في خطوة مفاجئة وإن كانت متوقعة من خلال مؤشرات تصريحات أول أمس لقادة في حزب المؤتمر الشعبي العالم الحاكم، أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح رفضه للوساطة الخليجية لإنهاء الأزمة السياسية القائمة في اليمن كونها تضمنت اشتراطات مسبقة تتقاطع مع خيارات الشعب اليمني التي حددها في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 20 سبتمبر ،2006 مطلقاً إياها ب "الأربع" . وجدد الرئيس صالح في كلمة له أمام حشود من أنصاره ومؤيديه بميدان السبعين أمس الجمعة بصنعاء في إطار "جمعة الوفاق"، استعداده للتضحية بالدم من أجل التمسك بالشرعية الدستورية التي قال إنه حصل عليها من الشعب اليمني، مؤكدا أن اليمن لا يحتاج إلى أية وساطات لتسوية الأزمة القائمة في بلاده كونها مفتعلة من قبل أحزاب المعارضة المنضوية في إطار تكتل أحزاب اللقاء المشترك، التي رحبت بالمبادرة الخليجية واعتبرتها مفتاحاً لحل الأزمة القائمة في البلاد . وثمن صالح التفاف أنصاره ومؤيديه حوله، معتبراً أن هذا الالتفاف بمثابة استفتاء شعبي على وقوف اليمنيين في صف الشرعية الدستورية وضد محاولات الانقلاب على هذه الشرعية التي تسعى أحزاب المعارضة إلى تنفيذها من خلال تأجيج الشارع والمعتصمين . وهاجم الرئيس صالح الذي ألقى كلمته وهو في حالة غضب وانفعال، المبادرة الخليجية، وموقف قطر بدرجة رئيسة، مكرراً رفضه المبادرة أربع مرات، وقال: "نحن نستمد شرعيتنا من الشعب اليمني لا من أي طرف آخر، لا من قطر ولا من غير قطر، فهي مرفوضة، مرفوضة، مرفوضة، مرفوضة" . ووصف صالح المبادرة الخليجية وموقف قطر بدرجة رئيسة بأنها "تدخل سافر في الشأن اليمني"، رافضاً "ما تأتي به المبادرة القطرية وقناة الجزيرة"، وقال "إننا نملك إرادتنا بأنفسنا فقد وجدنا في اليمن أحراراً لا نستمد قوتنا إلا من شعبنا، وأن عليهم أن يحترموا مشاعر الشعب اليمني، سواء كانوا أشقاء أو أصدقاء" . وأضاف قائلاً: "نستمد شرعيتنا من الشرعية الدستورية ونرفض تماماً الانقلاب على الديمقراطية وعلى الحرية والنهج السياسي الذين انتهجه اليمن في 22 مايو 1990 كيمن ديمقراطي موحد نفديه بالروح وبالدم" . وكان نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن والدفاع رشاد العليمي قد استبق خطاب الرئيس بكلمة باسم "القيادة السياسية والأحزاب الموالية لها"، رحب فيها ب "الجهود الخيرة لأشقائنا في مجلس التعاون"، وقال: "نقدر لهم هذا الدور الذي يعبر عن حرصهم على أمن واستقرار اليمن ووحدته وتقدمه"، إلا أنه استنكر ما جاء على لسان رئيس الوزراء القطري، الذي قال إن "اليمنيين يعتبرونه تدخلاً في شؤونهم"، معتبراً أن "الرئيس علي عبد الله صالح رمز لكل اليمنيين في السلطة والمعارضة والإساءة إليه هي إساءة لكل اليمنيين، سواء كانوا في السلطة أو في المعارضة، والذين أتوا به إلى الرئاسة في عام 2006 بإرادتهم الحرة وعبر صناديق الاقتراع واختيار مطلق من قبلهم" . ودعا العليمي أحزاب المعارضة والشباب الموجودين في ساحات التغيير إلى "العمل معاً من أجل العبور الآمن والدستوري لأي تغيير"، مشيراً إلى أن "الانتقال إلى المجهول دون الالتزام بالطرق الدستورية لأي تغيير يقود اليمن إلى مزالق الفوضى"، وأضاف: "الحكمة اليمانية اليوم تدعو الجميع إلى ترجمتها إلى خطوات مدروسة تعبر باليمنيين إلى مرحلة جديدة من الخير والسلام في إطار الدستور" . وكان مئات الآلاف من أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم ومؤيدي الرئيس صالح قد احتشدوا عقب أدائهم صلاة الجمعة في ميدان التحرير في ثالث مسيرة من نوعها أطلق عليها إسم "جمعة الوفاق والإصرار على التفاهم والحوار"، حيث جاب المشاركون في المسيرة ميدان التحرير بوسط العاصمة رافعين صور صالح ولافتات تضمنت عبارات تحث على الحوار والتفاهم لإنهاء تداعيات الأزمة السياسية القائمة، وتندد باستمرار الاعتصام المطالب بإسقاط النظام الحاكم مثل عبارة "لن يرحل"، قبيل أن تتوجه المسيرة إلى ميدان السبعين، المقابل لمقر دار الرئاسة وسط إجراءات أمنية مشددة تخللها احتجاز عدد من المشاركين الذين كانوا يحملون هراوات وعصي، حيث قامت القوات الأمنية المكلفة بمرافقة المسيرة بمصادرتها والسماح لهم بالانضمام للمسيرة كما عززت الحراسات على المنافذ كافة المؤدية إلى مقر دار الرئاسة الذي أحيط من الجهات كافة بمظاهر تشديد أمني لافت، تمثل في تمركز دبابات وسيارات مصفحة عند بواباته الرئيسية وأنحاء من محيطه، بالترافق مع تمركز مسلحين من الحرس الرئاسي على أسطح البنايات المرتفعة كافة المحيطة والمتاخمة لمقر دار الرئاسة وساحة ميدان السبعين . وأبدى العديد من الوجاهات القبلية والمشاركين في فعاليات المسيرة المؤيدة للرئيس صالح في تصريحات ل "الخليج" مواقف رافضة لمضمون الوساطة الخليجية الهادفة إلى تسوية الأزمة السياسية القائمة، حيث اعتبر الشيخ ناجي حزام عبدالله المضواحي الوساطة الخليجية "تدخلاً في الشأن اليمني كونها تضمنت اشتراطات غير مقبولة من قبيل تنحي الرئيس صالح الفوري عن السلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية ترأسها المعارضة" . وقال: "نقدر أي تدخل من أية دولة شقيقة لحل الخلافات بين القوى السياسية في اليمن، لكن ما تضمنته المبادرة الخليجية لا يعد مساعي وساطة، بل تدخل سافر في الشأن اليمني لأنها تضمنت شروطا مسبقة تطلب تنحي الرئيس وتشكيل حكومة برئاسة المعارضة وهذا أمر غير مقبول، وعلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن يسعوا إلى تقريب المواقف وليس إلى فرض شروط على طرف دون آخر، وبالنسبة لنا كقبائل مؤيدة للرئيس نرفض تنحيه وأي مساعي وساطة ستتضمن هذا الطلب فهي مرفوضة سلفاً . من جهته وصف عبدالكريم إبراهيم الجحدري، وهو احد أنصار الحزب الحاكم بمحافظة صنعاء مساعي الوساطة الخليجية لحل الأزمة السياسية في اليمن بأنها تبدو وكأن أحزب اللقاء المشترك هي من قامت بصياغتها أو أنها صيغت وفق مطالب المعارضة والمعتصمين بساحة الجامعة . وقال إن "الأحرى بقادة دول مجلس التعاون الخليجي أن ينظروا إلى الصورة مكتملة في اليمن وليس إلى جزء منها، نحن بالملايين مع الرئيس صالح ؛ فلماذا يتم تجاهل إرادتنا والتركيز فقط على تلبية مطالب أحزاب المعارضة والمعتصمين بساحة الجامعة ؟، لن نتقبل تنحي الرئيس قبل العام ،2013 فهناك دستور ونتائج انتخابات أجريت في العام 2006 صوتنا فيها لصالح الرئيس ويجب أن يحترم كل هذا، وأن لا ينظر إلى أزمة اليمن القائمة بأنها تتمثل في وجود الرئيس على رأس السلطة، في اعتقادي أن المشكلة هي وجود أحزاب المشترك التي تحرض الناس على الفتنة" . من ناحيته طالب الشيخ عبد الرحمن مصلح السنحاني من وجاهات منطقة سنحان، مسقط رأس الرئيس صالح أحزاب اللقاء المشترك المعارض ب "الرحيل من اليمن"، كونها في نظره "تمثل السبب الرئيس لتعثر مساعي حل الأزمة السياسية القائمة"، وقال: "ليرحلوا هم إلى السعودية، أحزاب المشترك لو خرجت من البلاد ستحل الأزمة فورا، أما الرئيس صالح فهو صمام آمان للبلاد . هناك مخطط يريد من خلاله حزب الإصلاح أن يستحوذ على السلطة ليقيم حكماً كحكم طالبان في اليمن وهذا هو من سيشجع تنظيم القاعدة وليس الرئيس الذي عرف بمقاومته وحربه الشرسة ضد الإرهاب والإرهابيين، لهذا لن نقبل خروج علي عبدالله صالح من السلطة قبل نهاية فترة رئاسته في العام ،2013 وعلى من يرغب في إسقاطه بالقوة أن يتجاوز كل هذه الملايين التي تحبه ومستعدة للتضحية من أجله بالدم" . من جهة أخرى طالب خطيب الجمعة بميدان التحرير المعتصمين بساحة التغيير بصنعاء إلى العدول عما وصفه ب "العناد المهلك" الذي سيؤدي بالبلاد إلى منزلق العنف والتفتت، واتهم خطيب الجمعة أحزاب اللقاء المشترك المعارض ب "السعي إلى الاستحواذ على السلطة من خلال تحريك الشارع وتمرير مخطط التأجيج للأوضاع والدفع بالبلاد صوب الهاوية"، داعياً أبناء اليمن كافة إلى الالتفاف حول الشرعية الدستورية التي يمثلها الرئيس باعتباره ولي للأمر الذي يجرم الدستور والشرع شق عصا الطاعة عليه . وعلى بعد كيلومترات قليلة من ميدان السبعين احتشد مئات الآلاف من المتظاهرين في "جمعة الثبات" في ساحة التغيير بالعاصمة لأداء فريضة صلاة وخطبتي الجمعة، واكتظت الساحة بالمحتجين الذي استمر تدفقهم إلى حين انتهاء الصلاة . وكان خطيب "جمعة الثبات" وزير الأوقاف المستقيل قبل أسابيع من حكومة الرئيس صالح، المنضم للثورة القاضي حمود الهتار قد أشاد ب "ثبات الثوار وعزيمتهم"، داعيا إياهم إلى "المحافظة على سلمية ثورتهم والصبر حتى تحقق الثورة اهدافها"، وقال إن "هذه الثورة هي ثورة حق على باطل وأنها ثورة سلمية لا بد أن تنتصر في النهاية" . والى جانب المعتصمين دعا الهتار أبناء القوات المسلحة إلى أن يتقوا الله في أنفسهم وألايسفكوا دما حراماً، مذكرا اياهم بأيات قرآنية واحاديث نبوية تقضي بتحريم سفك دم المسلم وعقوبة من يرتكب ذلك، كما خاطب كافة فئات الشعب بحسم خيارهم عاجلاً في تأييد الثورة السلمية التي تتسع يوماً بعد آخر وفي الخطبة الثانية طالب عضو جمعية العلماء وسائل الإعلام الرسمية تحديدا بالتزام الحياد في تغطية أحداث الثورة والكف عن الانحياز لصالح النظام والحزب الحاكم أو فتح المجال لكافة المواطنين للتعبير عن آرائهم باعتبار الوسائل الرسمية ملكية عامة للشعب وليست تابعة لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم أو قوى أخرى . وطمأن رئيس لجنة الحوار مع الشباب المتطرفين من جانبه المجتمع الدولي ودول الخليج باستعداد اليمنيين لإقامة علاقات ودية وخاصة دول الجوار بما يكنه اليمنيون لهم من مشاعر حب وإخاء وأنهم سيعملون معهم بشراكة ضد العنف والتطرف . وعقب الانتهاء من الصلاة أدى المحتشدون صلاة الغائب على شهداء تعز والحديدة ورددوا الشعارات المطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس صالح عن الحكم، وشعارات آخرى تعهدوا فيها بالسير على درب الشهداء . كما رفع المحتجون كروتاً خضراء كتب في إحدى واجهتها "جمعة الثبات" وتضمنت الجهة الأخرى أعلام دول مجلس التعاون الخليجي الست، يضمها علم اليمن وعبارة "ليرحل الرئيس صالح وشكراً لإخواننا في دول الخليج"؛ في إشارة إلى المبادرة الخليجية للخروج من الأزمة وإزالة التوتر والاحتقان في اليمن والتي لاقت ترحيباً من طرف المعارضة وقوى قبلية وعسكرية.