كل فساد ينشأ عن ترك واجب أوجبه الله على عباده أو فعل محرم حرّمه الله على عباده ، وكلما كَثُرت الواجبات المتروكة وكَثُر فعل المحرمات كلما كَثُر الفساد واستشرى. فمن بدهيات الإسلام أنه منهج حياة كامل شامل للحياة كلها الفردية والجماعية ، وما قرره من واجبات أو حرمه من محرمات يشمل مختلف جوانب الحياة ومناسكها الفردية والجماعية ، فإذا ما غلب على حياة جماعة أو مجتمع الالتزام بالواجبات وترك المحرمات والتواصي بالالتزام بها والإنكار على من ترك واجباً أو فعل محرماً استقام أمر حياة الفرد والجماعة والمجتمع وتحقق صلاحها. وصلاح أوضاع المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية وغيرها إنما يكون إذا التزم الناس في محاربتهم لهذه المفاسد ، وفي علاقاتهم وتفاعلاتهم مع ما أوجبه الله عليهم فعلاً وما حرمه عليهم تركاً. وشبكة العلاقات الاجتماعية لا يمكن أن تستقيم ويتحقق بها تماسك المجتمع وتعاونه وتوجهه نحو تحقيق أهدافه إلا إذا كانت أسسها العقدية والفكرية والتشريعية المقررة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتزم رجاله بالحقوق والواجبات المتبادلة المقررة فيها في كل علاقاتهم في مختلف إتجاهاتهم سواءً منها في علاقة الفرد بغيره من الأفراد أو في علاقة الفرد بالمجتمع أو في علاقة الحاكم بالمحكومين ، أو في علاقة كل من يتولى أمراً من أمور المجتمع أو شأناً من شئونه بما يتولاه من أمور أو شئون، ففي كل هذه العلاقات حقوق يجب أن تؤدى وواجبات يجب الالتزام بها ومحرماتٍ يجب تركها ، وعرض هذه الحقوق والواجبات والمحرمات يطول ولا يتسع لها مقام حديثنا في هذا الحيز الضيق ، ولو أننا استعرضنا هذه الحقوق والواجبات والمحرمات وتأملنا فيها لوجدنا أن كل فسادٍ يعاني منه مجتمعنا يرجع إلى الإخلال بها بترك القيام بواجبات أو أداء حقوق أو فعل محرمات إما بسبب الجهل بها وإما بسبب ضعف وازع الإيمان والتقوى في القلوب. ومن هنا فإن الإصلاح المنشود إنما يتحقق بمعرفة هذه الواجبات والمحرمات والتعريف بها والدعوة والتوجيه إلى الالتزام بها فعلاً وتركاً، وتعزيز وازع الإيمان والتقوى في القلوب واستثارة نوازع التضامن الاجتماعي من خلال توجيه الناس إلى التواصي بها والإنكار على من يخالفها وحثهم على ذلك إلتزاماً بقول الحق سبحانه ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله)). صدق الله العظيم.