الحج ليس مجرد مسافة تقطع الى المشاعر المقدسة، بل هو اطراح للقلب بين يدي الله، وتجديد لأثاث الروح. في رحلة بهيجة تلبي فيها الفطرة السوية نداء الله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. تلبية تزيح الغشاوة عن الفؤاد، وتمنحه جناحين من خشية ورجاء، وتفتح عليه أبواب علوية لرؤية بعض من ملكوت الله وجلاله وجماله وسعته، فتذوب الحشاشة التياعا في طاعته، وتنصهر المشاعر في المشاعر تعظيما لقدسيته. فما إن يلبس الحاج إحرامه حتى يخلع كل العلائق الدنوية التي تحول دون ارتقاء القلب في مدارج السائرين إليه، امتثالا لأوامره واجتنابا لنواهيه، فيقلم أظافر الأنانية والشح والهلع، ويصطف مع أمته في صعيد الخضوع له سبحانه، وحدة وتوحيدا، ويتلمس رضوانه باتباع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيؤدي النسك كما أداه، في تكامل مدهش مع المجموع الواقف على صعيد المعرفة بالله والعرفان بفضله وعظيم كرمه. ينحر الحقد والحسد، ويضحي بمحبوبات النفس طمعا في رضوان خالقها، يطوف مع الشرع حيث طاف، ويسعى مع المؤمنين في رحاب الحياة تنيمة واعمارا، يبدل السبب ويجلله بالتوكل.. يهجر التواكل ويتوب عنه بالمبادرة والتكافل، ويجعل من رضوان الله كعبة يطوف حولها في كل شئون حياته، ويصنع من المناسك معراجا للروح، فما ينتهي الحج الا وقد عاد كما ولدته أمه طهرا وبراءة، وقلبا سليما، وعتقا من النار، فالحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. * من صفحة الكاتب على الفيسبوك