هلّ علينا شهر رمضان المبارك وهو شهر خصه الله بنزول القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).. والقرآن هدى وبيّنات للناس, هدى يقود تحولات الفرد, ويقود تحولات المجتمع كما يقود التحولات الحضارية . هذا كلام لا تمليه العاطفة, ولا يكتبه الإنشاء, وإنما كلام صدّقه الواقع وأثبتته التجربة' ويقدمه الاستقراء لواقع أمة أميّة كانت غارقة في قلب الصحراء تفاخر ب: ولولا ثلاث هن من شيمة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي فمنهن سبقي العاذلات بشربة كميت متى ما تعل بالماء تزيد وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ببهكنة تحت العمود الممدد أو تستعرض بطولتها ب: وأحياناً على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا وبين هذا وذاك تمتلك قدراً من الأخلاق ولكنها تستخدمه في المكان الخطأ والوقت الخطأ , لأنها تعيش ممزقة مبعثرة لا يجمعها جامع ولا يهدي طريقها هاد أو كتاب منير. فجاءت بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) ليكون القرآن هادياً ومبشراً ونذيراً وقائداً إلى الحضارة والمدنية ولم يعد العربي مضرب المثل بالجهل والتخلف والتمزق , بل غدا مثال العلم والتطور والوحدة ... تعجب وأنت تقرأ أن أحد العرب في الفتوحات الإسلامية في فارس استخدم الكافور ليملح به الطعام معتقداً أنه ملح باعتبار أنه كان قريب عهد بالبداوة وعربي آخر استطاع أن يأسر أميراً فارسياً فلما جاء من يعرض عليه أن يفك أسره بفدية مالية طلب مائة ألف درهم فقيل له فيما بعد لو أنك طلبت فدية أكبر فقال ما كنت أعلم أن هناك رقماً أكبر. هذه البساطة الثقافية والبداوة تحضرت وتمدنت عندما قاد القرآن الكريم خطى هذه الأمة فغدت المدينةالمنورة ودمشق وبغداد .. وغيرها وغيرها منارات علم وحضارة تضيء بهدي القرآن مسار البشرية ككل حتى جاء اليوم الذي يقف فيه (شارلمان) وحاشيته بين مبهور بهدية الرشيد التي أرسلها له وكان من ضمنها ساعة لبيان الوقت وبين مفزوع منها معتبراً أن بداخلها جن. إنها النقلة الحضارية التي قاد خطاها هذا القرآن الكريم وإذا الجزيرة العربية التي كانت غارقة في الجهل وكانت تضم مئات وربما آلاف الكيانات المجتمعية التي لا يجمعها جامع, يمحو القرآن جهالتها وتخلفها ويعمل على توحيدها في كيان سياسي واحد, لتغدو مصدر الحضارة ومصدرتها ولتغدوا قلب دولة إسلامية مترامية الأطراف تكون جزيرة العرب جزء من تلك الدولة الحضارية المتمدنة. إنه شهر القرآن يعزز صلتنا بالقرآن في شهر رمضان لنتلوه بتدبر ووعي وبعزم يرفعنا إلى مستوى هديه ومستوى متطلبات الثورة لتعطي ثورة الربيع العربي ثمارها على خطى هدي القرآن.