الاستجواب البرلماني أداة دستورية وسياسية، وفكرة المسؤولية السياسية أو الوزارية هي المبدأ الأساسي والأهم في شأن مساءلة الوزراء أو رئيسهم وهي قوام النظام البرلماني في إظهار سلطة الشعب ولا معنى للنظام البرلماني إن جُرّد من المساءلة السياسية أو خلت نصوص الدستور أو أفرغت منها، والاستجواب ما هو إلا إحدى أدوات المساءلة السياسية له شروطه وضوابطه وإجراءاته وحدوده الموضوعية والشكلية من جانبها القانوني والدستوري، ولذا يبقى فن التعامل مع الاستجواب سبباً رئيسياً في كسب جولته وبالتالي نجاح مجلس النواب في مهمته الرقابية لتحقيق المصلحة العامة بتجرد باعتبارالبرلمان ممثل للشعب ومعبر عن نبض أعماقه. ولا شك أن المسؤولين الواثقين من قدراتهم وكفاءاتهم وأدائهم يفرحون عندما يطالب البرلمان باستضافتهم أو استجوابهم لأنها فرصة لعرض انجازاتهم وحث جهات الدولة الأخرى على التجاوب مع مشاريعهم وتذليل التحديات المعيقة لتنفيذ برامجهم ، أي ان طلب الإسناد والمساعدة من السلطة التشريعية ليس معيباً ولا مخيفاً ماداموا يؤدون عملهم في السليم وتحت الأنوار الساطعة. ولكن على ما يبدو أن أغلب الوزراء ورئيسهم يعرف تماما أن الاتهامات والشبهات هي حقائق وأن وقوفه تحت قبة البرلمان سوف يسلط الضوء على الجوانب المعتمة التي يعمل هو أو فريقه على إخفائها وطمسها لكي لا ينفضح أمام الشعب في هذا الوقت الحرج وما محاولات الوزراء والحكومة التهرب من الاستجواب والمماطلة المتكررة في الحضور للمجلس لأسباب وأعذار واهية إلا أكبر دليل على ذلك. الآن أصبح السبيل متاحا لمجلس النواب وعليه أن لا يقبل أية محاولة لتمييع استجوابه لكي تكون هذه القضية سابقة يفتخر بها هذا المجلس ودرساً وعبرة لكل مسؤول حتى لا يستهان بالشعب. المفارقة العجيبة أن بعض الكتل والسياسيين تنتقد اداء مجلس النواب وتشير الى ضعف رقابته في حين أن ذات الكتل عندما يتعرض احد أعضائها من المسؤولين والوزراء الى المساءلة في مجلس النواب تعمل جاهدة وبكل السبل على إعاقتها وتتهم الآخرين بان الاستجواب ليس مهنيا وإنما هو مسيّس . فهناك من يريد إلباس الاستجواب هذا الثوب ليبعده عن غاياته وأهدافه والهروب من إسقاط الحكومة التي ثبت بالدليل القاطع فسادها وفشلها وبالذات في الجانب الأمني والاقتصادي الذي أدى إلى إزهاق الأرواح وتضرر معظم المواطنين والمزارعين في معيشتهم وأرزاقهم. ولا شك أن الحكومة قد أخفقت في التعامل مع الاستجواب الأخير بدءاً بالردود الهزيلة التي أبداها الوزراء وانتهاءاً بتصريح رئيس الحكومة بأن معظم الوزراء لا يتبعونه وهو بتصريحه هذا قد قرر التفريط في مبدأ التضامن الحكومي بشقّيه الدستوري والسياسي، وعمد إلى إلقاء المسؤولية على غيره, وهذا يؤدي إلى نتيجة حتمية هي إنفراط عقد التضامن الوزاري وحلول الصراع محله ويقضي على مؤسسية مجلس الوزراء، وهو إخفاق مؤلم وخطير سيعود بالدولة إلى عهد لا دولة، وإلى الأهواء بدل من المؤسسية وهذا هو جوهر الفساد الذي شاع في الدولة واستشرى بكل المؤسسات ونال من كل السلطات والخيار المناسب هو إعفاء هذه الحكومة واسدال الستار على الفساد والإنفلات وتشكيل حكومة كفاءات ليتم تحقيق نقلة مهمة طال انتظارها, ولن يكون مقبولاً أن استجواباً تقام له الدنيا ولا تقعد ينتهي بلا شيء لأن مثل هذه النهايات اصبحت مسرحية مملة من كثرة تكرارها على غير هدى. نحن ابناء هذه الشعب نهدي نصيحة لمجلس النواب وننادي بأعلى اصواتنا يا سادة لا تكفروا المجتمع بكم وبالممارسة الديموقراطية، يا سادة نحن الشعب لسنا بحاجة الى استجوابات غايتها تكسب صاحبها سياسيا وإعلاميا وبخاصة تلك التي تكون ردود أفعال أو وراءها أموراً أخرى وأقاويل لا نريد ذكرها لأنها إن صحت فإنها تزكم النفوس قبل الانوف, ونحن على يقين من أن أغلبية اعضاء مجلس النواب غايتهم تحقيق ما يتطلع اليه الشعب ورفع المعاناة عن كاهله. واعلموا أنكم إذا لم تسحبوا الثقة من هذه الحكومة الفاسدة فإنكم قد حنثتم بالقسم الذي أقسمتموه وضللتم الأمة وأهنتم الممارسة البرلمانية والدستور بشكل فج اهانة كبيرة. ملاحظة أخيرة مهمة: البعض يزعم أن مجلس النواب قد انتهت شرعيته بانتهاء مدته الانتخابية مع أن المادة (65) من دستور الجمهورية اليمنية تنص بشكل واضح وصريح على أن:"مدة مجلس النواب ست سنوات شمسية تبدأ من تاريخ أول إجتماع له ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين إلى انتخاب مجلس جديد قبل انتهاء مدة المجلس بستين يوما على الاقل فاذا تعذر ذلك لظروف قاهرة ظل المجلس قائما ويباشر سلطاته الدستورية حتى تزول هذه الظروف ويتم انتخاب المجلس الجديد". فمجلس النواب لازال هو السلطة الشرعية الوحيدة في البلد التي تمثل الشعب خصوصاً بعد انتهاء مدة المبادرة الخليجية المزمنة وهذا هو الوصف الدستوري لوضع مجلس النواب الراهن ولا يستطيع أحد أن يسلبه هذه الشرعية فلا تخذلوا الشعب الذي وكلكم للحفاظ على مصالحه. *باحث أكاديمي في مجال الدراسات الدستورية والبرلمانية