شباب الحراك .. قبل وبعد كل شيء هم أبناؤنا وإخواننا وفيهم من هم من آبائنا , فإذاً هم جزء لا يمكن إهماله أو تهميشه , فكيف بفصله من المجتمع الجنوبي ؟. بدءً من الضالع و عدن وأبين ولحج , إلى شبوة وحضرموت والمهرة . أكثرهم شباب تواق متطلع لغد أفضل ومستقبل أجمل , غالبيتهم من أبناء العشرين ولكنهم يحملون بين جنباتهم هموم أبناء الثمانين . نعم .. لم يشهد الأكثر منهم حقبة ما قبل وحدة شطري اليمن , وما دار قبل ذلك ولا في أثناءه من تقلبات وتغيرات ونكبات , فالكثير منهم فتحوا أعينهم ليروا حياة كريمة , ومستقبلاً واعداً , وفرصاً مؤاتية للعلم والتعليم والعمل , ومواطنة تقوم على قدم المساواة والعدالة , .. ولكنهم صدموا بواقع مختلف تماماً عن ذاك الذي كان يحلم به كل مواطن في ربوع الوطن , فكان هذا من مقادير الله على ذلك الشباب أن يشهد فترة هي من أحلك الفترات وأقساها . ومن هاهنا .. فإني أرفع صوتي منادياً كل منصف عاقل , قائلاً لهم : أنصفوا هذا الشباب ولا تظلموه فوق ما وقع عليه من ظلم وإهمال وتجهيل وتهميش . أنصفوهم ... بأن لا تحمّلوهم تبعات زمان لم يحضروه ولم يشهدوه وما كانوا من أهله ولا من صناع قراره . فالذي يريد أن يحمل شباب الحراك تبعات ما قبل الوحدة في ظل حكم الحزب الواحد المستبد , من الظلم والتجاوزات والقرارات الرعناء , والقتل والقتال وغير ذلك .. فما أنصفهم . أنصفوهم .. بأن تحترموا الكثير من مطالبهم العادلة والمحقة , من احترام إنسانيتهم , وتأمين الحياة الكريمة لهم , وتحسين وضعهم الاجتماعي والمهني والسياسي والاقتصادي وغيره . فشباب الجنوب خاصة مظلوم مهضوم الحقوق , ليس من هذا الوقت فحسب , ولكن من فترات ماضية , وازداد الأمر سواءً في فترة الإقصاء والتهميش المتعمد , فهم يشعرون بأن إنسانيتهم قد امتهنت حيث لم يلق لهم أي نظام قام منذ زمن أي اهتمام ولا اعتبار , فالفوارق الجهوية والاجتماعية والمهنية واضحة بينهم وبين غيرهم , إقصاء في التوظيف , وبخس في الرواتب , وإبعاد من المناصب .. كل ذلك يشعرون به ويكتوون بناره .. فمن لم يشاطرهم ألمهم ولم يحس بأوجاعهم فما أنصفهم . أنصفوهم ... بأن تعينوهم على إدراك وتفهم المرحلة التي يعيشونها الآن , ويسعون إلى تغيير أوضاعهم وأحوالهم إلى الأفضل والأجمل . فإن من حقهم – كما يدعي غيرهم لنفسه ذلك الحق – أن يساهموا ويشاركوا في بناء مستقبل بلدهم ووطنهم , وأن يكونوا لبنة بناء وعطاء , لا معول هدم وخراب , فإذا كان هذا هو هدفهم ومسعاهم , فلما لا يقف الجميع معهم , ويكونون عوناً لهم من خلال التوجيه والإرشاد , والتوعية والنصح , فما هم بأكبر من ذلك , ولا بأقل من أخذه من غيرهم , وإن إهمال الشباب في هذا الجانب – بحجة أنهم لا ينصتون لأحد ولا يقبلون من أحد – خطأٌ في حقهم , وتشجيع لهم على المزيد من الأخطاء ربما القاتلة !!. أنصفوهم ... بأن تتعاونوا معهم فيما أصابوا وأحسنوا فيه, فإن منهم من يقوم ببعض الأعمال والأنشطة الطيبة في المجتمع وللمجتمع, ومنهم من يتعاون مع مدارس التعليم للمضي في سيرها دون أي عراقيل, ومنهم شباب متحمس محب للخير. فنحن في حاجة إلى أن نشجع في الناس بوادر الخير و إلى أن ننمي فيهم بذرة الخير وإن قلّت , وهكذا كان هدي الأنبياء الدعاة عليهم السلام , فقد قال شعيب لقومه وهو يدعوهم إلى الله – وهو يعلم ما كانوا يعملون -:{ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ }. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم :( إنما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة ). أنصفوهم ... بأن تقوّموا خطأهم إذا أخطئوا و (كل بني آدم خطاء و خير الخطائين التوابون ).ويكون ذلك بأسلوب مقبول ومنهج معتدل , بعيد عن التشكيك في النوايا والخوض في الضمائر , فهذا أدعى للقبول وأولى بالأخذ . وحينما نقول إننا نتعامل مع شريحة الغالبية الساحقة منهم شباب بل وبعضهم دون ذلك , فإننا يجب علينا أن ندرك كيفية التعامل معهم , وأن يكون مبدؤنا في ذلك الرحمة بهم وحب الخير لهم , والعطف والرأفة عليهم , فإن ( الرفق ما كان في شيء إلا زانه , وما نزع من شيء إلا شانه ).وبهذا الأسلوب النبوي الحكيم الذي تنكسر أمامه كل حدة وشدة للنفوس ينبغي علينا أن نتعامل به مع شبابنا . أنصفوهم ... حتى يصححوا مسيرتهم ويقوِّموا سيرهم , فلا تخطئ بهم السبل ولا تنعرج بهم الطرق , بل يكرسوا ما ينادون به ويتبنونه من " سلمية حراكهم " وشرعية مطالبهم , فينغرس في عقولهم وضمائرهم أن الغاية والوسيلة إليها لا بد وأن تكونا شريفتين نظيفتين , وأن الغاية لا تبرر الوسيلة إلا على المبدأ "الماكيفيلي العدائي "!!. وبذلك يستطيع إخواننا وأبنائنا من شباب الحراك الجنوبي أن ينتبهوا لأي تصرف غير مدروس , أو صوت شاذ غير مدرك , فيقوموا هم بأنفسهم لإصلاحه وترتيبه وتقويمه من داخلهم . أنصفوهم ... وكونوا لهم عوناً حتى يحافظوا على مصالح مجتمعهم العليا التي لا يجوز المساس بها بحال من الأحوال وتحت أي ظرف من الظروف , إذ المساس بها دمار للدار من الداخل , وإفساد لبنية المجتمع المتماسكة . وفي أولويات تلك المصالح : 1- الحفاظ على بقاء لحمة المجتمع وتماسكها من الانهيار والتقاطع . فإنهم يدركون أن مجتمعنا – الحضرمي خاصة - يختلف في تركيبته الاجتماعية عن غيره من المجتمعات حتى الجنوبية ذاتها , فبينهم من وشائج القربى والرحم والصهارة والجوار والتعاون والأخوة ما يجب تعزيزه وترسيخه , ولا يسمح في أي وضع لتشتيته ونشب العداوات بين أفراده وكياناته المختلفة , والله عز وجل يقول :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }. 2- الحفاظ على مصالح المجتمع العامة . من المدارس التعليمية , والمنشآت الحيوية , والطرق المسلوكة , وكل ما يمس بحياة الناس ومصالحهم , فإن الحفاظ على ذلك والبقاء عليه من مصلحة الجميع وخيره يعود عليهم , بينما المساس به والإضرار ببنيته هدر لمصلحة الوطن والمواطن على أية حال , وهو أيضاً من الفساد في الأرض الذي لا يحبه الله , كما قال تعالى :{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا }. 3- الحفاظ على القيم والمبادئ والأعراف الحسنة المنبثقة من صميم ديننا الحنيف والتي عرف بها مجتمعنا , وأصبح مضرب المثل عند الآخرين وحيث ما حل أو ارتحل , من الصدق والأمانة و حسن الجوار والوفاء بالوعد , وعدم الغدر والأذى للآخرين وغيرها من الأمور التي اشتهر بها المجتمع الحضرمي في الداخل والخارج ونال ثقة جميع المجتمعات العربية وغيرها . فأنصح لإخواني شباب الحراك الجنوبي .. أن يتنبهوا لهذه الأمور المهمة , والصور المشرقة في مجتمعهم ويعملوا على إحياءها وتجديدها , ويقفوا صفاً واحداً في وجه من يريد تشويه مجتمعهم , وخلخلة بنيتهم . *خطيب جامع سميح بحي السّحيل / سيئون