في كل بيت في اليمن اثنخنته الميليشيا الانقلابية بالجراح والألم . في كل بيت عزاء وفي كل مكان ذكرى للفجيعة . غير أن مصابي بك كان اكبر من احتمالي . فأنت لم تكن لي كل شيء فحسب بل كنت أنا وكنت أنت ولست أدري حتى اللحظة من الذي اغتيل فينا ، أنا الذي أظلمت كل افلاكي أم أنت الواقف منتصبا تواجه قبحهم الأسود . لم أتبين من منا هو الغائب ؟ ليست ذكراك بل ذكراي فلم تعد كل أيامي سوى ذكراك وأنت الذي لم تزل تشرق كالحلم وتضيء كالمشكاة ، وأنا الذي رحلت كل اشواقي واحلامي مع رحيلك لست أدري كيف اكتب عنك ، عن ما يسمونه الذكرى ، كيف أكتب عن لحظة فقدت فيها كل شيء ، عندما أتذكرها يتوقف بي الزمن ، وأعجز عن كل شيء ، أعجز حتى عن البكاء ، أعجز عن التصديق وأعجز عن تخيل أنك رحلت ، وأنني واقف في العراء وحدي كشجر الشتاء . يا إلهي ، كيف يمكن يامحمد أن تذهب هكذا دفعة واحدة ، بكل حضورك وبهائك ونورك واشراقك ، بشهامتك ورجولتك وكرمك وشجاعتك وبطولتك ، بشبابك وعنفوانك وتوقدك ، بنباهتك وحكمتك وفطنتك ، كيف ترحل يامحمد جميعك هكذا في يوم واحد ؟ فأنت لم تكن رجلا واحدا ، بل وطنا كاملا بكل طموحه واوجاعه ، بكل آماله وخيباته ، يسكنك الوطن وتسكنه ، يشغلك الوطن إلى الحد الذي لم تدخر من أجله غير دمك الذي امتشقته في الأخير لتقاتل به . إن الناس - يامحمد - باتت تعرف الشهداء قبل موتهم ، لهم سيماء لا تخطئهم ، ولقد كنا نعرف قبل استشهادك أنك استوفيت كل شيء ، " مندفعا ومتفجرا على الدوام " لم يبق لك إلا أن تفرد جناحيك وتحلق بهما عاليا وبعيدا ، بعيدا بعيدا في الضياء . لم تمت يا محمد أبدا ، ما زلت تعلمنا كل شيء تعلمنا أن التضحية من أجل الوطن بلا سقف ، وتعلمنا أن نحزن حتى الكمد الأخير وأن نعطي حتى القطرة الأخيرة وأن نحارب حتى الرمق الأخير وأن نبتسم حتى اللحظة الأخيرة ، وحين نطل في الذكرى مع النور لا نطل إلا مبتسمين كما أتخيلك الآن مبتسما في ضيائك . ليس لي فيك عزاء ، وليس يكفيك يا محمد أي رثاء ، هيهات يا أخي ان نرثيك " آه .. وهل يمكن ان نرثي جبلاً ؟" . جمعنا الله بك في مستقر رحمته علي عشال 10/6/2018