أطراف العملية السياسية التي شاركت في الحوار الوطني سواء التي وقعت على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية أو التي لم توقع كالحوثيين " انصار الله" والحراك الجنوبي السلمي - طبعا ليس كل فصائل الحراك وإنما جزء منها – والشباب والمرأة ، الجميع تحاوروا اختلفوا واتفقوا وأدير صراعاً ناعماً ورفعت قوى أصواتها عالياً لأول مرة منذ عقود وطأطاة قوى أخرى رؤوسها لكي تمر العاصفة التي كادت تقتلعها وجرى صياغة وثائق وتقديم رؤى وصياغة ضمانات. كانت القضية الجنوبية حاضرة في كل فرق مؤتمر الحوار وفي أغلب النقاشات وفي جوهر كل الحوار الوطني حتى قيل أن الحوار الوطني هو القضية الجنوبية والأخيرة هي الحوار الوطني وما سمي الحوار وطنياً إلا لإنه جعل القضية الجنوبية واستبشر الناس خيراً بالمتحاورين برغم فترات التعطيل واستهلاك زمن الحوار وكانت لحظات الحوار الصعبة تلك التي كشفت فيها قوى السلطة والدولة التي قبضت عليهما منذ حرب تدمير الوحدة. وأعلن مؤتمر الحوار الوطني أن الوحدة الاندماجية فشلت في أغلبية مخرجاته كما أعلن أن شكل الدولة ونوعية الحكم السابق – أيما قبل ثورة 11 فبراير والحوار الوطني فشل فشلاً ذريعاً وتوافق الجميع على مخرجات الحوار حتى وإن شاب خاتمة مؤتمر الحوار بعض الاختلاف لكنه الذي لا يفسد للود قضية ومثلما يقال كل اختلاف وله حل أو " صنعاء لم تبن بيوم " كان هناك رؤى ومشاريع ووثائق ضمانات اختلف الناس حولها وكان يفترض أن التوافق يتطلب مزيداً من النقاش خاصة فيما يتعلق بشكل الدولة " ستة اقاليم أو اقليمين " وحول ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار " هناك من وقع وهناك من أجل التوقيع ،وهناك من سجل اعتراض أو تحفظ وهناك من تحالف وقدم رؤية مشتركة خاصة فيما يتعلق بشكل الدولة وبدت المواقف واضحة ومحددة وقيل يومها الكثير حول عودة تحالف المختلفين او المتصارعين أو المتحاربين. وبدت خاتمة مؤتمر الحوار كأنها فوهة بركان على وشك الانفجار ليحرق كل شيء فكان التدخل الرئاسي لإنقاذ خاتمة مؤتمر الحوار قبلت به قوى وتحفظت عليه قوى أخرى ومارست ثالثة " التقية" تجاهه واتفق جميع فرقاء السياسة في اليمن على الدعوة إلى تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. المعترضين والمتحفضين والصامتين والمتحالفين القدماء والجدد. وكان يفترض أن يوفر التوافق السياسي والتسوية في نهاية مؤتمر الحوار فرصة كبيرة لأطراف العملية السياسية ألا تصل العملية السياسية إلى ما وصلت إليه لإن ذلك كان مؤشراً خطيراً على فتح الباب للتلاعب بمخرجات الحوار وتحميلها أكثر مما تحتمل وجعلها كما يقال " حمالة أوجه" يفسرها ثم ينفذها كل طرف سياسي أو مشارك في الحوار بما يراه هو لا بما يجعل التوافق من أجل التغيير لصالح جميع المشاركين في الحوار وإنما التغيير بما يناسب كل مشارك في الحوار على حدة . وواجهت القوى السياسية والأطراف المشاركة في الحوار الوطني عقب اختتام مؤتمر الحوار الوطني استحقاقات جديدة تمثلت بتوسع الحوثيين عسكرياً وسياسياً في شمال البلاد حتى وصولهم إلى تخوم العاصمة وأبوابها وبتجميد خطوات السير باتجاه حل عادل للقضية الجنوبية وجرى الحديث بشكل انتقائي عن مخرجات الحوار من قبل الأطراف المشاركة فيه. وافرز المشهد السياسي التفافاً على مخرجات الحوار الوطني أو لنقل بصريح العبارة ممارسة عملية أخصاء مبرمجة لها بأساليب مختلفة وطرحت شروط ورؤى تنفيذية تعجيزية وهو ما فتح الباب لخلق أعذار وممهدات جديدة لقلب الطاولة على نتائج مؤتمر الحوار فبدت عمليات الحروب الصغيرة هنا وهناك الرافعة الجديدة لمشهد سياسي مختلف تماماً وصلت الذروة في العمليات الحربية الصغيرة والانتقامية في عمران وضواحيها "مناطق حاشد والعصيمات وما جاورها " فكانت عمليات التهجير وتدمير المنازل وكسر عظام قوى سياسية البداية للالتفاف على مخرجات الحوار والتحضير لحرب حرق وثيقة الحوار. وتبدو عملية حرق " وثيقة الحوار الوطني " متواصلة وكادت تهدد العاصمة صنعاء بل أصبحت تهدد الكيان اليمني بالتمزيق والفرز الطائفي المذهبي المناطقي وما يمكن أن نطلق عليه التحضيرات لحرب إحراق نتائج الحوار ووثائقه وهذا أمر غير مسموح به إقليميا ولا دولياً، وإن لعبت في أشعال فتيله أطراف إقليمية من تحت الطاولة فإنها تدرك أن الالتفاف على التوافق وحرف مساره بدلاً من أن يصبح توافقاً سياسياً يمنياً اقليمياً دولياً على قاعدة التغيير إلى توافق لإدارة حروب واضعاف قوى ودعم أخرى أو تسمينها وتكبير دورها ونفوذها . ويعرف القاصي والداني أنه لا منتصر بأي حرب وإن امتلك أدوات القوة " السلاح والمال " ولدينا في اليمن تجارب حروب وفرض نمط ونموذج سياسي واسلوب حياة وحكم بالقوة وقد فشلت كلها منذ بداية القرن العشرين مروراً بالثورات اليمنية كلها شمالاً وجنوباً فقد كان الإقصاء ورفض التعايش وقتل وتشريد الأخر والانتصار عليه هو ما يولد نار تحت الرماد . وأخيراً : اجعلوا التوافق من أجل التغيير إلى الأفضل لا من أجل مكاسب حزبية أو شخصية أو مذهبية أو طائفية أو جهوية ليكن التوافق من أجل حل القضايا العالقة الكبرى حلول عادلة وأولها القضية الجنوبية ولن تحل قضايا اليمن بالقوة أوبفرض الأمر الواقع سواء بفرض نوع ونموذج محدد أو بتنفيذ حرب للقفز وتخطي ما اتفق الناس عليه بمعنى أوضح التوافق يحتاج إلى تجديده ليصبح توافقاً حيوياً نشطاً على قاعدة التغيير لا توافق يجمد المكاسب وينتج تخالفاً للعودة إلى الخلف ولاداعي للتصريح أكثر فالحليم تكفيه الإشارة "الثورة"