منذ أن غاب الوفاق السياسي، وتلاشت الثقة جاءت النتائج كارثية على الوطن بأكمله، لم تنعم السلطة بالاستقرار، ولم تحقق المعارضة أهداف التغيير الذي تدعو إليه. زادت معاناة المواطن في كل جوانب الحياة، تراجع الاقتصاد، وهبط سعر العملة الوطنية، وتخلفت الخدمات العامة، وزاد السخط الشعبي، سنوات عجاف مرت بشعبنا اليمني، ارتفع خلالها ضجيج الخلاف، وتصاعد الصراع، واتسعت دائرة الاحتجاجات، وفتحت المعتقلات، وعقدت المحاكمات، واشتعلت حروب، وما زال هناك من ينفخ في الكير ليزيد النار اشتعالاً، وربما تلذذ برؤية المأساة!! شعرنا بشيء من الهدوء الذي يسمح بالتقاط الأنفاس بعد خطاب الأخ رئيس الجمهورية في الذكرى العشرين للوحدة، وإعلانه إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي والصحفيين ودعوته إلى الحوار وتنفيذ اتفاق فبراير 2009م، وهذا هو الاتجاه الصحيح، وفيه المخرج من حالة الاحتقان، ونحن ندعو من حول الرئيس أن يعضدوا هذا السير، ويشجعوا عليه، وعدم التردد في إطلاق سراح معتقلي الرأي، وعدم الالتفات إلى بعض التصرفات التي ربما جاءت من هنا أو هناك تحاول أن نعود إلى نقطة البداية من جديد. ردود الفعل كانت إيجابية في مجملها، فقد رحبت أحزاب المشترك بالمبادرة، واستقبلت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني ذلك بإيجابية وأبدت استعدادها للتعاون مع السلطة للخروج من الأزمة، وحتى بعض المعترضين يمكن أن يستوعبهم الحوار، ويبدد مخاوفهم، لابد من الطمأنة والتسامح وإشاعة أجواء الصفح والتغافر. المحافظة على أجواء الوفاق مسئولية جميع القوى السياسية، حتى يتم الحوار في مناخات صحية تسمح بالوصول إلى حلول جذرية لجميع المشكلات، ولاشك أن الأخ رئيس الجمهورية الأكثر قدرة على تهيئة الأجواء النقية، ونأمل أن لا نسمع في خطاباته ما يثير النفوس كالهجوم تصريحاً أو تلميحاً على أي من القوى السياسية، لأن كلمة واحدة منه أو إشارة تتحول إلى برنامج شامل عبر كل المنابر الإعلامية الرسمية، وتصبح مادة يكررها كل المسئولين ويطيروا بها فرحاً ولاسيما أولئك الذين اعتادوا على العيش في أتون الخلافات والصراعات، فالإعلان –مثلاً- عن اجتماع اللجنة العليا للانتخابات المنتهية صلاحيتها استفزاز يحاول تدمير جسور الحوار قبل أن يبدأ!! والمعارضة وفي مقدمتها أحزاب اللقاء المشترك عليها أن تأتي بقلوب مفتوحة وتضع على مائدة الحوار كل ماتريد، وعليها أن تتحمل بعضاً مما لا يعجبها حتى تساعد في الخروج بالبلاد من الأزمة الخانقة. ندرك جميعاً الشعور بالغبن والظلم الذي لحق بهذه الأحزاب وأفرادها وقياداتها وما صاحب ذلك من تهميش وإقصاء وهجوم إعلامي، لكن الكبار يحنون رؤوسهم للعاصفة، ويتجاهلون الإساءة، ويلملمون الجراح، ويكتمون الآلام ليمضوا في الطريق الموصل إلى بر الأمان. والصحافة والإعلام نتمنى أن تواكب التوجه نحو الوفاق، ولا تفرح بالأخبار المزعجة ولا تصب الزيت على النار، حتى لايهدر المزيد من الوقت في الأقوال في الأقوال والردود عليها. الصراع هو البديل للوفاق، ولن يسلم من نتائجه الكارثية، أحد في السلطة أو المعارضة ولن يستفيد لا المواطن ولا الوطن، ولن يهنأ الجميع بالعيش والاطمئنان، وسيخسر كل بحسب مكاسبه السابقة .. نحن بحاجة إلى بيئة مساعدة، وإعادة الثقة ستأخذ زمناً، ولكن التطبيق العملي وحسن النوايا هو الذي سيبدد الشكوك ويمحو الإغْبرار. أيها السياسيون لا تعودوا إلى نقطة الصفر، ولا تنكأوا الجراح، ولا تستجروا الآلام، ولا تكثروا من اللوم، ولا تبحثوا عن مبررات الفشل، ولا يكن همكم تحميل الآخر المسئولية، فالبلاد تتصدع، وتنذر –لاسمح الله- بالانهيار، ومازال في القوس منزع، فأنتم ترسمون المشهد السياسي اليوم، والريشة مازالت في أيديكم فأحسنوا استخدامها، واجعلوا من اختلاف الألوان لوحة بهجة تسر الناظر، وتجبر الخاطر، وإياكم أن تستخدموا الألوان المعتمة، واحذروا أن تسقط الريشة من أيديكم: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).