لم يكن يوم الثالث عشر من سبتمبر عام 1990م، مجرد يوم شهدت فيه مدينة صنعاء مهرجانها التاريخي لإشهار التجمع اليمني للإصلاح، بل كان ذلك اليوم حصاد حقبة ورمزية لاكتمال مرحلة طويلة من النقاشات والجهود والطموحات اليمانية في ولادة تيار أو حزب أو تجمع يعبر عنها ويشبهها ويستطيع التكيف مع واقعها وحمل طموحاتها نحو المستقبل بحب وصبر وعطاء. التجمع اليمني للإصلاح.. الحزب والكيان السياسي الذي اشرقت شمسه الأولى قبل ثلاثين عاما جاء من رحم الأرض اليمنية وكان بمثابة المولود البكر للوحدة اليمنية الذي ولد في أبهى صورة وأتم حال. بالعودة لوثائق مرحلة التأسيس والتقليب في صور المؤسسين الأوائل وأدبيات تلك المرحلة يجد المتابع سفرا يمانيا زكيا فيه اليمن بتنوعها واتساعها واختلاف مناخها وجغرافيتها بين سهل وجبل وساحل ومدينة وحضر وقرية ومدينة ورجال ونساء وشباب وطلاب وفلاحين وعلماء ونقابيين ومن كل مكونات هذه البلاد. المؤسسون الأوائل أدركوا حاجة البلاد لكيان وسطي يخاطب أرواحهم ويعيش واقعهم ويسمو بهم نحو مدارج الرقي والغد المنشود، وكانت هناك الطليعة الأولى من 1200 شخصية يمنية تقدموا للشعب اليمني حاملين وثيقة الإشهار والخطوط العامة التي تحدد ملامح مرحلة قادمة نعيش اليوم بعضا من تأثيراتها وثمارها وتقطف البلاد زرعا وضعت بذوره الطليعة الأولى.
انتشار وتنوع بحجم اليمن رغم متابعتي الواسعة لم أجد حزبا يمنيا احتوت كشوفات تأسيسه وبداياته هذا الكم المدهش من الانتشار الجغرافي والفئوي والمهني والتخصصي الممتد في كل قرية ومدينة ومديرية، كان حظ بعض الأحزاب أن يكون تأسيسها في مرحلة التشطير فسبقت في ميلادها حزب الإصلاح، ولكن ربما انعكست ظروف التشطير على كشوفات التأسيس، بينما كان التجمع اليمني للإصلاح ومن خلال أسماء مؤسسيه الأوائل ممتدا بحجم البلاد، على أن ذلك لم يكن محض صدفة مرتبطة بإعلان الوحدة التي سبقت ميلاد الإصلاح بأربعة أشهر، إذ أن أحزاب كثيرة تم إعلانها عقب الوحدة المباركة ولم تستطع طيلة ثلاثة عقود أن يتجاوز بعضها دائرة قرية أو مديرية أو مذهب المؤسسين. أثناء تقليبي في صفحات ووثائق مرحلة تأسيس التجمع اليمني للإصلاح وجدت أسماء ووجوه وتفاصيل ربما فاتت الكثيرين ونساها الجيل الجديد لكن العودة إليها يكشف أن هذا الموكب اليماني ولد عظيما وبحجم طموحات رواده الذين رأوا فيه وريثا شرعيا لحركة الإصلاح الوطني المعاصرة التي تشكلت منذ الثلاثينات وترى نفسها امتدادا لكل تجارب وجهود دعوات الإصلاح والصحوة اليمنية التي تراكمت أدبياتها منذ لسان اليمن ومؤرخها الحسن بن يعقوب الهمداني ثم عالمها وزعيمها نشوان بن سعيد الحميري وقاضي قضاة القطر اليماني محمد بن علي الشوكاني وابن الأمير وابن الوزير وصولا الى رجالات الحركة الوطنية المعاصرة ومنهم القاضي الارياني والشيخ الدعيس والأستاذ النعمان والعلامة البيحاني والقاضي الأكوع وأبو الاحرار الشهيد محمد محمود الزبيري. لقد كان حزب الإصلاح ولا زال يرى نفسه امتدادا لتلك المدرسة التي تجمع بين الأصالة المعاصرة تجمعا يمانيا يؤمن بالإصلاح المتدرج وينطلق من عقيدة شعبه السمحاء وتاريخه العريق ونضاله المستمر وانفتاحه على كل تجارب الأمم والشعوب من حوله.
فمنهم من قضى نحبه لا يكفي المجال هنا لاستعراض التنوع والانتشار الممتد في كل ربوع اليمن منذ لحظة التأسيس، يمكن العودة لمعرفة ذلك إلى قائمة الستين عضوا المؤسسين الهيئة التحضيرية وقائمة ال 1200 عضو الهيئة التأسيسية وقائمة أعضاء المؤتمر العام الأول ومجلس شورى الحزب (لجنته المركزية) المنعقد نهاية عام 1994م وقوائم مرشحيه في الانتخابات البرلمانية وممثليه في الائتلاف الحكومي، سيجد المتأمل وطنا في رجالات الحزب الذين يتشكلون من كل التخصصات والفئات والمستويات والاهتمامات فضلا عن المناطق والمشارب الثقافية والفكرية الوطنية. سنكتفي هنا باستعراض نوعي في أسماء وصور أبرز الأسماء من الراحلين الأبرار الذين شاركوا في تأسيس التجمع اليمني للإصلاح من أعضاء الهيئة التحضيرية والهيئة العليا ورؤساء فروع المحافظات والشخصيات البارزة سائلين الله لهم الرحمة والمغفرة.
صنّاع سبتمبر وأكتوبر في موكب الإصلاح لا يحضر الحديث عن رجالات سبتمبر المجيدة وما تلاها من صراعات وحروب لتثبيتها وحمايتها الا ويذكر المؤرخون اسم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر كواحد من رجالاتها الكبار فهو وزير داخلية لحكومة الجمهورية العربية اليمنية في صنعاء ثم نائبا لرئيس الوزراء وزيرا للداخلية. كما لا يمكن الحديث عن ثورة أكتوبر الظافرة الا ويأتي ذكر اللواء المناضل حسين عثمان عشال القائد العام لجيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عدن. وحين كان ميلاد الإصلاح كان الأحمر وعشال في مقدمة أعضاء الهيئة التحضيرية العليا للحزب ثم اصبح الأحمر رئيسا للهيئة العليا. ومن رجالات سبتمبر والشخصيات الوطنية التي دافعت عنها وحاربت لأجلها ضم الإصلاح في صفوفه أسماء وقامات سامقة حيث يواجهنا متصدرا قائمة الستين مؤسسا اسم حارس الهوية اليمنية ومؤرخ اليمن ومحققها البارز القاضي إسماعيل بن علي الأكوع الذي قضى في سجون الإمامة ومعتقلها الرهيب في حجة سنوات من عمره وكذلك حال رفيقه في السجن وأحد رواد الإصلاح ورجالاته الأستاذ علي بن عبدالله الواسعي كما شملت قائمة الستين مؤسسا اسم المناضل السبتمبري الشيخ عبدالله ناجي دارس من أبناء دهم الجوف والشيخان سليمان الفرح وقايد شويط من صعدة والشيخ التهامي الثائر علي صغير شامي من زهرة الحديدة والأستاذ المناضل محمد بن حسن دماج وهزاع ضبعان ومحمد مشعوف الأسلمي وعضوا الهيئة العليا الشيخ محفوظ شماخ والأستاذ حمود هاشم الذارحي وغيرهم رحمة الله تغشاهم أجمعين.
فرسان ترجلوا بعد اكتمال البناء خلال السنوات الماضية والعقود الثلاثة غيّب الموت من رجالات الإصلاح وقياداته أسماء وقيادات وطنية كان لها حضورا بهيا في الذاكرة وتأثيرا في أوساط مجتمعها ودورا رياديا في مسيرة الحركة الوطنية الإصلاحية اليمنية نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة. واضافة للأسماء الواردة أعلاه، لا يمكن لأي متابع أن ينسى من علماء الدين وقضاته ورجال الفكر المستنير إسم القاضي يحيى بن لطف الفسيل والشيخ عمر أحمد سيف والقاضي محمد بن يحيى مطهر كما لا يمكن بحال نسيان اسم الوزير النزيه والإداري والبرلماني الشجاع الدكتور عبدالرحمن بافضل رئيس الكتلة البرلمانية للتجمع اليمني للإصلاح، ولا رئيس الهيئة القضائية للحزب العلامة المتحرر والشجاع في مواجهة العنصرية الشيخ سليمان الأهدل.
أقطاب البلاد ومداميكها ثمة راحلون كثر من رجالات الإصلاح وفرسانه في كل المحافظات، خلال السنوات العشر الماضية ترجل وغادرت دنيانا وجوه كانت البلاد في أمسّ الحاجة إليها. العاصمة صنعاء افتقدت تباعا رئيس مكتبها التنفيذي الدكتور عبدالعظيم العمري، وأمين المكتب الدكتور صالح السنباني، كما ودعت عدن رجالات التأسيس ورئيسا المكتب التنفيذي الشيخ الجليل محمد عبد الرب جابر والأستاذ الشهيد صالح سالم بن حليس. عمران هي الأخرى ودعت فارسها الحكيم فيصل بن عبدالعزيز الضلعي كما ترجل رئيس إصلاح حجة المتجرد الأستاذ عبدالله بن عبدالله قشوة ليتبعهم إلى الله رئيس مكتب صعدة الأستاذ علي غائب زيد اثر حادث مروري في حضرموت والشيخ صالح محفل والشيخ غالب المسوري في ريمة والشيخ محسن البرير رئيس مكتب الجوف والأستاذ محمد عبدالله كعوات أمين المكتب، كما شيعت مارب مفتيها وعلامتها الجليل الشيخ سعيد بن عبدالرحمن سهيل. ليس الموت الطبيعي وحده من غيّب عنا هذه الكواكب، ترجل شهداء كل من الأستاذ أحمد علي باحاج أمين إصلاح شبوة في دورته الأولى ورفيقه وتوأم نضاله الأستاذ محمد حسين عشال أمين إصلاح أبين، وبرصاصات الغدر غادرنا بغتة رئيس إصلاح ذمار الأستاذ حسن اليعري وأمين إصلاح تعز المساعد صادق منصور ومثلهما نالت رصاص الغدر من روح سالم صالح حليس في عدن.
ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا مع تذكر كل اسم من رجالات الإصلاح وكوادره الراحلين تجدهم كخيوط الشمس التي اتخذها الإصلاح رمزا انتخابيا له، كلما مات راحل منهم خفت شعاع من أشعة اشراقتها، على أن هذا الحزب مازال فتيا وشابا تضخ الأجيال فيه دماء جديدة كل يوم وتبعث من خلاله الروح المقاومة والهوية اليمانية في البلاد، واجه الإصلاح في محطات تجربته الممتدة ثلاثة عقود كثير من التحديات، أقساها ما عاشه الإصلاح كمؤسسات وأفراد منذ الانقلاب الإمامي الهمجي الحاقد، استنفرت الامامة كل قبحها وفجورها ورغبتها من الانتقام في يمن الجمهورية فوجهت سهامها نحو الإصلاح ورجالاته ومؤسساته لتوقعها أنه روح البلاد التي ستقهرها باستهدافه، توزعت التبعات التي تحملها هذا الحزب وشبابه في كل البلاد وفي المنفى هذه المرة، لكنه ظل وسيظل بإذن الله شامخا عصيا على الانكسار، مر من عمر المحنة القاسية ست سنوات كان الإصلاح واجهة الاستهداف ومرمى نيران كل الخصوم، لكنه ظل ينبض باليمن ويحميها ويفتديها بصدور أزكى ما انجبت اليمن، توشك الأزمة ان تنتهي وهي فعلا ضعفت كثيرا عما كانت عليه. الشعوب لا تموت، وقدركم أيها الإصلاحيون أن تشهدوا ميلاد فجر بلادكم وتكونوا أبرز صنّاعه، سيذكر لكم التاريخ نبلكم وكفاحكم، غدا ستصبح الآلام ذكريات جميلة بعد أن تزول. ستتناقل الأجيال القادمة بفخر ما تروونه لهم من قصص النضال والحب والفداء.. والإصلاح.. | الصحوة