابر جذور التمزق والعنف والضغائن والصراعات، فبذلك وحده يتأتى النجاة بالوطن وأبنائه ووحدته، من المهاوي المدمرة المحدقة يحاضره والمهددة لمستقبله، وبه تتعزز مداميك انطلاقة نهضوية طال أمد التوق لتحقيقها، بل أنه بذلك يتأتى اجتثاث العوامل والمناخات التي تهيئ لتيارات التطرف والإرهاب، الأرضية الخصبة للتمدد والتعمق والاكتساح . ولله الأمر من قبل ومن بعد ...