منذ أن بدأت المواجهات بين أبناء قبائل أرحب المؤيدة للثورة وبين ألوية الحرس الموالية لصالح والمتواجدة في مواقع الصمع والفريجة وبيت دهرة كانت عزلة بني جرموز مسرحاً دامياً لتلك المواجهات التي دارت رحاها منذ أواخر شهر مايو وحتى اليوم. وبني جرموز هذه هي واحدة من 6 عزل أخرى تتكون منها مديرية بني الحارث الواقعة على التخوم الشمالية لأمانة العاصمة وتتبعها إدارياً. وتتكون عزلة بني جرموز هذه من القُرى التالية "غولة القاضي، وغولة ساعد، وقرية الغربي، وبيت الحسام، والقُصير، والهجرة، والخَبشة وبيت دهرة، والحَرَّه، والنبي أيوب، ومَراع"، ويبلغ إجمالي السكان المحليين أكثر من 12 ألف نسمة تقريباً، وفي التقسيم الانتخابي يوجد بالعزلة مركزين انتخابيين تابعين للدائرة 19 بأمانة العاصمة. وجد أهالي قرى بني جرموز عزلتهم في واجهة الحرب التي تشنها قوات صالح على أرحب ونهم بحكم موقعها الجغرافي. يقول محمد الجرموزي، أحد أبناء المنطقة، أن جبل الصمع الذي يتمركز فيه اللواء الثالث مشاة جبلي واللواء 83 حرس جمهوري ولواء تابع للدفاع الجوي والذي يدور حوله الصراع يقع جغرافياً في المنتصف بين مديرية أرحب وبين عزلة بني جرموز التابعة لبني الحارث. ويضيف الجرموزي: إن عزلة بني جرموز تمتد جغرافياً لتصل حتى شمال الصمع وباتجاه الجنوب أيضا، أي أن بني جرموز تحتضن جبل الصمع من الشمال وحتى الجنوب مروراً بالجانب الشرقي منه. ووفقاً لهذا الوصف الدقيق نجد أن بني جرموز واقعة جغرافياً في قلب المعركة ما بين قبائل أرحب وقبائل نهم المؤيدة للثورة وما بين القوات الموالية لصالح والتي تتمركز في جبل الصمع والفريجة في أرحب ومعسكر بيت دهرة حيث يتمركز اللواء 63 حرس ووحدات من المشاة الجبلي، ومعسكر بيت دهرة قد تم استحداثه خلال قبل سنوات قليلة، حيث أفادت المصادر أنه تم الاستيلاء على الأراضي التي أُقيم عليها الموقع عُنوة ولم يتم حتى الآن تعويض مالكيها. وطبقاً لأقوال الكثيرين من أبناء المنطقة فإن أغلب سكان قرى عزلة بني جرموز يؤيدون الثورة الشعبية السلمية، والبعض رجح أن تكون نسبة المؤيدين للثورة حوالي 70% من إجمالي السكان، وبناءً على هذه الحتمية الجغرافية الواقعة في بؤرة الصراع، وكذلك الرأي العام السائد والمؤيد للثورة الشعبية لدى أغلبية سكان بني جرموز. كانت القرى والمنازل والمزارع هدفاً مستمراً لقوات الحرس التي ما فتأت تقصف السكان والمنازل بمختلف أنواع الأسلحة ابتداء بالرشاشات وقذائف الPMوPT، ومروراً بالمدفعية والدبابات وانتهاءً بصواريخ الغراد والكاتيوشا، والتي تُقصف من أكثر من خمسة مواقع عسكرية هي الصمع وبيت دهرة والفريجة وكذلك الجميمة وخشم البكرة ومعسكر الخرافي الواقعة في نطاق بني حشيش وأمانة العاصمة. مأساة قديمة ومعاناة بعمر النظام.. من الناحية الخدمية تعتبر عزلة بني جرموز من أفقر المناطق خدمياً، حيث أن البني التحتية الخدماتية تكاد تكون معدومة، وهذا بدوره ولد حالة من الاعتماد على الذات في تحصيل الدخل من خلال المهن المتواضعة والزراعة، بينما يلجئون إلى المناطق المجاورة وخاصةً العاصمة فيما يتعلق بالخدمات الأساسية وخاصةً الجانب الصحي والتعليمي. فمن الناحية الصحية لا يوجد في عزلة بني جرموز سوى مركز صحي واحد يتوسط بني جرموز، ولكنه للأسف لم يُفتتح حتى الآن، ومؤخراً تعرض للقصف والاعتداء من قبل قوات الحرس، والآن تتمركز فيه آليات الحرس مع مجاميع من البلاطجة. وقد أفاد شهود عيان أن جنود الحرس والبلاطجة قاموا بنهب كامل محتويات المركز حتى الأبواب والنوافذ. وفي حالة وجود مريض أو حالة تستدعي العلاج في المستشفيات خارج العزلة، يقول أحد أبناء بني جرموز أنه في حالة اضطر أحد نقل مريض للعلاج في مكان ما فإن نقاط الحرس المنتشرة حول معسكرات الحرس بمحاذاة القرى وكذا نقطة الحرس أمام شركة مأرب للدواجن ستكوون لهم بالمرصاد، حيث قامت تلك النقاط باعتقال عدد من المواطنين ونقلتهم مع المريض أو الجريح إلى دهاليز سجون الحرس في السواد وغيرها. أما من الناحية التعليمية فهذه أكثر مأساويةً من سابقتها، إذ تتميز العزلة بضعف الإقبال على التعليم من قبل الجنسين وإن كانت شبه منعدمة في حالة الإناث، كما أن من يلتحقون بالتعليم سرعان ما يتركون الدراسة قبل الوصول إلى الثانوية بنسبة تصل إلى 80% من إجمالي الطلاب الملتحقين بالتعليم مع قلتهم. ويرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود مدارس ثانوية في العزلة بأكملها، إلى جانب اعتماد الأهالي على المهن اليدوية والزراعة في تحصيل الرزق حيث مثل هذا سبباً استدعى ضرورة أن يعمل الكبار والصغار من أجل تحسين دخلهم. بالنسبة لمصادر الدخل الرئيسية بالنسبة لأهالي عزلة بني جرموز فتتمثل قطع وبيع ونقل الحجارة وكذا صناعة الجص في معامل منزلية ونقلها إلى الأسواق في العاصمة والمحافظات الأخرى، بالإضافة إلى نقل مادة "النيس" التي تدخل في البناء، بالإضافة إلى زراعة العنب والقات وبعض المحاصيل كالخضروات والفواكه والحبوب، وهذه المصادر تضررت وتوقف معظمها جراء الحرب التي تشنها قوات الحرس على قرى ومناطق بني جرموز. وقد بلغت نسبة الذين توقفوا عن العمل في قطع الأحجار وبيع ونقل الجص والنيس حوالي 80% من تقريباً، من إجمالي عدد كبير من العاملين في هذه المهن، بالإضافة إلى توقف حركة نقل تلك المواد عبر المركبات المتوسطة والتي يتم نقل المواد فيها ، وتوقف حركة النقل هذه تعني حرمات مئات الآسر من مصدر دخلهم الأساس. أما بالنسبة للزراعة فإنها لا تقل تضرراً عن غيرها، حيث تعرضت كامل الأراضي الزراعية المملوكة لأهالي بني جرموز لأضرار كبيرة، وخاصةً مزارع العنب والقات بسبب سقوط آلاف الصواريخ والقذائف عليها مباشرةً الأمر الذي يؤدي إلى تدميرها ، إذ أن أغلب القصف الذي تتعرض له قرى بني جرموز إذا لم يصب المنازل فإنه حتماً لا يخطئ المزارع ، وإلى جانب ذلك تعرضت المزارع للإهمال والعطش وكذا الاعتداء المستمر من قبل جنود الحرس الذين يستبيحونها بشكل مستمر. وكمثال على حجم الدمار الذي أصاب الأراضي الزراعية جراء القصف والتدمير ، ذكرت مصادر محلية أن منطقة تُقلة تعتبر من المناطق الخصبة والتي تُزرع فيها محاصيل العنب والقات والذرة والبطاط والطماطم والحبوب والخوخ، وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه المنطقة حوالي 20 ألف لبنة ، إلا أن هذه المنطقة للأسف تكاد تكون الآن غير صالحة للزراعة، كما أن محصولي القات والعنب على وشك الانتهاء ، كل هذا بسبب القصف الذي أصابها أو لعدم قدرة المواطنين المالكين لتلك الأراضي على العناية بها وسقيها. دمار ونزوح .. ضريبة الوجود في قلب المعركة.. منذ بداية الحرب على أرحب وبني جرموز وحتى اليوم بلغ عدد الشهداء 16 شهيداً بينهم امرأتين و5 أطفال و2 من كبار السن، ومن إجمالي هؤلاء الشهداء هناك 5 أفراد من عائلة واحدة هي عائلة الشهيد ناجي دهرة حيث قضوا جميعاً جراء سقوط قذيفة مدفعية على منزلهم قبل أشهر، بينما بلغ عدد الجرحى أكثر من 40 جريحاً بينهم عدة حالات إعاقة دائمة. أما فيما يتعلق بالدمار الذي حل بالمنازل والممتلكات فحجمه لا يقل عن ذلك الذي حل بقرى أرحب، حيث تعرضت ولا تزال أغلب المنازل في مختلف القرى للقصف المباشر مما أدى إلى تدمير منازل كثيرة بشكل شبه تام وأخرى بشكل جزئي إلا أنها جميعاً لا تزال في مرمى الاستهداف الصاروخي والمدفعي. هذا في حين أن أكثر من 400 أسرة اضطرت للنزوح إلى منطقة الرحبة والمناطق المجاورة نتيجة استمرار القصف ليلاً ونهاراً بلا توقف، بينما اضطر باقي سكان القرى إلى الاحتماء بالطوابق السفلية من منازلهم نتيجة عدم وجود مناطق قريبة وصالحة لأن تكون ملاجئ آمنة. وفي مثل هكذا ظروف فإن للقارئ أن يتخيل حجم المعاناة التي يعانيها الآلاف من سكان قرى بني جرموز، حيث يضطرون للبقاء في منازلهم ، والكل لا يأمن أن يسقط على منزله صاروخ أو قذيفة عمياء. أما إذا فكر طفل أو شيخ أو امرأة أن يخرج أو أن يتسلل بجانب منزله فإن رصاص وقذائف الحرس قد لا تسمح له بالعودة سالماً ، وهذا ما حدث مع الحاج صالح حصن البالغ من العمر 65 عام، والذي استشهد أثناء خروجه من منزله باتجاه المسجد في بني جرموز. وأما معاناة الأطفال فحدث ولا حرج، إذ أنهم حُرِموا حتى من اللعب بحرية كغيرهم من أطفال العالم، ففي بني جرموز لا يجرؤ الأطفال على الخروج من المنازل واللعب فضلاً عن عدم قرتهم على الذهاب إلى المدارس. وخلاصة ذلك أن كل شيء في بني جرموز يمثل هدفاً مطلوباً لا تُخطئه قذائف وصواريخ ورشاشات الحرس العائلي ، حتى لو ككان طفلاً او شيخاً أو امرأة أو حتى حيوان ، بالإضافة إلى الاستهداف المستمر للسيارات والدراجات النارية وكل وسائل النقل الأخرى التي يملكها المواطنين في بني جرموز، فقوات الحرس لا تسمح لأحد بالتنقل عبرها ، وإلا فسيكون مصيره كمصير عبد الولي المراني الذي أُصيب وأحرقت دراجته التي كان يركبها بنيران الحرس وهو في منطقة الأبوة ظهر أمس السبت.