[email protected] قال اليمنيون كلمتهم يوم الثلاثاء 21 من فبراير, وصوّتوا للمرشح التوافقي عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية للفترة الانتقالية, وبالبطاقة الانتخابية طووا صفحة الماضي بمآسيه وآلامه, وتلك ثمرة لسنوات من النضال السلمي الذي توّج بالثورة الشبابية الشعبية السلمية, تحقيقاً لتطلعات اليمنيين في التغيير, والانتقال إلى يمن العدل والمواطنة المتساوية ودولة المؤسسات . غلّب اليمنيون صوت العقل, وانحازوا للحكمة, ارتفعوا فوق جراحهم, ونظروا للمستقبل وفاءً لدماء الشهداء وتضحيات المناضلين, وأملاً في أن يعيش أولادهم وأحفادهم حياة كريمة تليق بإنسانيتهم وأمجادهم وأشواقهم في رؤية يمن جديد خال من الاستبداد والظلم والفساد والتمايز والاستعلاء! وطالما عبرنا بحمدالله على جسر الانتخابات بأمان فلابد من وضوح الرؤية وتحديد المسار الذي يمنع تكرار الأخطاء وعودة المعاناة, وذلك بتغيير الكثير من المفهومات الخاطئة التي سادت خلال العقود الماضية, وكانت سبباً في المآسي والآلام التي عانى منها شعبنا اليمني الكريم, فنحن بحاجة إلى ثقافة جديدة تعيد توازن الشخصية اليمنية, وتعلي من قيم الحرية والعدالة واحترام كرامة الإنسان .. ** في المقدمة لابد من إعلاء شأن الشعب, وعدم تمجيد الأفراد ابتداء برئيس الجمهورية الذي لا يمنع احترامه وتقديره أن نتعامل معه كأخ كبير لكل اليمنيين, ويكفيه من الألقاب أنه رئيس الجمهورية, ليس بالضرورة أن يكون وحيد دهره وفريد عصره, لايحتاج أن يُقال عنه: الزعيم - الملهم – البار – الرمز - صاحب الفخامة..الخ, بحيث يصبح مقدّساً يحرّم نصحه أو مراقبة أعماله, أو محاسبته إذا أخطأ, تلك مفهومات قاصرة يجب أن تتغير لتحل بدلاً عنها مفهومات احترام الشعب مالك السلطة ومصدرها, فالشعب هو من يستحق أن يُمجّد ويُشكر ويُقدم له الاعتذار عن الأخطاء؛ ثقافة يجب أن تُقنّن وتكتب في الدستور والقانون, إن مثلَنا الأعلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - المعصوم والمؤيد والمسدّد بالوحي, كان واحداً من الناس لايحب الإطراء والتبجيل, كيف وقد علّمه ربه أن يقول: "قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ" , هذه ثقافتنا التي يجب أن نعيد صياغة حياتنا والتعامل مع زعمائنا على أساسها. ** احترام الإنسان وعدم التعدي على خصوصياته أو انتهاك حرماته هو الذي يصنع مجتمعاً قوياً, ويجب أن يُعاقب من يتجاوز حدوده بما في ذلك أجهزة الأمن التي يجب أن تكون خادمة للشعب محافظة على مصالحه وكرامته, وتلك ثقافة يجب أن تتأصل في مناهج التربية والتثقيف وفي مقدمتها المعاهد والكليات العسكرية والأمنية. ** النزاهة والعفة والتضحية والإيثار سلوك يجب أن يصبح محل التكريم والاحترام, في مقابل ازدراء وتحقير ثقافة الفساد والجشع والنهب والأَثرة, ليصبح التقدير فقط لمن يبتعد عن الشبهات ولا يمد يده للمال العام ولا يعتدي على حقوق الغير, وحتى يغدو المفسد والنّهاب ممقوتاً مُداناً من العامة والخاصة؛ واقعاً تحت طائلة العدالة والرقابة المجتمعية!! ** التواضع ولين الجانب والخلق الحسن واحترام الآخرين ثقافة إسلامية أصيلة, لابد أن تحل بدلاً عن الاستكبار والاستعلاء والعنجهية والمظاهر الخادعة, ويجب إيقاف نزيف الخزينة العامة التي تُصرف على المظاهر الشكلية, أو من أجل إعطاء هالة من التبجيل والتعظيم لأشخاص في مختلف المواقع السياسية أو الإدارية أو الاجتماعية, نريد أن ينعم كبار القوم بحريتهم ويعيشوا بأمان بين إخوانهم أفراد المجتمع, يدخلون الأسواق ويسيرون في الطرقات منفردين أو مع أسرهم, يحضرون المناسبات بدون استعراض مظاهر القوة والسطوة, وأتمنى أن يترك الجميع أسلحتهم في بيوتهم ويُحضَر عليهم التجوال بها, فلسنا في حرب ولا في معرض لبيع الأسلحة, وعندما يلتزم علية القوم سيقلدهم عامة الناس .. ** المطالبة بالحقوق واستعادتها يجب أن يكون بالعودة لأجهزة الدولة والاحتكام للقضاء والالتزام بالقانون, بدلاً عن الفوضى العارمة المتمثلة بقطع الطرق, واستخدام القوة والتعدي على الآخرين أو استباحة الدماء البريئة, يجب أن يعاد صياغة الثقافة المجتمعية لتصبح السلبيات محل نفور واستنكار مدعومة بتطبيق العدالة ومعاقبة الظالم. ** العلم والكفاءة والتجربة والعمل والإنتاج والنشاط والتفاني لخدمة المجتمع, ثقافة يجب أن تحل بدلاً عن المحسوبية والعصبية والإهمال والانتهازية واللامبالاة وتغليب المصالح الخاصة. ** التعايش والقبول بالآخر واحترام توجهات واجتهادات ورؤى من نختلف معهم ثقافة لابد أن تتجسد في حياتنا بدلاً عن فرض الرأي بالقوة والقهر والغلَبة, ليحل الأمن والسلام والمحبة والوئام, وحتى نخرج من أتون الصراع والاحتراب, على أني لا أدعو للانفلات وإطلاق الحبل على الغارب, فإن لكل مجتمع ثوابته ومقدساته التي يجب أن تكون محل احترام الجميع.. ** تلك أمثلة فقط , فنحن بحاجة إلى ثورة تأتي على المفهومات الخاطئة والقاصرة في حياتنا لتجتثّها من جذورها, ولتحل بدلاً عنها القيم والأخلاق والصفات الفاضلة والإيجابية, نريد أن يتفرغ الشعب والسلطة معاً للبناء والإعمار, ويعمل الجميع لتسود قيم المحبة والتسامح والتغافر, نريد أن يكون التنافس في أوجه الخير وميادين العطاء هو محل الفخر والاعتزاز, وبهذا يمكننا أن نخرج من وهدة التخلف لنبني يمناً جديداً بثقافة جديدة وأصيلة ...