النائحة هي الباكية المولولة على فقيدها ، أي المرأة التي يموت لها قريب عزيز عليها فهي تبكي بمرارة وحسرة على فقده. أما النائحة المستأجرة :فهي المرأة التي امتهنت النياحة للتكسب ، فهي تأتي إلى أهل الميت لتعدد مناقبه وتولول وسط النساء لتضفي جواً من الحزن والأسى ، وتأخذ على ذلك مالاً ، وهذه العادة السيئة كانت سائدة في الجاهلية ثم جاء الإسلام وحرمها ونهى عنها ، لأن فيها تسخط على القدر وعدم التسليم لله في قضائه وقدره ، وقد سمع عمر رضي الله عنه نائحة فضربها وقال لأصحاب الميت : إنها نائحة لا حرمة لها ، لأنها تؤذي أمواتكم في قبورهم وأحياءكم في دورهم .إنها تنهي عن الصبر وقد أمر الله به ، وتأمر بالجزع وقد نهى الله عنه . قيل لواعظ مالك إذا تكلمت بكينا ، وإذا تكلم غيرك لم نبك؟ فقال : ليس النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة. وقيل لأعرابي مابال المراثي أشرف أشعاركم ؟قال :لأنا نقولها وقلوبنا محترقة!! تذكرت هذا المثل وأنا أرى مايجري في بلادنا من أحداث درامانيكية متسارعة بين فئتين وبين معسكرين وساحتين ، ساحات التغيير وساحات التبرير. ساحات التغيير التي يتقدمها الشباب ويصنعونها ويسطرون أجمل الملاحم بدمائهم وجهودهم وأموالهم وعرقهم ، صامدون في العراء تحت وهج الشمس الحارقة نهاراً وما يصيبهم من برودة الطقس وقسوته ليلاً وإنهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء شباب بذلوا النفس والنفيس من أجل رفعة بلادهم وكرامة أمتهم وإنقاذها مما وصلت إليه من التخلف والجهل والفقر والمرض والذلة والمهانة ومصادرة الحرية والكرامة الإنسانية ، بسب السياسات الكاذبة الخاطئة التي يسوسها بها الظلمة ، الذين خربوا عليها دينها ودنياها وأعاقوا حركتها وانطلاقتها نحو الأفاق الحضارية الرفيعة الراقية لقد حرك هؤلاء الشباب المياه الراكدة التي أسنت وقد سدت ، وأيقضوا مشاعر الأمة التي تخدرت منذ عقود طويلة ، حين تعايشت مع الذل والفقر والجهل والقهر ، وسكنت للتسلط والاستبداد وكرهت المقاومة والمدافعة للفساد والمنكر ، ورضيت لنفسها أن تبقى في السفوح المنخفضة وكرهت السعي إلى الرفعة والمجد وآثرت الراحة والسلامة : حب السلامة يثنى عزم صاحبه عن المعالي ويغري المرء بالكسل ومن لايحب صعود الجبال يعيش أبد الدهر بين الحفر لكن هذا الشباب المتفتح الواعي المدرك خرج عن صمته ورفض الظلم والطغيان وقدم ولا يزال دروساً وتضحيات تنير الطريق وتمهد السبيل للأجيال القادمة عليها أن تنال حياة طيبة ترفرف عليها الحرية والعدل والأمن والرخاء والكرامة . لقد بدأ هؤلاء الشباب أفراداً ثم نمت أعدادهم وكثر سوادهم حتى جروا إليهم معظم أفراد الشعب ممن يتطلعون إلى الحرية والكرامة والعدل والمساواة فاصطفوا معهم مقتنعين بعدالة قضيتهم ومطالبهم المشروعة، وسرت هذه الروح الوثابة في سائر المحافظات والمديريات وغدى هذا الحدث هو شغل الناس الشاغل في الداخل والخارج إن إصرار الشباب وثباتهم على تحقيق مطالبهم شيء، يدعو إلى الفخر والعجب!!فأين هذا من المعسكر المقابل معسكر الجمود والخمول معسكر الأطماع والمصالح معسكر ألف الفوضى ، ورضي بالتسلط والاستبداد ، وبرر للطغيان والفساد إن إرادة هؤلاء قد أصيبت بالإعاقة والشلل ، إنها لا تتجمع ولا تتحرك إلا وفق مايملى عليها ويراد منها ترغيباً وترهيبا، تلك حشود ضرار تتكون من أمشاج وأخلاط من أصحاب المصالح والأهواء فيهم المتردية والنطيحة وماعافه السبع، تحركهم المادة ويجمعهم الطمع في المال والجاه إن حزب الحاكم قد عبث باقتصاد البلاد ومقدراته ونهب ثرواته في الإنفاق الباذخ أو في تسديد الفواتير لتلك الدمى التي يحركها والتي هي بمنزلة الرسوم أو الصور المتحركة لا غير . لقد جرعونا الكأس مراً حطموا فينا الرجولة ألبسونا ثوب عامر يسحب الخزي ذيوله إن هذا القطاع العريض لا يتحرك إلا بالمال إنهم عالة على ميزانية الدولة والحزب وهم كل على المجتمع أين ما توجهوا لا يأتون بخير ، إنهم يتحركون كالقطيع ويساقون سوقاً لبضع ساعات يهتفون للظلم ويصفقون له ينطبق فيهم قول الله تعالى: (تحسبهم جميعاً وقلبوهم شتى) ليست لهم أهداف نبيلة ولا مطالب عادلة سوى الوقوف مع الظالم على المظلوم ، وترديد شعارات ورفع شارات قد لايعلمون ما وراءها ولكنهم يرددون ما قيل لهم كما تقول الببغاء !! فهل يستوي الفريقان ؟ وهل يتماثل الطرفان؟ هناك فرق بين الحقيقة والصورة، وبين البكاء والتباكي ، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة..كما أنه لا يستوي الأحياء ولا الأموات وليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء !!