لا هوية ولا سيادة وطنية جنوبية دون تحرير الإقتصاد والقرار السياسي    طلب أمريكي في مجلس الأمن يفتح باب الحرب في الحديدة    أزمة أخلاقية في المجتمع المصري: للغش مطاوعة يدافعون عنه    تدشين امتحانات القبول والمفاضلة في كلية الطب البشري جامعة ذمار    "الموساد لا يزال في إيران".. تقرير يكشف السبب الحقيقي لزيارة نتنياهو إلى واشنطن    مكافأة تاريخية.. كم سيجني باريس سان جيرمان إذا توج بكأس العالم للأندية؟    رسميا.. توتنهام يتعاقد مع الغاني محمد قدوس    إقرار صهيوني بصعوبة القضاء على التهديد من اليمن    التلغراف ..اليمنيون أصبحوا أكثر قوة مما كانوا عليه    العثور على كنز أثري مذهل يكشف أسرار ملوك مصر قبل الأهرامات    العثور على نوع جديد من الديناصورات    عن بُعد..!    حزب رابطة الجنوب العربي ينعي الفقيد الوطني بن فريد    خبير في الطقس يتوقع أمطار غزيرة على مناطق واسعة من اليمن خلال الساعات القادمة    إتلاف أكثر من نصف طن من المخدرات المضبوطة في سواحل العارة    خطورة ممارسات "بن حبريش" على وحدة المجتمع الحضرمي    الكتابة والذكاء الاصطناعي    وزير النقل يزف بشرى بشأن انجاز طريق هام يربط مأرب    صدور قرار بنقل عدد من القضاة .. اسماء    إسرائيل تطالب واشنطن باستئناف الضربات ضد الحوثيين في اليمن    زوجة طبيب معتقل في صنعاء تكتب مناشدة بوجع القلب للافراج عن زوجها    آلام الظهر أزمة عصرية شائعة.. متى تحتاج للطبيب؟    صنعاء.. تحديد موعد إعلان نتائج الثانوية العامة    الحكاية من البداية غلط ..؟!    لماذا تتجدد أزمات اليمن وتتعاظم مع كل الاجيال؟!    الهلال يدفع 25 مليون يورو لضم اللاعب هرنانديز الى صفوفه    صعدة: ضبط 5 أطنان حشيش و1.7 مليون حبة مخدرة خلال عام    أسبيدس تعلن انتشال 3 أفراد إضافيين من طاقم سفينة هاجمها الحوثيون    الدولار يتخطى 2830 ريالاً والبنك المركزي يناقش مع البنوك إعادة هيكلة الشبكة الموحدة    - الممثل اليمني اليوتيوبر بلال العريف يتحوّل إلى عامل بناء في البلاط اقرأ السبب ؟    البشيري يتفقد مستوى الاداء في المركز الرقابي وفرع الهيئة بذمار    ميسي يسجل ثنائية رابعة تباعا مع إنتر ميامي ويحطم رقم بيليه    عشرة ملايين لتر .. مجموعة الشيباني تدشن توزيع مياه الشرب للتخفيف من حدة الأزمة بتعز    ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 50% على النحاس    الكثيري يطّلع على نشاط اتحاد التعاونيات الزراعية الجنوبي    بعد اتهامها بعدم سداد 50 ألف يورو.. غادة عبد الرازق تخرج عن صمتها وتكشف حقيقة ما حدث    تحذيرات أممية: أزمة الغذاء في اليمن تتفاقم وسط نقص حاد في المساعدات    رئيس الوزراء يوجه بصرف مستحقات الطلاب اليمنيين المبتعثين وتصحيح قوائم الابتعاث    سان جيرمان يلقن ريال مدريد درسا ويتأهل لنهائي كأس العالم للأندية    سريع يعلن استهداف مطار إسرائيلي    يهودي من أبوين يهوديين.. من هو الخليفة أبو بكر البغدادي؟    الهلال والنصر يتصدران دعم الأندية الخاصة    الحكم على أنشيلوتي بالسجن عاما    سينر يتأهل.. وينتظر ديوكوفيتش    ساحل حضرموت.. ورقة الجنوب الرابحة لمجابهة مخططات تصدير الفوضى    بابور الاقتصاد تايراته مبنشرة    سؤال لحلف بن حبريش: أين اختفت 150 ألف لتر يوميا وقود كهرباء    عدن.. المدارس الاهلية تبدأ عملية التسجيل بدون اعلان رسمي وبرسوم مشتعلة وسط صمت الوزارة    ما فعلته الحرب بمدينة الحُديدة اليمنية .. رواية (فيلا ملاك الموت) للكاتب اليمني.. حميد عقبي.. سرد سينمائي يُعلن عن زمن الرماد    اجتماع بصنعاء يناقش آليات التنسيق بين هيئتي المواصفات والأدوية    فتّش عن البلاستيك في طعامك ومنزلك.. جزيئات خفية وراء 356 ألف وفاة بأمراض القلب سنويًا    علماء يحلون لغز جمجمة "الطفل الغريب"    خبير: البشرية على وشك إنتاج دم صناعي    العلاج بالحجامة.. ما بين العلم والطب والدين    أين علماؤنا وفقهاؤنا مع فقه الواقع..؟    العام الهجري الجديد آفاق وتطلعات    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة بذكرى استشهاد الإمام الحسين 1447ه    عاشوراء.. يوم التضحية والفداء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس.. زمن الشعب الحاكم
نشر في الصحوة نت يوم 19 - 01 - 2011

في ظهوره الأخير أمام شعب غيبه وصادر حريته وتعالى عليه أكثر من 22سنة وأمام كاميرا أوقفها مدة حكمه لتصويره كزعيم عظيم بالغ القوة والسطوة مخوف وممنع ومرهوب الجانب وقف مرتعدا خائرا بوجه شاحب ومشروخ يتشقق قلقا ورعبا وبعينين زائغتين تحدقان في فاجعة السقوط الوشيك وبلغة مرتعشة، ضارعة متوسلة، هي حشرجة احتضار ترشح بندم متأخر واعتراف كسير:
(نكلمكم اليوم ونكلمكم لكل في تونس وخارج تونس نكلمكم لغة كل التونسيين والتونسيات نكلمكم لأن الوضع يفرض تغيير عميق.. تغيير عميق وشامل.
وأنا فهمتكم فهمت الجميع البطال والمحتاج والسياسي واللي طالب مزيد من الحريات فهمتكم فهمتكم الكل.
ونحب نأكد أن العديد من الأمور لم تجر كيما حيتها تكون وخصوصا في مجالي الديمقراطية والحريات وغلطوني أحيانا بحجب الحقائق وسيحاسبون.
ولذا أجدد لكم، وبكل وضوح، راني باش نعمل على دعم الديمقراطية وتفعيل التعددية، نعم على دعم الديمقراطية وتفعيل التعددية.
وسأعمل على صون دستور البلاد واحترامه، ونحب نكرر هنا وخلافا لما ادعاه البعض، أني تعهدت يوم السابع من نوفمبر بأن لا رئاسة مدى الحياة لا رئاسة مدى الحياة، ولذلك فإني أجدد الشكر لكل من ناشدني الحياة لا رئاسة مدى الحياة، ولذلك فإني أجدد الشكر لكل من ناشدني للترشح لسنة 2014م)
احترق الوهم بن علي، سقطت الخرافة أمام الهامات المرتفعة، تلاشى الزيف، أعلن الحاكم الحق عن نفسه، احتلت صورته كامل المشهد وامتلأت تونس بصوت بنيها الأباة، امتلأت بأنفاس أحرارها الكبار، علا صوت الحرية، استعاد الشارع التونسي صوته وصورته وروحه، استعاد الريادة والقيادة والزعامة، بصق عاره خارجا، أعلن أن الرؤساء راحلون وأن الشعوب لا ترحل أو تموت.
اكتشف الشارع التونسي أنه عاش ضحية وهمه، وأدرك أنه الأقوى في معادلة البقاء، وأن الزعيم الذي يحرس نفسه من شعبه لا يستحق أن يُخشى أو يُخاف.
لقد تقدم التونسيون تاركين المتململين خلفهم في امتحان رهيب، أشعلت تونس الجماهير العربية على امتداد منطقة القهر، ورأى الشارع العربي نفسه لأول مرة في مرآة الأحداث المشتعلة في مدائن تونس وأريافها.
رأى الشارع العربي نفسه لأول مرة بوضوح متسيدا الأفق، فتيا قويا مهابا، جليل القدر، صانع تواريخ وتحولات، صانع ملاحم، قائد تغيير، زمن آخر يبدأ من سيدي بو زيد يكتب من هناك من تلك الهوامش القصية.
إنه زمن الشعب، زمن الوثبات الكبرى، وعهد الشارع الحر، سمرتنا تونس عيونا نرقب الفضاءات تونس سيدة الوقت، من كل أفق تجيء، من كل جهة تشرق، من كل فضاء تطل، تهز المدن النائمة، تستنهض الشوارع الذاهلة، هذا وطن أبي القاسم الشابي قصيدة مشبوبة، ثورة عارمة تجتاح الطغيان.
استجاب القدر لشعبك يا أبا القاسم، استجابت الحياة للإرادة المنبعثة من قلب العذابات، هاهم أولاء بعث جديد ونشيد يهز الوجود:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
لم تعد يا أبا القاسم بحاجة إلى الذهاب إلى الغاب وحيدا كي تدفن يأسك، عاد شعبك الذي ذهبت عنه مغاضبا ذات زمن بعيد، منشدا في أسى:
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، يا شعبي
لأقضي الحياةَ، وحدي، بيأسي
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، علِّي
في صميمِ الغاباتِ أدفنُ بؤسي
ثم أنساكَ ما استطعتُ، فما
أنتَ بأهلٍ لخمرتي ولكأسي
سوف أتلو على الطيورِ أناشيدي،
وأُفْضي لها بأشواق نفسي
فهي تدري معنى الحياةِ، وتدري
أنّ مَجْدَ النفوسِ يقظةُ حس
هاهو ذا شعبك أبا القاسم صقور جارحة تحلق في فضاء حر، استيقظ المجد في نفوس مواطنيك، اشتعل حس الثوار، أعلنت تونس أنها حية باقية، وعلى دمدمتها عاد قلب الشارع العربي للخفقان، وتطايرت رسائل ملتهبة للحكام المعمرين، الساخرين من شعوبهم، السادرين في عمى الحكم المطيلين معاناة شعوبهم.
المآل الفاضح لزين العابدين قابل للتكرار وببساطة متناهية، في مقدورهم تجنب تلك النهاية والرحيل بكرامة، وثمة رسائل باتجاه الأحزاب والنخب، سيترككم الشارع خلفه إن لم تقوموا بعبء القيادة، الشارع جاهز لأن يسبقكم ويتجاوزكم إذا أطلتم المراوحة في ذات المكان البعيد عن الفعل والتأثير والتغيير.
وثمة رسائل باتجاه الجماهير المحكومة بذات النهج، من المهم إلتقاطها في هذه اللحظات الفارقة التي ترشح لولادة جديدة في منطقتنا العربية عموما، ولادة جديدة لشعوب أخرى حاكمة قادرة على قلب كل المعادلات.
تحية للشعب التونسي الذي استعاد الحياة مذ استعد لدفع الثمن، وتحية للجيش التونسي الذي التحم بالشعب وأكد أنه حاميه الكبير، حامي الثورة والمدافع عن التغيير، تحية لأفراد الجيش الذين احتضنوا الجموع وشاركوا الشارع الفرح والبكاء بلحظات الانعتاق.
أثبتت المؤسسة العسكرية أنها خط دفاع أول عن الجمهور، هذا جيش الوطن لا جيش الحاكم، صورة استثنائية في مجتمعاتنا التي يعمد الحاكم فيها إلى جعل الجيش ضمن مهددات شعبه يلوذ به ويحتمي كلما اشتدت مطالب التغيير وكأنما هو حصن الاستبداد المنيع، هذه رسالة الجيش التونسي للجيوش العربية التي استهدفها الحاكم العربي بحرب شعواء من أجل إخضاعها والسيطرة عليها وإحالتها إلى أداة قهر وإرهاب ووسيلة للانتقام ولتصفية الحسابات مع الخصوم والمعارضين داخل ساحات الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.