خلال أكثر من عقدين ظلت الوحدة اليمنية في خطاب الحكم محاطة بهالة من القداسة وكانت قد صدرت عددا من الفتاوى وتحدث عدد من رجال الدين حول قداسة الوحدة وقبل ذلك ظهرت دعوات ومصطلحات مثل " الوحدة أو الموت " و" الأصل والفرع" وكل ذلك تعبيرات وتجليات شمولية تلغي أهم مبدأ قامت عليه الوحدة اليمنية وهو التعددية السياسية والفكرية والتنوع في كل أنحاء اليمن الذي تراه العين المبصرة والنفس المنصفة السوية . وتناسى الخائفون على كراسي الحكم والمصالح في ذروة الصراع والاختلاف قبل اندلاع حرب صيف 94م المشؤومة أن الوحدة عمل سياسي وليست ثابتا دينياً مقدساً, صحيح الاتحاد قوة لكن الوحدة كعمل سياسي هي ما تجمع في إطارها التنوع والمختلف في الوطن اليمني كجغرافيا وبشر. وفي ظل تنامي العاطفة اليمنية تجاه الوحدة جرى استغلال مفردة الوحدة لحشد قوى سياسية تحمل مشروعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كان مطبقاً في جز من الوطن اليمني أريد فرضه على مستوى الوطن كله وحتى ربط مفهوم الوحدة بشعار" الوحدة أو الموت "كان يعني الحياة لمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي ونمط حياة محدد كان سائداً في الشطر الشمالي من الوطن والموت لمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي آخر كان سائداً وقائماً في الشطر الجنوبي من الوطن. ومن تحدث وسيتحدث عن هروب إلى الإمام وارتماء في مركب الوحدة فهذ الأمر لا يخص شطراً واحدا كما ظل يردده إعلام الطرف المنتصر بعد 7/7/ 94م بأنه ينطبق على الشطر الجنوبي من الوطن الذي تخلى عنه الاتحاد السوفيتي السابق ودول أوروبا الشرقية التي انفرط عقدها فقد كان الشطر الشمالي ايضا هارباً الى مركب الوحدة لينقذ نفسه من دوامة صراعات ما قبل الوحدة وما رفض اتفاق 30 نوفمبر 98م الوحدوي وفيما بعد رفض دستور الوحدة الكافر والوحدة مع الشيوعيين سيدرك الحقيقية. لقد كان اليمنيون يريدون من الوحدة العظيمة التي تحققت في22 مايو 90م أن تطبق على انقاض المشروعين المتهالكين للحكم في الجنوب والشمال مشروع جديد يجمع ايجابيات المشروعين السابقين المختلفين جذرياً في توجهاتهما ومنطلقاتهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي في حاملهما السياسيين وقواهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعبيراتهما على الأرض وفي كلا الشطرين آنذاك. وقد كان أول إنجاز للمنتصرين بحرب 94م التي قتلت الوحدة هو أحداث تغييرات دستورية كرست نموذج الغلبة ومثلت رأي وتوجهات المنتصرين بالحرب باسم الوحدة وباختصار التغييرات التي حدثت لدستور الجمهورية اليمنية بعد حرب 94م وثم في عام 2001م كانت تعبر عن حالة الغلبة وإعادة إنتاج نفس القائمين على السلطة وتعالت الأصوات بدءاً من إصلاح أو تصحيح مسار الوحدة حتى وصلت الأمور للبحث في صيغة جديدة للوحدة قابلة للحياة لا تعيد تكرار دورات العنف وتطورت الأوضاع في ظل الغرور والعنهجية الى ارتفاع أصوات المطالبين بالانفصال . وحتى لا تتكرر دورات العنف والصراع والتهميش والإقصاء والإكراه وحكم الطغيان والأسرة والشلة والمنطقة فيفترض في لجنة صياغة الدستور أن تصيغ دستورا لليمن الجديد يكون بمثابة وثيقة وطنية جامعة يجد فيها شركاء الوطن بجميع فئاتهم وأطيافهم ومذاهبهم ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية تطلعاتهم جميعاً وأن يحمي هذا الدستور الشراكة بين فئات المجتمع المختلفة والمتنوعة فكرياً وسياسياً واقتصاديا واجتماعياً بما يؤدي الى توقف الصراع والاحتراب على الحكم والسلطة والثروة. ويفترض في الدستور اليمني الجديد أن يكون معبراً في فصوله ومواده عن جميع طبقات وشرائح المجتمع وحامياً لحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومتيحاً لها كلها فرصة التنافس والتمكن والتمكين من المشاركة في الحكم والتمتع بالثروة وأن لا يحمل في مضامينه ما يحرم مواطناً أو مواطنة من كل الحقوق التي كفلها الشرع والقانون والمواثيق والأعراف الدولية باعتبار الدستور عقدا اجتماعيا ينظم ويحمي حياة الناس حكاما ومحكومين. لابد أن يكون الدستور الجديد نتيجة لوفاق وطني شامل حتى يصبح عقداً اجتماعياً جديداً معبراً عن توافق بين المشاريع السياسية المتعددة – أي- يصبح تعبيراً عن المصالح والرؤى المختلفة والمشارب السياسية والفقهية والمذهبية المتعددة وبالتالي لن يمثل أي غلبة لفئة من فئات المجتمع على أخرى أو مركز حكم مسيطر على الحكم وقوة السلاح والمال. ويفترض أن يتضمن الدستور الجديد مواداً دستورية واضحة تحميه - أي الدستور - من أي منتصر بحرب أو انتخابات وتمنع أن يمس أو يغير أو يعاد تفصيله على مقاس حاكم أو حزب أو قبيلة أو تحالف أحزاب وقبائل أو تكتل تجمعه مصالح سياسية واقتصادية أو توجه ديني أو مذهبي أو أياً من هؤلاء جميعاً كما حصل بعد حرب صيف 94م المشؤومة عندما تم هندسة وتفصيل الدستور على مقاس المنتصرين بالحرب. وأخيراً : إن الدستور الجديد فرصة ثمينة ونادرة لإعادة صياغة اليمن ووحدة 22 مايو90 التي فشلت أو قتلت وماتت بالحرب فبعد نجاح مؤتمر الحوار والخروج بوثيقة الحوار التي اغلبها موجهات دستورية توافق الناس عليها خلال مؤتمر الحوار جاء القول الفصل بأفضلية الفيدرالية والنظام الاتحادي ولم تعد الوحدة الاندماجية مقدسة بل أصبحت عملاً سياسياً يناقشه الناس يتفقون ويختلفون حوله لكنهم لا يكفرون بعضا ولا يحاربون بعضا بل يبحثون كيف يتعايشون معاً . "الثورة"