لماذا اندلعت ثورات الربيع العربي في عدد محدود من البلدان العربية، وما هو القاسم المشترك بين هذه البلدان التي انفردت شعوبها بالثورات ضد الأنظمة الحاكمة المستبدة؟ ولماذا لم تصل تجربة الثورات إلى بلدان عربية أخرى يتقاسم شعوبها نفس الهموم والآلام التي يعانيها أبناء بلدان الربيع العربي؟! إن نظرة بسيطة وفاحصة للقواسم المشتركة بين بلدان الربيع العربي، سنجد أن هذه البلدان تشترك في معضلة توريث السلطة من الآباء إلى الأبناء. ففي سوريا، نجح مشروع التوريث فعلاً، حيث انتقلت السلطة من حافظ الأسد إلى نجله بشار قبل حوالي 12 سنة، وكان مقرراً أن تنتقل السلطة إلى باسل الأسد، باعتباره النجل الأكبر لحافظ، لكنه سبق وأن توفي في حادث مروري، وبعد وفاة الأسد الأب، تم تعديل الدستور بخصوص سن من يحق له الرئاسة من أجل أن يتولى بشار مقاليد الحكم خلفا لأبيه، وبشار هو الآخر في حال تقدمه في السن كان سيعمل على توريث السلطة لأبنائه لولا قيام الثورة، واليوم أصبحت نهايته وشيكة، والمسألة مسالة وقت فقط! وفي مصر، كان الرئيس المخلوع مبارك يعمل كل ما بوسعه من أجل أن تنتقل السلطة إلى نجله جمال بشكل سلمي وسلس وعبر صناديق الاقتراع أيضاً وبنسبة فوز تصل إلى 99.9%. وفي ليبيا، كان سيف الإسلام، نجل القذافي، يقدم نفسه على أنه المصلح والمخلّص للشعب الليبي مما هو فيه بعد أن يتولى السلطة خلفاً لوالده، بل فقد كان مشروع التوريث في ليبيا يتم التخطيط والترويج له بكل وقاحة وقلة حياء! أما في بلادنا، فمشروع التوريث بدأ المخلوع صالح يضع مداميكه الأولى منذ العام 1999م، عندما تم إنشاء قوات الحرس الجمهوري، وتم إسناد قيادتها لنجله أحمد، وخصص جزء كبير من ميزانية الدولة لتدريبها وتسليحها بأحدث الأسلحة على حساب وحدات الجيش الأخرى، وأيضاً على حساب قطاعات التعليم والصحة والمواصلات وغير ذلك، وذلك من أجل أن تكون بوابة للنفوذ السياسي والعسكري لقائدها أحمد علي، تمهيداً لتوليه مقاليد الحكم خلفاً لوالده في حال رحيله عن الدنيا، أو خروجه من السلطة لأي سبب من الأسباب! وفي الأسبوع الماضي، بعث المخلوع صالح برسالة تهنئة من بيته الواقع في منطقة حدة بأمانة العاصمة إلى نجله أحمد الواقع بيته في منطقة حدة أيضاً، يهنئه فيها بمناسبة بلوغه سن الأربعين، واحتفت وسائل الإعلام التابعة للمخلوع صالح بخبر التهنئة وكأنها أحد القضايا المصيرية التي يترتب عليها مستقبل البلاد، ورأى مراقبون أن ذلك يحمل رسالة سياسية من المخلوع صالح لمن يعتقد أنهم خصومه، مفادها أن نجله أحمد قد بلغ سن الأربعين، وأنه بات مؤهلاً لرئاسة الجمهورية بعد تخطي حاجز السن، حيث يشترط في من يتقدم للترشح لرئاسة الجمهورية أن لا يقل سنه عن الأربعين عاماً! والمعلوم أن المخلوع صالح سبق له وأن عدل الدستور عدة مرات منذ منتصف التسعينيات، ويقوم (بتصفير العداد) من أجل التمديد لنفسه في السلطة حتى يبلغ نجله أحمد السن القانونية المطلوبة في من يتقدم للترشح لرئاسة الجمهورية، وذلك من أجل أن تنتقل السلطة بشكل سلمي وسلس وعبر صناديق الاقتراع أيضاً من الأب إلى الإبن، وعندما اندلعت ثورة الشباب، كان صالح يبدي تمسكه بفترته الدستورية الأخيرة المقرر انتهاؤها في العام 2013م، من أجل أن يأتي هذا العام وقد بلغ نجله السن القانونية المطلوبة في الترشح لرئاسة الجمهورية، ويضمن بذلك مستقبله السياسي، غير أن تسارع الأحداث بفعل ثورة الشباب لم تمكنه من ذلك! واليوم، تستميت عائلة المخلوع صالح في التمسك بمناصبها العسكرية الحساسة، وذلك من أجل الحفاظ على أدوات نفوذها السياسي والعسكري، والتي تعتبر بوابتها للعودة إلى السلطة بعد انقضاء المرحلة الانتقالية، ومن هنا، كان تعالي المطالب الثورية للرئيس هادي بإقالة بقايا العائلة من المؤسسة العسكرية والأمنية من أجل مستقبل البلاد، باعتبار أن المخلوع صالح وعائلته أكبر خطر يهدد مستقبل البلاد بفعل نفوذهم العسكري! وعلى العموم، فإذا كانت ثورات الربيع العربي قد اندلعت في البلدان التي برزت فيها مشاريع التوريث، فمن المستحيل أن يطل مشروع التوريث في أي بلد منها من جديد، مهما كان نفوذ البقايا والفلول، فمصيرهم في النهاية إلى زوال، والشعوب قد استيقظت، وعلى المخلوع صالح وعائلته أن يدركوا جيداً أن رهان العودة إلى السلطة رهان فاشل، فالشعب قد لفظهم، وهو الآن يقف لهم بالمرصاد، ومثلما دفع شباب الثورة الثمن غالياً من دمائهم وأموالهم من أجل القضاء على مشروع التوريث، فإنهم على استعداد لدفع الثمن أكثر وأكثر في حال عاد هذا المشروع من جديد وبأي طريقة، وعلى عائلة المخلوع أن تتعامل مع الواقع كما هو وأن لا تكثر من العيش في الوهم، لقد أصابتهم لعنة الشعب الذي لفظهم إلى مزبلة التاريخ!