الشرع والعقل والمنطق والمصلحة والتعايش، جميعها تقول بأن الحرب هلاك ودمار، قطع لصلات القربى والرحم، وتجاوز للعلاقات الإنسانية، وتأسيس للعداوات والثارات، بغض النظر من ينتصر فيها ومن ينهزم. الحروب تزهق الأرواح وتأكل الموارد، وتزيد الآلام والمواجع، وعندما تكون بين إخوة يجمعهم دين واحد ووطن مشترك تصبح الحرب عملاً عبثياً وجريمة بشعة وعدواناً ممقوتاً، يفقد السند الأخلاقي مهما كانت مبررات أصحابه! ما يحدث اليوم في دماج صعدة فتنة بيّنة، وحرب غير مقدسة ضد الإنسانية والأخوة والتعايش، وضيق بالآخر، واستعلاء بالباطل، وستعود بالخزي والعار وسوء الذكر في الدنيا والآخرة على من أشعل أُوراها، أو تسبب فيها أودعىٰ إليها أو حرض عليها أو أسهم في تمويلها!! لقد ظل العقلاء يستنكرون حروب صعدة الستة، وشاركت القوى والأحزاب السياسية في الجهود التي بذلت لإيقاف تلك الحروب، والدعوة لمعالجة آثارها وتداعياتها، وذلك منطق العقل والعدل والإنصاف، وسيظل الداعون للمحبة والسلام محل احترام وتقدير الشعب، ولن يذهب مشعلو الحروب والفتن إلا بالخسران على المدىٰ القريب والبعيد. تنفس الناس الصعداء بإيقاف الحرب السادسة في صعدة، وأكد الجميع على ضرورة قطع دابر الفتنة ومنع الأسباب التي تؤدي إلى الاحتراب من جديد، وكان يجب مغادرة ثقافة الحرب لتحل بدلاً عنها قيم الحُب، وينتهي الخصام بالوئام، ويذهب التحدي بالتعايش والقبول بالآخر، وينطلق الجميع ليكسبوا النفوس ويحققوا الانتصارات السياسية والفكرية بدون قتل وقتال، لكن الاستعداد للحروب ونشر ثقافة الموت أخذت تتصاعد فاشتعلت عدة حروب في الجوف وحجة وعمران وإب، وفي أكثر من جهة، وأخيراً في دماج صعدة... وكأنه قد كتب على اليمنيين النكد وأن لا ينعموا بالأمن والاستقرار!! إغلاق صفحة الحروب هي الثقافة التي يجب أن تسود ليتفرغ الناس لعمارة الحياة، وزراعة الأرض ونشر الخير في ربوعها، وستبقىٰ الرؤىٰ السياسية والتوجهات الفكرية والخلافات المذهبية تنوع لابد منه يعطي للحياة حلاوتها، ويفتح الباب واسعاً للحوار والنقاش والأخذ والعطاء من دون قسر أو إكراه ولا تزمت أو استكبار. لقد تقاتل الغربيون وسكبوا أنهاراً من الدماء؛ ثم ثابوا إلى رشدهم، وتبين لهم أن حروبهم لم تجلب لهم إلا الخراب والدمار، فعقدوا العزم على إغلاق تلك الصفحة المظلمة من تاريخهم، وتوجهوا للبناء والإنتاج والتكامل، وسخروا كل إمكاناتهم لإسعاد مواطنيهم، وكانت الحرب العالمية الثانية آخر الحروب الطاحنة بينهم، ومن بعدها أحدثوا هذه النهضة التقنية والاقتصادية والعلمية العملاقة، وما كان لهم أن يصلوا إلى هذا الإنجاز لو أنهم استمروا في دوامة الحروب والاقتتال! ألسنا المسلمين أولىٰ بثقافة المحبة والسلام والتعايش والتكامل والتعاون بيننا على البر والتقوى؟ ألم يحرم الإسلام قتل النفوس البريئة، ويمنع ترويع الآمنين؟ ويشدد العقوبة على المفسدين في الأرض؟ ونحن على وشْك قطف ثمار مؤتمر الحوار الوطني نفاجأ بإشعال الحرب في دماج، وهي حرب عبثية إذا لم تتوقف فوراً - واليوم قبل الغد - فإنها لن تقف في محافظة ولا مديرية ولا قرية ولا قبيلة ولا عائلة ولا بيت، إنها الفتنة الطائفية المقيتة التي ستنهي صلات القربىٰ والرحم، وستفقد اليمنيين - من دون استثناء - أمنهم واستقرارهم وأموالهم وإخوتهم، بل تاريخهم الذي جعلهم يتعايشون معاً لقرون طويلة. لا شك أن السلطة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية لإيقاف الحرب ومنع تداعياتها، لكن السلطة بحاجة إلى جهد الأحزاب والقوى السياسية والعلماء والوجهاء والمفكرين والعقلاء وأرباب القلم ليدلي كل بدلوه لإطفاء نار الحرب وإحلال السلام، ونشر عطر الحب والتعايش بدلاً من نتن الكراهية والتعصب، ونثر الورود والزهور بدلاً من القذائف والرصاص... [email protected]