أوجد الله الإنسان في هذه الدنيا ليعمر الأرض وينشر الخير والسلام، وجعل اختلاف الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا، ويتعاونوا لإقامة الحياة على العدل والمساواة والإخاء، وستبقى الخلافات حول المبادئ والمصالح صفة ملازمة للبشر لتعدد بيئاتهم وتنوع ثقافاتهم، وعليهم أن يسلكوا سبل التفاهم والحوار لوضع حلول لما يختلفون حوله. الدعوات للحروب وتمجيد ثقافة الموت تعبر عن حالة اليأس والإحباط، ولا تدل على القدرة والقوة والشجاعة، فمن أغلق على نفسه آفاق الحياة وسدّ أمامه أبواب التعايش مع الآخرين، ولم يجد مساغاً لتحقيق ما يؤمن به ويدعو إليه، فإنه يلجأ للقوة والعنف للانتصار على خصومه، أو الوصول لمكاسب عاجلة سرعان ما تنقلب وبالاً عليه في قادم الأيام. تاريخ البشر مليء بذكريات الحزن والألم بسبب الحروب وتبعاتها، ومن المؤسف أن يأتي المتأخر متحمساً لتكرار تجارب الموت والدمار، بدلاً من الاستفادة من الماضي والبعد عن أخطاء السابقين! خلال قرن مضى دخل اليمنيون في صراعات وحروب، ذهب أصحابها، فأين المنتصرون منهم وأين المنهزمون؟! لقد ذهبوا جميعاً، وتركوا لنا وطناً متخلفاً منهكاً يئن تحت وطأة الحاجة والفقر والضعف، يمدّ يديه طالباً المساعدات، وكان في غنىً عن كل ذلك لو أن أبناءه سلكوا دروب العمل والبناء، وقبلوا بالتعايش معاً، وتركوا ثقافة الحرب وابتعدوا عن الأَشر والبطر، ولم يستمرئوا الكبر والطغيان!! وما أشبه الليلة بالبارحة، فما زال خطاب الحرب والإقصاء، وحب الأنا والاستعلاء، يعكس نفسه من خلال قتل مواطنين أبرياء واغتيالات غادرة جبانة للسياسيين ورجال الأمن والجيش، وحروب ما أن تهدأ في جهة حتى تشتعل في جهة أخرىٰ، هكذا دواليك، وبين مسلمين معصومي الدم، دينهم واحد وقبلتهم واحدة، وأبناء وطن واحد، غير مدركين جُرم قتل النفس، وتبعات سفك الدماء، ومساوئ تقطيع أواصر القربى والرحم، وأضرار إهدار الإمكانات والموارد... لقد خلقنا الله سبحانه وتعالىٰ لنقيم الحياة على هذه الأرض لا لندمرها، " هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ "، أما أن يحمل الإنسان مشروع الموت لأخيه الإنسان فهو اعتداء على جنس البشر عموماً، وخروج عن المهمة التي أرادها الله لبني آدم في هذه الحياة!! إذا كان ولابد من التنافس والصراع؛ فلماذا لا نوجهه بعيداً عن القتل والخراب، ونبحث له عن آفاق تبني ولا تهدم، تقرّب ولا تُباعد، تزرع المحبة ولا تنبت الكراهية، تدفع نحو الانجاز لا الإجهاز، لنجعلها معارك سلمية وودية، من خلال الحملات الانتخابية، والبرامج التنموية، والمناظرات العلمية، والندوات السياسية، والمسابقات الثقافية، والمساجلات الشعرية، والمباريات الرياضية... ألم يحن الوقت بَعْدُ ليثوب الجميع إلى رشدهم؟ ويتبَنّوْن مشروع الحياة لا مشاريع الموت!!؟ [email protected]