يمكن القول أن المنجز الكبير الذي حققه رجب طيب أردغان وحزبه على مدار عقد من الزمان لم يقف عند حدود الوثبة الاقتصادية الهائلة، وإنما تجاوزه ذلك إلى صناعة منجز ثقافي ومعرفي لا يقل أهمية عن المنجز الاقتصادي. فالرجل الذي وصل بالناتج القومي لتركيا على مدار عام إلى أكثر من تريليون ومائة مليار دولار، وبما يساوي مجموع الناتج المحلي لأقوى اقتصاديات ثلاث دول في الشرق الأوسط ؛ إيران السعودية والإمارات فضلاً عن الأردن وسوريا ولبنان، لتنتقل تركيا في ترتيبها الاقتصادي من المركز 111 إلى المركز 16، وجعل دخل الفرد يتجاوز 12 ألف دولار في العام الواحد بعد أن كان أدنى من ثلاثة آلاف دولار، هذا الزعيم نفسه هو الذي تحققت في مسيرته التنموية قفزات ثقافية هائلة، جعلت تركيا اليوم مشعل ثقافة ومعرفة، وحاضرة من حواضر العلم والتكنولوجيا. البداية من التعليم ليس ثمة شك في أن التعليم هو اللبنة الأولى لبناء المجتمع الواعي، وقديما قالوا: اعطني شعبا متعلمًا أعطك أمة متحضرة، ومن هذا المنطلق أولى حزب العدالة والتنمية التعليم أهمية قصوى، حيث جعل ميزانية التعليم والصحة أكثر من ميزانية الدفاع، وأعطى المعلم راتبا شهرياً يوازي راتب الطبيب، إيمانا بأن ذلك هو الخطوة الأولى في تصحيح مسيرة التعليم، وبأن المعلّم هو حجر الزاوية في هذه المنظومة الفاعلة، وأنه لا يمكن أن يعطي العطاء الأوفى إلا إذا وجد ما يكفيه هم اليومي والعابر، وجعله يتفرّغ للإبداع والعطاء. وخلال تسع سنوات أنشأ الحزب 89 مدرسة جديدة، وبنى 169 ألف غرفة صفية ليكون عدد الطلاب في الصف الواحد 21 طالبا فقط، وهذا النموذج التعليمي لم يقف عند حدود تركيا البلد، فقد افتتحت أكثر من 350 مدرسة تركية في مختلف بلدان العالم، تقوم على أحدث التقنيات في تكنولوجيا التعليم، ومن المهم الإشارة هنا إلى أنَّ الحزب أعاد تدريس القران الكريم والحديث النبوي في مدارس الحكومة طوعيا فاختارهما أكثر من 90% من طلبة المدارس، مؤكدا بذلك على تكامل الشخصية بين العلمي والديني، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك حين عادت اللغة العثمانية بأحرفها العربية إلى قاعات الدرس، بعد غربة دامت عقودا طويلة من الزمن. أرودغان الذي تحدّث غير مرة عن مجانية التعليم أصدر مرسوماً بجعل الدراسة في كل الجامعات والمدارس التركية مجانية وعلى نفقة الدولة، وتسعى الحكومة حاليا، وباستراتيجية مزمّنة لتفريغ 300 ألف عالم للبحث العلمي، بعد أن تمّ إنشاء 35 ألف قاعة مختبر لتكنولوجيا المعلومات، وقواعد بيانية حديثة يتدرب الشباب فيها. الثقافة كنافذة إنسانية وفي المجال الثقافي افتتحت الحكومة التركية على مدى عشر سنوات أكثر من ثلاثة آلاف مركز ثقافي في مختلف المدن والبلدات التركية، وزودتها بكل الأدوات والإمكانيات التي تجعل منها بيئة صالحة لإنبات المواهب وصقلها، وإخراج جيل واع ليس متصالحا مع الثقافة والمعرفة فقط، وإنما محباً لهما، ساعيا في التناغم معهما في مختلف شئون الحياة. وفي مجال النشر أفادت بعض الإحصائيات بأن ما نُشر من الكتب الفكرية والأدبية في تركيا خلال حكم العدالة والتنمية يساوي ثلاثة أضعاف مانشر على مدى أربعة عقود سبقت حكومة هذا الحزب، ولم تقتصر هذه المنشورات على اللغة التركية بل تجاوزتها إلى لغات أخرى، ومنها العربية بطبيعة الحال. وفي سبيل تعزيز اللغة التركية والسعي نحو كوكبتها أنشأت الحكومة التركية ما يزيد عن مائة وخمسين مركز لغات في مختلف دول العالم، مهمتها تعليم اللغة التركية والتبشير بها، مقدّمة في سبيل ذلك كثيرا من التسهيلات. في مجال الاهتمام بالشجرة كثقافة جمالية غرست تركيا خلال عشر سنوات مليارين و 770 مليون شجرة حراجية ومثمرة، وقدّمت الحكومة تسهيلات مالية وتقنية في هذا المجال، وأقامت لهذا الهدف حملات إعلامية كبيرة، وجعلت غرس الشجرة هدفا قوميا، وبذلك تحولت المدن التركية إلى فسيفساء جمالية يحضر فيها الجمال، وتتبوء الشجرة مكانة رفيعة فيه. أردوغان شارك في التصويت المنظم من قبل وكالة الأناضول بشأن أفضل صورة لعام 2014، واختار صورة الطفلة الفلسطينية "أنسام جنيد" وهي تلقي النظرة الأخيرة على شقيقها الصغير الشهيد سامح الذي قتلته الدبابة الإسرائيلية في مخيم جباليا. وفي وقت تال منح أردوغان الطفل السوري النازح تامر أسعد الجنسية التركية تقديرا لمواهبة الخارقة في العزف على آلة البيانو، واختاره ممثلا لتركيا في المسابقة العالمية للعزف على البيانو التي جرت في روسيا. ويحتفظ محبو أردوغان بذكرى مشاهدة تلفزيونية ماتعة جمعت بين أردوغان وطفلة تركية (12 عاما) في مناظرة تلفزيونية طريفة ظريفة، بثّت على الهواء مباشرة، تضمنت الحديث عن مستقبل تركيا في عيون حاكم مسئول، وطفل ينظر إلى المستقبل نظرة طموح وتفاؤل.