لم يكن الحمزة بن عبد المطلب، و لا العباس، أول من آمن بالرسول الكريم و بدينه القويم، رضي الله عنهما ورضي عن صحابة رسول الله أجمعين، و مات أبو طالب على ملة الأشياخ من قريش، و أما أبو لهب؛ فقد أدبر و استكبر ؛ ونزلت سورة قرآنية تفنّد موقفه و تسخر منه. و هؤلاء الأربعة هم أعمامه عليه الصلاة و السلام. و لم يضر الحمزة أن إسلامه جاء بعد بضعة عشرات سبقوه، فقد أخلص العمل حتى غدا سيد الشهداء،وكذلك الأمر بالنسبة للعباس رضي الله عنه، حيث لم يكن من السابقين، و كانت له مناقبه. نعم، فقد كان إسلام علي رضي الله عنه مبكرا زمنا، وكذا مبكرا سنا، حيث أسلم و عمره عشر سنوات، فيما تأخر إسلام أخيه عقيل، أما طالب أخوه فلم يسلم . و بالمجمل لم يكن بنو عبد مناف و هم العشيرة الكبيرة للرسول أسرع الناس اتباعا للرسول، بل إن معظمهم من قاتله ! و لا كان بنو هاشم - و هم الدائرة الأكثر قرابة - الأسرع أيضا ؛ بل كان هناك من حاربه، و يكفي أن نعرف منهم أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، الذي أسلم متأخرا، و النبي صلى الله عليه و سلم في طريقه إلى فتح مكةالمكرمة، في العام الثامن للهجرة. و لم يقل أحد أن قرابة هؤلاء من الرسول تنفعهم، و لو كان الأمر كذلك ؛ لما كنا نقرأ :" تبت يدا أبي لهب وتب" وهي سورة في عمه القريب المعاصر له، فيما يأتي من يزعم اليوم بعد عشرات القرون من يزعم أنه ابنه و من حقه تملك الشعب و الوطن ..!! و يأتي إسلام أبي بكر الصديق، و زيد بن حارثة و سمية أم عمار، و ابنها عمار و زوجها ياسر، و عبدالرحمن بن عوف، و عثمان، و طلحة و بلال، و خباب و صهيب ... وغيرهم كثير رضي الله عنهم أجمعين؛ متقدما و هم من عشائر و قبائل شتى في قريش و من خارجها. و المعنى المراد - هنا - ليس لتحديد أفضلية، فالأمر - في هذا - لله وحده، و لكن الأمر المقصود بعناية هو أن محمدا صلى الله عليه و سلم لم يكن نبيا حصريا - استغفر الله - لأسرة، كما يلهث وراء هذه الحصرية المفترون، الذين يتعامون عن قوله تعالى( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) كما لم تكن رسالته مخصوصة لتمليك العالم لأسرة - معاذ الله - كما يزعم المبطلون، و إنما كانت رسالته للناس كافة ليكون بشيرا و نذيرا، لقوله عز و جل : " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ". و حتى حين كان عليه الصلاة و السلام، يعرض نفسه على القبائل لدعوتها للإسلام؛ فيقول قائل بعضها : أيكون لنا الأمر من بعدك، فيقول - و هو في أشد الحاجة لمن يتبعه - الأمر لله يضعه حيث يشاء . دين أنزله الله للعالمين( ليكون للعالمين نذيرا) فيأتي مهووس في زمن ما يحمل حقدا على الإسلام و المسلمين، إما حسدا يهوديا، وإما حقدا فارسيا؛ تنامى و تمادى بسبب سقوط امبراطوريتهم على يد أمة كان أباطرة الفرس يرونها أحقر الأمم، ثم تسقط على أيديهم بدءا بخلافة أبي بكر، لتنتهي تماما في خلافة عمر رضي الله عنهما، فلا بد إذن من عمل يتضافر عليه الموتورون من اليهود ، و الفرس و غيرهما للانتقام من الإسلام و العمل على هدمه من داخله ، فراح من هؤلاء و هؤلاء من يوحون لبعض المهووسين زخرف القول غرورا، فيتم ضخ آلاف الأساطير و الخرافات التي تهدف إلى هدم الإسلام من داخله، و من ذلك حصر مهام النبوة لأسرة، و حصر مهام تعاليم الإسلام في أنه جاء خصيصا لتحديد الولاية والحق الإلهي في الحكم لذرية مخصوصة؛ تتداوله إلى يوم الدين، حتى جعلت ما أسمته الولاية ركنا من أركان الإسلام، فينسبون حديثا لجعفر الصادق- المفترى عليه دائما بالكذب عليه منهم - يقول : " بني الإسلام على خمس؛ الصلاة و الزكاة، و الصيام و الحج، و الولاية " فقيل له - بحسب ما يلفقون عليه - و أي ذلك أفضل؟ قال : الولاية أفضل..!! و لك أيها القارئ الحصيف أن تسأل؟ و أين الشهادتان اللتان بهما يكون المرء مسلما ؟ فتجد الإجابة في إحلالهم الولاية محل الشهادتين ؛ لأن شهادة أن لا إله إلا الله تحرر الإنسان من العبودية إلا لله، و بالتالي فإنه يمتلك بعد ذلك حريته التامة في حق الاختيار وفق إرادته.و هو الأمر الذي يصادره هؤلاء بزعم أنهم أبناء رسول الله، و هي فرية تقوّلوها برغم أن القرآن الكريم حسم هذا الأمر بآية بينة :" ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ". فلم إذن الادعاء للبنوة و زعم الحكم أنه حق إلهي خصهم الله به!؟ إنما يأتي ذلك الادعاء الذي غلفوه بالدين ؛ ليمرروا به تسلطهم على الناس ، و أن ما يدعونه حق ديني لا يسع الآخرون إلا التيليم به، و أن مزعوم ذلك الحق؛ لا يجوز لأحد أن يشاركهم فيه، فضلا عن أن يقول : أن اختيار الحاكم حق للأمة، و هي من تحدد بإرادتها خياراتها. و فوق جرأتهم في مصادرة الرسول و الدين - استغفر الله- فإن جرأتهم ذهبت أبعد في الإساءة، حين ينزعون صفة العدل عن الله عز وعلا بمصادرة الدنيا و الآخرة لهم، على أن يقبل الآخرون من بني البشر أنهم مجرد عبيد لهذه السلالة. و نختم و ختامه مسك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم :" إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا".. و من الموافقات الطيبة؛ أن هذا الحديث قاله النبي عليه السلام، و هو يودع معاذ بن جبل يوم أن خرج يودعه حين أرسله إلى اليمن .