العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    تضحياتٌ الشهداء أثمرت عزًّا ونصرًا    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    مانشستر سيتي يسحق ليفربول بثلاثية نظيفة في قمة الدوري الإنجليزي    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    عين الوطن الساهرة (1)    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مولوي..عمامة ناصعة أنارت الدرب
نشر في الصحوة نت يوم 11 - 05 - 2011

"وقالوا: الإمامُ قضى نحبَه * وصيحةُ من قد نعاه علتْ،
فقلت: فما واحدٌ قد قضى * ولكنه أمةٌ قد خلتْ"
لا أعلم من أين أبدأ، والخبر الصاعق قد ربط لساني وقلمي، فالأمل بالله تعالى عللني بشفاء الشيخ وإبلاله لا بنعيه ووداعه، ولله في النفس البشرية آيات وأعاجيب منها تلك القدرة الهائلة على أن تصطنع لها عالماً يكون لها درءاً من اليأس وباباً من أبواب المصابرة..
جاءني الخبر برسالة هاتفية فأحسست وكأنني في آلة زمن تعود بي إلى أواخر السبيعينيات، وأنا بين يدي وجه مشرق تزينه ابتسامة واثق في قاعة بسيطة بمنزل متواضع في صيدا يضم فتية يبحثون عن مستقبل لهم ولأبنائهم ولأمتهم تظللهم روح من التوثب والمبادرة تحتاج أكثر ما تحتاج إلى عقل ناضج وتوجيه سليم.. فكان الشيخ فيصل مولوي مفتاح خير في مدينة تمردت على واقع التقليد والتعتيم.. جلس إلى صبية في عمر الزهور يلقي عليهم أول درس من دروس الدعوة بالقدوة لا بالكلمات المصفوفة.. كان درساً في التواضع وسعة الصدر والتشجيع الذي لا يعرف الحدود.. وإلى جانبه الشيخ المفضال خليل الصيفي (رحمهما الله).. وكنا بينهما طلاب علم وراغبي عمل نتلمس خطانا بما توفر يومها على قلته..
وبدأت المسيرة.. وتكررت اللقاءات.. وكنت في كل مرة أرتوي من معين لا ينضب من التشجيع والمشاركة والتوجيه الحيي والإشعار بالشراكة لا بالتراتبية التنظيمية.. هكذا كان دأبه ودأبنا.. من الحلقة إلى الأسرة فالمكتب الإداري فمجلس الشورى ولجان العمل في الوطن وديار الهجرة والاغتراب..
كان الشيخ الفقيه القائد حركة لا تهدأ.. تشعر أمامه أنك أمام طود شامخ لا يعرف الانحناء إلا لله تعالى.. وأمام عالم متمكن ينظر إلى الفقه من نافذة المستقبل لا من باب الماضي الخلفي.. وأمام قائد يختار رجاله بعناية.. تستشعر فيه رحمة الأب وإشفاق الأخ ورعاية الشيخ وتفاني المريد وإقدام الشجاع وثبات أصحاب العزائم..
كنت أنتظر الصلاة خلفه لأستمع لتلاوته.. كانت تخرج من فمه إلى قلبي مباشرة فتملؤه طمأنينة.. وكنت أرقب فيه إدارته للنقاش.. كان موفقاً أيما توفيق في تقريب وجهات النظر.. وتلطيف الأجواء.. وتهدئة الخواطر.. وإبراز ما في الرأين المختلفين من خير يمكن جمعه والاستفادة منه..

مرت علينا أيام وليال عجاف.. وقف فيها ممانعاً لأي أذى يلحق بغير المسلمين في مناطق نفوذنا.. الإنسان خط أحمر.. له حقوق وهو أمانة في أيدي أصحاب السلطان.. مهما كان حجم ونوع هذا السلطان.. من رب الأسرة إلى رئيس الدولة.. وللبندقية شرف لا يصح أن يتلوث بدماء الأبرياء..
كانت إمكانياتنا متواضة.. بل التواضع في وصفها كثير.. وكنا نرى الغايات بعيدة فيما كان يرى الإمكانيات في العزيمة.. ويرى الغايات قريبة.. أقرب مما نتخيل.. وبهذا أطلق المؤسسات التربوية في لبنان وأوروبا وشجع على إنشائها كل قادر عامل سواء أكان منطوياً تحت لوائه أو معارضاً له.. كان إيمانه مطلقاً بأن التعلم باب من أبواب الخير لابد أن يفضي بأصحابه إلى فضاء واسع منير.. ولما لمس معاناة الدعاة أنشأ "بيت الدعوة والدعاة" ليرفع عنهم ذل اليد السفلى.. ودعا مسلمي أوروبا ليكونوا جزءاً من مجتمعاتهم يعملون فيها بإخلاص يبنون ويتعايشون كما بنى أسلافهم في الأندلس وتعايشوا.. دعاهم إلى أن يؤهلوا دعاتهم لتلك البيئة فأنشأ "الكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية" وعمل مع دعاة وعلماء وطلاب علم على تأسيس "المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث" لتكون الدعوة والإمامة والفتوى ابنة البيئة وليست دخيلاً عليها..
لم أسمعه مرة واحدة يلفظ كلمة نابية.. أو يجاري في أمر يخدش الحياء.. أو يتبرم من قضاء وقدر أو نازلة من النوازل.. أو يشكو لغير الله.. أو يعيش حالة قنوط أمام معضلة من معضلاتنا – وما أكثرها.. كان - بالنسبة لي - نموذجاً حياً واعياً من نماذج الاستعانة بالصبر والصلاة..
كان مربياً من طراز فريد.. يكتفي بالنظرة عن الكلمة.. وبالكلمة عن العقوبة.. يدافع عمن أساء إليه ويلفت نظرنا إلى جانب من الخير يراه ولا نراه في حمأة الغضب.. وكان وفياً للسابقين رحيماً باللاحقين.. لا يرضيه سلق من خرج بألسنة حداد ولا مسح صفحات عملهم بالسواد.. بل كان لا يرد على من أساء إليه فرداً كان أو جماعة.. وإن سئل عن جماعة من جماعات العمل الإسلامي المخالفة لمنهجه أو مذهبه أجاب بما يحقق الفائدة للسائل على وجه العموم فكراً وفقهاً بالرد على الأفكار لا على حملتها.. كتبت له أستشيره في رسالة أعددتها لكبير من كبارنا رأيناه قد فارق الجماعة وترك نهجها.. فأجابني أن أُمسِك وأن أُحسِن إليه وأن أزوره في الله.. وألا أبدي لهذا الكبير ما يسوءه في قول أو عمل.. فأي خلق هذا إلا خلق مدرسة النبوة!!
لم يكن الإسلام عنده باب ارتزاق ولا موجة ترفع راكبها في السياسة والمجتمع بل كان الإسلام الذي يعتنقه ويدعو إليه رسالة حياة مصداقاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال/24].. كان يراه في عيون الأبرياء.. وفي قلوب المساكين.. وفي عمل السالكين.. وفي تجنيب الناس الأذى من أي وعاء خرج..
واستتباعاً لذلك لم تكن وحدة الصف – في فكره وحركته – تكتيكاً لقطف ثمرات في السياسة أو غيرها.. بل كانت قناعة راسخة استدعت أن يتحمل ما لا يحتمل من داخل الصف وخارجه.. ومن أبناء طائفته والطوائف الأخرى.. وهو الذي بادر يوم الجمعة 16 المحرم 1426ه (25/2/2005م) - عقب استشهاد الرئيس الحريري والكوكبة معه – بطرح حل يجنب لبنان أزمة سياسية طاحنة، ثم كرر بعد ذلك مبادراته في طرابلس وبيروت وصيدا وبمناسبات متعددة ماداً يده تجاه الأفرقاء جميعاً لاسيما "حزب الله" ناصحاً ومنبهاً إلى خطورة تداعيات استرسال السلاح داخل المدن والأزقة.. قال ذلك قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم.. وحال (رحمه الله) بكل ما يملك بين إخوانه وأحبابه ومريديه وبين الانجرار إلى فتنة مذهبية لا يستفيد منها سوى أعداء الوطن والأمة.. وكان في مجالسه الخاصة.. بل شديدة الخصوصية.. كما في مجالسه العامة شديدة العموم.. داعية إلى تفهم وجهات النظر المختلفة.. وإلى الواقعية في قراءة الأحداث.. وإلى التوازن بين أمن الوطن وتربص العدو الإسرائيلي.. كان يدعو إلى وضع الحلول التي تحقق استقرار البلد دون إثارة الأطراف أو الانحياز إلى أي من أقطابها.. وهي معادلة صعبة في ظروف إحياء الغرائز والنعرات المذهبية.. ولكن الشيخ كان قادراً على طرحها وعلى تبنيها وعلى الالتزام بها..
الفراق صعب.. لاسيما في هذه الظروف الاستثنائية التي نبحث فيها عن قبس ضوء في دياجير الواقع اللبناني المتشابك.. فكيف بفراق رجل بحجم وحضور الشيخ فيصل مولوي؟! وماذا تراني أقول فيك يا شيخي وإمامي – في لحظة حق شديدة الوقع على نفسي - وفي الناس من هو خير مني في الخطابة والرثاء؟ إن خير ما أقول ما قاله سيد الخلق صلوات الله عليه: "إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكلَّ شيئٍ عنده بأجلٍ مسمى، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. إن العين لتدمع وإن القلب ليجزع.. وإنا على فراقك لمحزونون".
**
*كاتب وأكاديمي لبناني مقيم في الكويت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.