أقيمت اليوم بمركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء ندوة خاصة حول القضية الجنوبية نظمها منتدى الحوار الفكري وتنمية الحريات تحت شعار" القضية الجنوبية التوصيف، الفهم، والحلول". وفي افتتاح الندوة بمشاركة عدد من الأكاديميين والسياسيين والمثقفين اليمنيين ألقى شاعر اليمن الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح كلمة قال فيها"إن القضايا الشائكة المعروضة تؤكد هذه الأهمية وتضفي عليها ما تستحقه من اهتمام لدى النخبة الفكرية والسياسية ،هذه النخبة التي كانت وما تزال تقدم رجلاً وتؤخر أخرى وكأنها في انتظار معجزة ما تهبط من السماء أو تصعد من أعماق الأرض لتضع حداً لمعاناة هذا الوطن ولمخاوف أبنائه مما ينتظرهم في غياب المشروع الوطني الذي يؤسس لحياة كريمة جديدة تتحقق معها الأحلام الكبيرة والطموحات التي تختزنها العقول والقلوب، والمتمثلة في الدولة المدنية الحديثة، دولة العدل والحرية والمواطنة المتساوية، وهي أحلام وطموحات هدفت إلى تحقيقها كل الثورات والانتفاضات التي شهدها هذا الوطن على مدى قرن كامل".
وتابع الدكتور المقالح" لقد مر هذا الوطن - كما لا بد أننا نتذكر جميعاً- بثلاث مراحل مصيرية بالغة الأهمية تمثلت أولها: بمرحلة الثورة (سبتمبر – أكتوبر) وما عبّرت عنه من تطلعات وعكسته من تصورات وأحلام لم يتحقق منها سوى القليل، والمرحلة الثانية هي تلك التي بدأت مع الاستقلال وخروج الاحتلال الأجنبي وما أعقب ذلك الانتصار العظيم من تصحيح للأوضاع الشاذة اجتماعياً وسياسياً وإزالة الكيانات الصغيرة التي كرّسها الاستعمار وحماها، لكن تلك المرحلة العظيمة لم تسلم من مخاطر الخلافات والانقسامات التي بلغت ذروتها العنيفة والمخيفة في الثالث عشر من يناير 1986م.أما المرحلة الثالثة فقد بدأت مع إعادة الوحدة واقتلاع براميل التشطير في عام 1990م. وكانت الآمال الواسعة والمرافقة لها بلا حدود، كما كان أقل تلك الآمال وأكثرها تواضعاً تصحيح الانحرافات والتجاوزات التي رافقت المرحلتين السابقتين.
واستطرد الحديث:" إلاَّ أن المؤامرات المعلنة والخفية من جانب من لا يريدون لهذا الوطن أن يستقر ويتوحد ويبدأ في بناء ذاته قد عصفت بكل الآمال، وفتحت الباب واسعاً لإظهار ملامح التخلف المزعجة من خلال سلوك بعض أبناء هذا الشعب وتصرفاتهم غير المسئولة وأخطرها ما تعرضت له المحافظات الجنوبية من انتهاكات ونهب للأراضي واحتلال للمنازل وتجميد للكفاءات تحت ذرائع واهنة وادعاءات مفضوحة".
وأوضح أننا الآن على أبواب مرحلة رابعة وإذا لم نتمكن من الاستفادة القصوى من تجارب المراحل الثلاث السابقة فإن على الوطن السلام، وعلى الذين يعتقدون أن في الإمكان العودة إلى شمال وجنوب أن يدركوا أنّهم واهمون فلن يعود الجنوب جنوباً بل جنوبات،كما لن يعود الشمال شمالاً بل شمالات. وهذه الإشارات ليست من صنع الخيال أو التداعيات الشعرية وإنما هي نقل حرفي وواقعي للتفاصيل اليومية واستباقاً لما تحدس به الأوضاع الراهنة من احتمالات ومفاجئات مفزعة ومدمرة.
وأضاف:" إذا لم يتمكن أبناء هذا الوطن الصادقون من المحافظة على يمن واحد، ديمقراطي وحر يتفادى الفوضى والفساد والاستئثار والغلبة فإن لعنة "أيادي سبا التاريخية" ستحيق به وتطارد أبناءه لمئات السنين وتلك حقيقة يجب أن تدركها النخبة أولاً , أن يدركها الشعب ثانياً ،كما أن علينا أن نكتب رؤانا ودراساتنا من قلب الواقع لا من الجلسات الخاصة والمناقشات وراء الأبواب المغلقة.
مؤكد أننا اليوم أمام بلد يوشك على الغرق. ومحنته الراهنة أكبر مما يسميه البعض بالقضية الجنوبية، وما تقود إليه هذه التسمية من تجزئة هموم الوطن إلى تجزئة الوطن نفسه، وهو الذي يعاني من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه من هموم تقال، وقد لا يخطر ببال أحد منكم أن هناك محافظات في شمال الشمال لا يوجد فيها طريق مسفلت، ولا ماء ،ولا مدرسة ،وما تزال بعض مناطقها تعيش كما كانت تعيش في عهد آخر أمام في منأى عن العصر و مستجداته الأولية. والسؤال المطروح أمامنا هو :هل تستطيع ندوتكم هذه أن تكون صوتاً في القرار، في العمق، وتقترب من معالجة القضية الكبرى، قضية الوطن الواحد الذي يراد له الوقوع في حالة من تدمير ذاتي لن يتحقق إلاَّ من خلال التفكك والتشرذم وتوسيع دائرة الصراعات المناطقية والقبلية، وما يزال في الوقت بقية لندرك ما نريد قبل فوات الأوان.
وناقشت الندوة في جلستها الأولى برئاسة الدكتور صالح باصرة وقرره الدكتور علي الأشول، البعد الوطني للقضية الجنوبية وتقيم تجربة الوحدة الاندماجية اليمنية، وتعقيب الدكتور مبارك سالمين من جامعة عدن.
فيما تناول المدخل الثاني الذي تحدث فيه الدكتور جعفر الشلالي الحقوقي والقانوني للقضية الجنوبية والمعالجات الأساسية المناسبة للقضية الجنوبية، وتعقيب الدكتور على مكرد العواضي.