رمضان ليس شهر صفاء الروح فحسب، ولكنه إلى ذلك شهرٌ تزهر فيه المواهب الأدبية بمختلف تجلياتها، فكم من القصائد الجميلة الخالدة ولدت في أحضان هذا الشهر الرائق، ولقد رأيت في مكتبة الأخ الأديب وثيق السقاف ديوانا مخطوطا ضخم الحجم جمع فيه ما وقعت في يده من القصائد التي أرخها شعراؤها بيوم من أيام هذا الشهر المورق، والعجيب أن هذا الديوان على كبر حجمه خُصّص فقط في الشعر اليمني الحديث، وخُصّص من ناحية أخرى في الشعر الديني، وقبل هذا وذاك لم يورد الأديب السقاف كل ماوصل إليه من القصائد الشعرية وفق هذين المعيارين، ولكنها انتقى منها النصوص الفريدة وفق معايير فنية صارمة، وبالتالي فقد استثنى كما هائلا من النصوص ربما بلغ حجمها ضعف القصائد التي تضمنها هذا الديوان السقافي المحترم. فماذا لو توسّعت هذه الفكرة لتشمل الشعراء من غير اليمنيين من مختلف العصور والأحقاب، ولتشمل كل ما كتب في هذا الشهر من مختلف أغراض الشعر؟ لاشك أن الحصيلة ستكون مدهشة، مما يؤكد أن حالة الصفاء الروحي التي تؤثث فضاءاتها بجلال هذا الشهر وجماله مثلما تنعكس جمالا في الأخلاق والقيم مودة ورحمة فإنها تنعكس أيضا جمالا في عواطف الناس ووجدانهم بشكل عام وفي ملكات الشعراء والأدباء المبدعين منهم بشكل خاص فتولد هذه الآثار الجميلة الخالدة. ورمضان شهر للقراءة أيضا.. ففي كثير من الحوارات الصحفية التي أجريت مع كبار الأدباء مثل الأديب علي أحمد باكثير و الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح والأستاذ الأديب عبدالرحيم طيب بعكر والأديب السوري علي الطنطاوي يدين هؤلاء العمالقة لرمضان بتوثيق علاقاتهم مع الكتاب سواء في تلك القراءات الجماعية التي تحتضنها ليالي هذا الشهر كتقليد أدبي كان منتشرا بشكل كبير في كل الأقطار العربية قبل غزو القنوات الفضائية، أو على المستوى الفردي، حيث يصبح الكتاب خير مؤنس وجليس. ولاشك أن كل عاشق للقراءة يدرك فضل رمضان في تعزيز هذا المنحى الإنساني الجميل الذي تفتقده الأمة اليوم حتى قيل "إن أمة اقرأ لا تقرأ". ورمضان شهر الجمال الصوتي، ويكفي أن نعرف أن الأصوات الجميلة سواء من قراء القرآن الكريم أو من المنشدين اليمنيين والعرب أطلّت علينا من نافذة هذا الشهر الجميل، ولعل من أسوء آثار الغزو الفضائي أنه عمل على تغييب تلك الأناشيد الصوفية الرائعة التي كان الناس يؤدونها بشكل جماعي في مجالس أسمارهم وعلى مدى ليالي الشهر الكريم. فلله ما أجملك يا شهر الصفاء والجمال!!