نودع رمضان الشهر، و نستمسك بما أودع الله في أيامه ، و لياليه من نفحات و بركات، و رُشدا و هدى، فوداع رمضان لا تعني القطيعة مع مكاسب أدركها المرء في هذا الشهر الفضيل، فالمرء يزداد إيمانا إذا تليت آيات الرحمن: "ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا". رمضان موسم من أعظم مواسم الطاعات، و هو كدوحة عظيمة باسقة وارفة الظلال، متنوعة الثمار في وسط بستان متعدد الأشجار ، غني بالأزهار، فإذا ما قرأ المرء بعين بصيرته هذا البستان المترامي الأطراف، ازداد إيمانا، سواء بسواء كحين يقرأ آي الذكر الحكيم التي تزيده إيمانا : «وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا».
إن وداع المسلم يوم يودع رمضان؛ ليس وداع قطيعة و نسيان، بله كما يودع إنسان قريبا حبيبا عزيزا عليه، لا يفتأ يذكره أبدا، و يتذكر خلاله، و خصاله و محاسنه حتى يلقاه من جديد، فيتعزز الود، و تتجدد المشاعر، و تترسخ الصلة إيمانا، و احتسابا. فوداعا رمضان، و بلا قطيعة، و لا نسيان، و إلى لقاء يكتبه الله.
و رمضان لا يرحل بقطيعة أيضا، و لكن الله خصه بعيد كيوم تكريم أوّلي للعاملين تتمثل فيها إحدى الفرحتين " للصائم فرحتان؛ إذا أفطر فرح بصومه"، و هنا يأتي العيد، عيد رمضان فيدخل كل بيت، و يدخل كل نفس، و هو عابر للحدود، عابر للقارات يحتفي به كل مسلم حيثما حل، و أينما كان، حيث له نصيب أوفَى مِن: " للصائم فرحتان" فها هو المسلم يفرح فرحته الأولى؛ فرحة لا يتحكم فيها أحد من البشر، و لا يحول بينها و بين صاحبها إنس و لا جان، و لا طغيان، و لا شيطان.
على أن الفرحة الكبرى مُدّخَرة، و المسلم الصائم على موعد مع التكريم الأعلى وعدا غير مكذوب: "وإذا لقي ربه فرح بصومه".
مرحبا بالعيد، جائزة ربانية تعقب الصيام، و فرحة ذات جلال و قدْر، في يوم يتميز سرورا و حبا، و جمالا، و رضا:
و الذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا
مرحبا بالعيد، واحة تغسل الصدور من الضغائن، و تطهر النفوس من التباغض، و توثق العلاقات، و تجدد الروابط، و تنفي ما قد يعلق في الحياة اليومية من خَبَث:" وكونوا عباد الله إخوانا". عيد سعيد مبارك ترسمه فرحة الإفطار بعد تمام الصوم، و فرحة ترسمها غزة، و فلسطين رغم الآلام، قائلة لنا: الطريق من هنا.. و الفرحة الكبرى المنتظرة"إن الله لا يخلف الميعاد".