حينما ارتفعت الشمس إلى كبد السماء ظهر الأحد الفائت, كانت أشعتها تقارع لمعان "جنبية" شاب يافعاً، شعر رأسه كثيف معصوب ب"غترة" ، يتدلى من تحت عصابته، يرتدي ثوباً كحلي اللون قد رفعه إلى فوق ركبتيه ، وقد امتشق "الجنبية" قابضاً عليها بإحكام واندفع بقوة في وضح النهار يشق صفوف متظاهرين احتشدوا في جولة "الشهداء" لمناهضة انقلاب الحوثيين على الثورة والدولة. خرج الشباب يهتفون بحماس ضد الانقلاب الحوثي ، وفي لحظة وصولهم إلى جولة "الشهداء" حسب التسمية التي أطلقوا عليها إبان ثورة 11 فبراير 2011م ضد نظام الرئيس السابق صالح، باشرتهم مجاميع مسلحة بسكاكين وهراوات وأسلحة متنوعة مسنودة بأطقم شرطة، واعترضوا المسيرة بصورة وحشية، وقمعوا الاحتجاجات عند تلك النقطة. وعند نقطة القمع تلك (جولة الشهداء) كانت لأرض تتحدث بلغة واضحة، وتصرخ الجدران في وجوه المعتدين المدججين بالأسلحة وشحنات العنف والكراهية ، أن ما يجري انقلاب مكتمل الأركان، وأن دماء قرابة خمسين شهيداً في جمعة الكرامة قد تطايرت في هذا المكان، وأن الحوثيين ينقلبون على الدماء سراً وجهاراً ، حتى انهم ضاقوا ذرعاً من "جولة الشهداء" كاسم للمكان إياه وإعادة تسميته لطمس معالم ثورة 11 فبراير، حينها قال الشباب المتظاهر أنهم لم يتحركوا بطراً ضد الحوثي، فقد كان مسرح الاعتداءات على مسيرتهم شاهد حي. وحشية هائجة في تلك اللحظة انطلق الشاب الحوثي يشق صفوف المتظاهرين، متوشحاً جنبيته اشهارها ، وقد قبض عليها بقوة ، وبدأ في يخترق الجموع البشرية بسلاحه الأبيض "الجنبية" ويحرها بسرعة يمنة ويسرة، غير مبالياً في أي جسد غرسها ، ليصيب –ومثله بعض رفاقه- أكثر من 47 شاباً ، في اعتداء وحشي وصفه مصور وكالة رويترز بأنه "اعتداء مجنون". ليست تلك الصورة التي انتشرت بشكل واسع ، هي الناطقة بتفاصيل العنف والعدوانية للمليشيات الحوثية، بل أن شهادة المعتدى عليهم تقول بذلك ، حيث وصف الزميل يوسف عجلان سكرتير تحرير موقع المصدر أون لاين كيفية اعتقاله حيث قال" كنت في الخامسة عصراً بجوار سيتي مارت ، حيث تكالب حوثيون في ايديهم هراوات وسكاكين على مسيرة قادمة من شارع الستين بصنعاء" وأضاف يوسف "في لمح البصر خرج الحوثيون (البلاطجة) من كل فج .. وهم يرددون الصرخة وبدئوا بضرب واعتقال من استطاعوا، امسكت بهاتفي واجريت اتصال بزملائي في "المصدر أونلاين" ابلغهم بالمستجدات، واثناء الاتصال .. هجم علي شخصين وامسكوا بي .. واخذوا هاتفي وانا اتحدث ثم صاح احدهم "هذا من صحيفة المصدر، بعدما رأى الاتصال" ، وهنا تتطابق الشهادات بأن الحوثيين لا يكتفون بالاعتداء على الصحفيين أثناء تصويرهم فحسب ، بل تجاوزا ذلك إلى مراقبة كل من يرفع جواله أثناء الاعتداء ومنعه من إبلاغ أي جهة كانت ، يقول يوسف "أحاط بي ما يقارب 7 أشخاص وارغموني على صعود الطقم ، واثناء صعودي (ضربني احدهم مرتين بمؤخرة الكلاشنكوف في ظهري واقعدني على الأرض)، فوق ذلك تم توجيه ألفاظ نابية وإسكاته أكثر من مرة. استباحة فجة وتهم سخيفه بعد تقرير مؤسسة حرية والذي رصدت فيه أبشع صور الاعتداءات على المتظاهرين وفي مقدمتهم الصحفيين ، كان من بينهم المصور يحيى السواري والذي كشف عن استباحة جماعة الحوثي لكل شيء في صنعاء من أماكن عامة ومؤسسات وتحويلها إلى معتقلات ، حيث تحدث عن مكان اعتقاله "كنت محتجزاً في فندق مهجور بالتحرير يسمى هلتاون، في غرفة بالدور الثاني نوافذها كبيرة, كنا 5 اشخاص 2 منهم يتبعون الحوثيين لكنهما معاقبان "بحسب قولهم" وانا وشاب آخر اسمه وليد من محافظة ريمة قبضوا عليه في نفس اليوم الذي قبضوا عليَّ فيه, وتهمته انه كان مشاركاً في المسيرة, لكن لأنه أنكر مشاركته في المسيرة لفقوا له تهم عديدة منها انه سارق تلفونات واخرى انه "معاكس" بمعنى انه يتحرش بالنساء في الشارع وهناك تهم اخرى. أما الشاب الثالث لا اتذكر اسمه لكنه سائق دراجة نارية تم احتجازه صباح يوم امس بتهمة انه يستمع لأناشيد تكفيرية واغاني غربية "كما قال"، وهي تهمة احتجزوا فيها سائق باص في الملعب الرياضي بمدينة ذمار, "الأناشيد التكفيريه" تهمة تستدعي الاعتقال!. الانتقام من العلم نوعية الاعتداءات توحي بأن روحاً انتقامية تقف وراء كل هذه الهمجية لدى مليشيات الحوثي ، يقول مازن عقلان رئيس حركة "وهج" الطلابية أن الانتهاكات على الصرح العلمي وطلاب جامعة صنعاء بدأت فور سيطرتهم على العاصمة صنعاء في اليوم المشؤوم 21 سبتمبر، عندما حولوا جامعة صنعاء الى ثكنة لميلشياتهم وتحكموا في سير العملية التعليمية ونشروا مسلحيهم في بواباتها، وكذلك التدخل في الانشطة الطلابية والاعتداء على طلاب واقتيادهم الى الجراف للتحقيق معهم كما حصل مع الزميل علي نصر، وتهديد الزميلة هبه الذبحاني وقد قاموا باقتحام السكن الجامعي عدة مرات واقتياد طلاب منه والتحقيق معهم في وضع غير انساني، والأدهى من كل هذا تحويل مبنى كلية الأسنان الجديد الى معسكر لهم يقطنه أكثر من ثلاث مئة مسلح حوثي، ويخزن فيه كمية كبيرة من الأسلحة المتوسطة والخفيفة" حسب شهادة عقلان. ويضيف مازن "مؤخرا وبعد استقالة الرئيس هادي واستكمال سيطرتهم على امكانيات ومقدرات الدولة زادت غطرستهم وهمجيتهم حيث قاموا بالاعتداء على مسيرة طلابية مناهضة للمليشيا ودخلوا مدججين بالسلاح الى حرم كلية التجارة وقاموا بإطلاق اعيرة نارية داخل الكلية، واعتقال 18 طالب جامعي واقتيادهم الى قسم الجديري و14 أكتوبر، مليشيات الحوثي تقوم بقمع أي تظاهرة طلابية، بطريقة وحشية وقذرة في آن حيث تقوم مجموعة من الحوثيين يحملون هراوات وجنابي بالتجمع ورفع لافتات طائفية والتسلل الى التظاهرة المناهضة للمليشيا واستفزاز المتظاهرين ومن ثم الاعتداء عليهم بالضرب بالهراوات والطعن بالجنابي وتقوم مجموعة أطقم تحمل على متنها مسلحين حوثيين، حوثيين بميري وحوثيين من غير ميري يقومون بتطويق المسيرة من كل اتجاه، واعتقال الناشطين والاعتداء عليهم، لا تكاد تخلوا مسيرة من الاعتداء والاختطاف". وبالنظر إلى كل ما يجري ، يتضح أن مليشيا الحوثي مستمرة في التعاطي المتوحش مع كل الفعاليات ومجابهة الاحتجاجات بسلوك عدواني وتصرف جنوني غير آبهين بأحد، وكأنهم قد أمنوا العقوبة ربما، ولو بشكل مؤقت فأوغلوا في الوحشية.