إيمان الإنسان بسنة التغيير جعله لا يتوقف عن الحركة والنشاط, والشعوب التي نهضت بعد تخلف, وتطورت بعد جمود تخلصت من الرتابة, وتمردت على الخوف وذهبت تبحث عن الجديد, انطلقت من الواقع بطموح مشروع, فحولت أحلامها إلى حقائق, وكان بناء الإنسان هو البداية , فحين يشعر الإنسان بقيمته وكرامته وينال حريته يبني الحضارات, ويبدع في مجال العلم والفكر والأدب والفن, يشيّد البنيان, ويزرع الأرض, ويقيم المصانع, ويستخرج الخيرات من باطن الأرض, ويبحث عنها في السماء وتحت الماء ... من أجل التغيير قدم اليمنيون التضحيات بسخاء, خرجوا كما لم يخرج شعب مثلهم عدداً ومُدداً, صبراً وتحملاً, لكنهم مع ذلك تجنبوا الأسوأ, وابتعدوا عن الفتنة والحرب الأهلية, وافقوا على تسوية سياسية تسير بهم نحو التغيير المنشود والمدروس, ومن يستعجل النتائج ويريد قطف الثمار اليوم ربما يشعر بالإحباط, لأنه لم يلمس التغيير, ولم ير الأمنيات تتحقق بعد, ولو أنه أمعن النظر سيلحظ أننا في مرحلة انتقالية يتم فيها إعادة ترتيب البيت اليمني, ليؤول القرار للشعب وتنتهي الأوضاع الاستثنائية, التي ظلت أوزاراً أثقلت كواهل الشعب والقوى السياسية, حتى لم يعد في القوس منزع يسمح بمزيد من الاحتمال, ومن الصعوبة إعادة تجريب المُجرّب !! ما نزال نرى بعض الأذكياء – فضلاً عن الأغبياء – لم يستوعبوا المرحلة الراهنة, ومابرحوا مشدودين إلى الماضي يريدون إعادة إنتاجه, كمن يحلم بإمكان إعادة المولود إلى بطن أمه, لم يتمكنوا أن يتفاعلوا مع المستجدات, تناسوا كيف تفاقمت الأزمات التي لم يُجد معها دسّ الرؤوس في الرمال, حتى اندلعت ثورة جاءت متقدمة على رؤى المفكرين والساسة والمنظرين, ومثلت مخرجاً وانفراجاً ينبغي الاستفادة منها لبناء المستقبل الذي يستوعب اليمنيين بآلامهم وآمالهم وطموحهم في العيش الحر والكريم . كلما أردنا نسيان الآلام جاء من ينكأ الجراح, ويحرك المواجع, ويثير الزوابع, ويعيد إنتاج الأزمات, ويتناسى الماضي القريب وكأنه لا يريد إلا أن يؤخذ بجريرة ما فعل ويعاقب على ما قصر وأهدر, فلم يسعه التسامح ولم يقبل الصفح والتغافر الذي يسعى إليه العقلاء والحكماء !! المؤتمر وحلفاؤه والمشترك وشركاؤه يتحملون اليوم المسؤولية, ويجب أن لا يتهربوا من تبعاتها, لكن لا يصح أن يمارس أيٌ منهم المعارضة بينما هو مشارك في السلطة, ومن المعيب أن يتفرغ كل طرف لإفشال الطرف الآخر, ولهذا فإن معارضة حكومة الوفاق, والتناولات الإعلامية التي تبث اليأس والإحباط تعبر عن رغبة في النكوص عن ما تم الاتفاق عليه, وتسعى لإفشال التسوية السياسية, وهذا أمر لم يعد ممكناً ولا مقبولاً ولا منطقياً, فليس أمام اليمنيين إلا أن يمضوا في الحوار الذي لا يستثني أحداً, والترتيب لليمن الجديد الذي يستوعب أشواقهم وآمالهم, وقد أبحرت السفينة ولابد أن يحرص الجميع أن تصل إلى بر الأمان ... لم يعد سراً التأكيد بأن اليمن شهدت ثورة عظيمة من أجل التغيير ورحيل نظام سابق لم يحقق طموحات اليمنيين ولم يتمكن من بناء دولة المؤسسات, وعمل على بناء دولة الأسرة ومضى نحو التوريث وأغلق الأبواب في طريق الإصلاحات, والاعتراف بأن هذا الاجتهاد كان خاطئاً يمثل البداية الصحيحة لتجاوز مآسي الماضي, ومن ثم نسيانه والانشغال بالمستقبل, ولا يجوز القفز على تضحيات الشعب اليمني وفي مقدمتهم الشباب الذين جادوا بأرواحهم ودمائهم من أجل أن ينال شعبهم الحرية والكرامة, وينعم بالأمن والاستقرار والعدالة والمساواة ... نتمنى أن نرى التنافس اليوم في البناء وترميم العلاقات وبلسمة الجراح, نتطلع لأن يعمل الجميع لاستعادة الأمن والاستقرار, وإنهاء كل مظاهر إقلاق السكينة العامة من قتل أو اختطافات أو قطع للطرقات أو اعتداء على المرافق والمصالح العامة, أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية والمشايخ والوجهاء والعلماء وأرباب الفكر والقلم, وجميع المواطنين كلهم مدعوون للإسهام في هذا الواجب " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " [email protected]