ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخطاء سلبية في جرعة المشتقات النفطية
نشر في التغيير يوم 17 - 08 - 2014

ها نحن نشهد الجرعة الثالثة عشرة لرفع اسعار المشتقات النفطية منذ قيام الجمهورية اليمنية . و المرة الوحيدة التي انخفضت فيها الأسعار كانت في إبريل عام 2012م. . و ما سبقها كان عمليات رفع أسعار و الجرعة الحالية هي الثانية كبرا فيها بعد جرعة عام 2011م. التي ارتفعت فيها الأسعار بنسبة : 400 % . . فهل تكون هذه الجرعة الطازجة الأخيرة ؟ . . و هل نصل إلى مستقر لسياساتنا الاقتصادية و وقف نزيف إنهيارنا الاقتصادي الذي ظل يتخبط في الفترات الماضية جراء الأخطاء ؟ . . من السابق لأوانه الإجابة على هذين السؤالين العسيرين ، و الآن علينا أن نبدأ بمصارحة أنفسنا عن الأخطاء الكبيرة غير المتوقعة التي ارتكبت في سياق رفع الدعم عن المشتقات النفطية – أغسطس 2014م. و التي كان يمكن تحاشيها ، و هي أخطاء تنم عن عدم دقة صنع قرارات الحكومة ، و الأهم أن لها آثار اقتصادية سلبية لا يستهان بها تجعلنا – بالضرورة - نتناولها حتى و إن كنا نؤيد رفع الدعم عن المشتقات النفطية كأجراء إصلاحي اقتصادي هام طال أنتظاره .
- السعر الجديد مرتفع :
إن الأنتقادات الموجهة للحكومة اليمنية بشأن رفع أسعار المشتقات النفطية كثيرة و متعددة الأوجه ، بيد أن ما يهمنا منها – هنا - ما جاء بأن أسعار المشتقات النفطية الجديدة مرتفعة . . و الاتجاه الأول هنا يأتي من كثير من المواطنين ممن يقولون إننا دولة منتجة للنفط و الغاز و لا يمكن أن تكون الأسعار للمشتقات النفطية بنفس الأسعار العالمية . . الأدهى من ذلك أن بعض الاقتصاديين يقولون أن أسعار المشتقات النفطية الجديدة تفوق الأسعار العالمية . و قد ورد ذلك من قبل رئيس الجمعية اليمنية لحماية الثروات الطبيعية – د . محمد الزوبه - الذي أشار إلى أن الاسعار المحددة بقرار الحكومة الأخير الخاصة بالبنزين تفوق أسعار البنزين بما نسبته : 25 % عن السعر العالمي الموجود اليوم ، حيث أن سعر الدبة البنزين ( 20 لترا ) لا يتجاوز عالميا ما بين : 3100 – 3200 ريال ، حسب رأيه ( العين أون لاين – بتاريخ : 30 / 7 / 2014م. ) . و الباحث الآخر هو د . عبيد البري الذي كتب مبينا تكاليف عمليات الاستخراج و التكرير وصولا إلى تكلفة و سعر البرميل الواحد ، و يستنتج د . البري أن الحكومة تبالغ في أرقام الدعم التي تحدثت عنها دائما ، و انها تكسب مبالغ إضافية لا تصرح عنها في كل برميل نفط ( راجع مقالة د . عبيد البري في "عدن الغد " بتاريخ : 4 / 8 / 2014م. )
هناك ثلاث حقائق بشأن تحديد السعر الجديد المرتفع . . الحقيقة الأولى : أن القرار الأخير للحكومة اليمنية بتاريخ : 2 / 8 / 2014م. بشأن إعادة تسعير المشتقات النفطية جاء مخالفا للتوقعات التي وجدت ، إذ أنه صنع ليس بالعودة إلى الاسعار المرتفعة للمشتقات النفطية أثناء أزمة الصراع السياسي العسكري منذ عام 2011م. التي سادت حتى بداية نهاية شهر مارس 2012م. و إنما جاء بما هو أعلى منها مقارنة باسعار ما قبل القرار ، فقد صار سعر الدبة البنزين ( 20 لتر ) : 4000 ريال . بدلا من :2500 ريال ، أي بزيادة بلغت : 60 % . و سعر الدبة الديزل ( 20 لترا ) : 3900 ريال ، بدلا من : 2000 ريال ، أي بزيادة : 95 % . و سعر الدبة الكيروسين : 4000 ريال ، بزيادة : 100 % . و أبقي على سعر الدبة البوتوجاز ( الغاز المنزلي ) على ما هو عليه : 1200 ريال . في حين أنها تباع رسميا بسعر : 1500 ريال . بزيادة بنسبة : 25 % و مازالت أسعارها غير ثابتة في السوق على عكس بقية المشتقات النفطية ، حيث يتراوح سعر الغاز المنزلي في حالة صراع و خلاف ما بين : 1500 – 2000 ريال .
الحقيقة الثانية : هي تداخل عوامل كثيرة في أسعار المشتقات النفطية . . فلا شك إننا لا يمكن أن ننظر أقتصاديا إلى أننا دولة منتجة للنفط كاملا لأن إنتاجنا ظل يحوم منذ عام : 1995م. فوق و أدنى من : 400 ألف برميل يوميا و إن كان إنتاج بلادنا من الغاز الطبيعي أفضل . كما أننا نفتقر إلى القدرة التكريرية ، فمثلا - استوردنا : 60 % من مادة الديزل للسوق المحلية من الخارج في العام الماضي الذي شهد أستيراد معظم المشتقات النفطية ( مثله مثل بقية الأعوام ) من : الإماراتالكويت - هولنداسويسرا . و لذا عندما نقيم سعر المشتقات النفطية لا يمكننا أن نأخذ سعر البرميل النفط السائد في سوق عالمية أو تكاليفه محليا لأنه غير ثابت ، كما أن تكاليفه تتأثر بالتكرير و نقلها من الخارج إلى السوق المحلية و ما يفرض على ذلك – هناك أو هنا – من ضرائب و رسوم . فمثلا تفرض الدول المتقدمة رسوما أعلى على الديزل مما هي عليه على البنزين حفاظا على البيئة .
و مثال آخر هو تأثرنا بحالة الأسواق العالمية ، ذلك أن أزمة شحة مادة الديزل العام الماضي و العام الحالي سادت في معظم الدول العربية التي تنتج كميات قليلة نسبيا من النفط . و لأسباب عدة ، منها عدم القدرة على التحكم أو حتى التوجيه للتوازن بين العرض و الطلب في الأسواق الذي توجه خلال فترة زمنية طويلة ماضية نحو استخدام آلات و معدات و مصانع تشغل بالديزل الرخيص المدعوم . بالإضافة إلى أن كميات الديزل المهربة إلى خارج البلد المعني هي أكثر بكثير من كميات البنزين المهربة .
الحقيقة الثالثة : . . إن ما أوردناه في الفقرة السابقة من صعوبة تحديد سعر المشتقات النفطية عالميا و بصورة دائمة يؤدي إلى ما أطلقت شركة النفط اليمنية ( الجهة الحكومية المخولة بأستيراد و توزيع المشتقات النفطية ) عليه مصطلح " السعر المحرر " أي التكلفة الحقيقية للمشتقات النفطية بدون دعم يذكر . . و جاء ذلك لأول مرة في عام : 2008م. عندما قررت البيع للمصانع المحلية و الشركات الاجنبية بالسعر العالمي الذي أرتفع ذلك العام ثم أنخفض . . و عاد التعامل بالسعر المحرر في أول فبراير 2014م. و في إعلان بتاريخ : 27 مايو من العام الحالي ، و فيه أعلنت الشركة أن السعر المحرر هو للدبة البنزين ( 20 لترا ) : 3500 ريال . و للدبة الديزل ( 20 لترا ) : 3000 ريال .
إن رأينا أن أسعار المشتقات النفطية المحررة من الصعب تحديدها بشكل ثابت و لكن كمعدل وسطي فإن الأسعار المبينة في الفقرة السابقة – أعلاه - قريبة أليها ، و أن الاسعار الجديدة في القرار الحكومي الأخير عالية و قد تكون أخذت توقعات الحد الأعلى لمتوسط الأسعار المحررة للمشتقات النفطية أو غيره . و نستند في حكمنا هذا _ أيضا - على تجربة عملية قام بها فعلا أحد المتخصصين العاملين في مجال النفط لصالح أحد المهاجرين التجار ، و ذلك في منتصف عام 2013م. إذ كانت المفاجئة أن سعر البنزين و الديزل المستورد من قبل شركة تجارية خاصة ( واصلا إلى مستودعاتها ) مقارب جدا للسعر السائد – آنذاك - : سعر الدبة البنزين ( 20 لتر ) : 3500 ريال . و سعر الدبة الديزل ( 20 لترا ) : 3000 ريال . علما بأن متوسط الربح على دبة الديزل أو البنزين عند البيع : 100 ريال للجملة و مثلها للتجزئة . . لكن لا يمكن القيام بمقارنة أوتماتيكية نتيجة لعاملين مهمين : الأول ، أن الصفقة التجارية الخاصة المذكورة آنفا كانت من روسيا الاتحادية و بكمية محدودة و ليست كبيرة بينما الكميات التي تستوردها شركة النفط الوطنية كميات هائلة ، و هذا لا شك يؤثر على السعر . . العامل الثاني : أن قسم من كميات المشتقات النفطية التي تباع في السوق المحلية اليمنية من الأنتاج الوطني ، و تكلفتها أقل . كما جاء في تقرير لجنة أزمة المشتقات النفطية التي شكلها مجلس النواب و المقدم للمجلس في شهر يونيو الماضي ، ما يلي : ( إن ما يقارب : 80 % من الدعم المستحق لشركة النفط يتم تسديده في شكل نفط خام و الذي يستغرق تكريره وبيعه ما يقارب : 45 يوماً ، و هو ما أضعف من قدرة شركة النفط اليمنية على شراء المشتقات النفطية و دفع قيمتها بمجرد وصولها الموانئ اليمنية ) . . و في جميع الأحوال فإن السؤال المهم يتكرر : كيف حددت حكومة الوفاق الوطني السعر الجديد للمشتقات النفطية المرتفع نسبيا ؟
- تجاهل أنواع البنزين :
إن عدم تضمين القرار الحكومي الخاص برفع أسعار المشتقات النفطية : 2 أغسطس 2014م. أسعار محددة لكل نوع من أنواع البنزين ينم عدم الدقة في العمل و صنع القرار ، و يدل – كذلك - على ضعف الدراسات و الابحاث و التقارير المسبقة الخاصة بالسياسة الاقتصادية في هذا القطاع الهام التي تبنت قرارا صائبا لكن أخطائه كبيرة و بعضها قاتلة . . فالجميع يعرفون أنه توجد عدة أنواع من البنزين تصنف بحسب نقائها ( خلوها من مادة الرصاص ) و ذلك بمستوى وجود مادة الكتلين في كل نوع منها ، و الحاجة إلى تمايز نوعية البنزين بموجب تصنيع محركات السيارات و وصول كل منها إلى أفضل أداء ، و تلك الأنواع ، هي : N80 – N90 – N92- N95 و أدناها سعرا هو : N80 الذي يستخدم غالبا في اليمن و قيمته تقل عن قيمة اللتر البنزين من نوع N92 بأكثر من النصف ، أي بما يقارب : 55 - 65 % . و كذا نوع البنزين N92 هو أيضا تقل أسعاره عن سعر نوع البنزين الفاخر الذي لا يستخدم إلا لدى قليل من الميسورين N95 بما يقارب : 220 - 250 % و هذه الفوارق كبيرة جدا في أسعار البيع . و هي كبيرة أيضا سواء في عمليات الاستيراد ، أو حتى في الرسوم التي تفرض على كل نوع منها في مختلف دول العالم ( بما في ذلك الدول التي تقوم بالتكرير ) تبعا لمعدل النقاوة في كل نوع من تلك الأنواع و التي يجرى التفريق فيما بينها عند التكرير و التصنيع بألوان معينة تميز كل منها عن الآخر .
إن معظم نشاط شركة النفط الوطنية كجهة محتكرة لاستيراد و بيع و توزيع المشتقات النفطية ، بما فيها مادة البنزين يعتم على أنواع البنزين بالرغم من تفاوت الاسعار الكبير فيما بينها . و المرة الوحيدة التي أعلنت الشركة عن وجود أنواع من البنزين كان في عام : 2010م. حين أعلنت أنها وفرت إلى جانب البنزين العادي ( 60 ريالا للتر ) البنزين الخالي من الرصاص و بسعر : 80 ريالا للتر الواحد ، و الفرق واضح . . هل كانت شركة النفط الوطنية تستورد البنزين العادي N80 فقط ؟ . . هل كانت الشركة تستورد و توزع نوعين من البنزين المختلف جودة و سعرا و تبيعهما بسعر واحد / السعر المدعم ؟ أو العكس ؟ . . هل كانت تبيع لجهات من النوع العادي و جهات أخرى من النوع الجيد ؟ . . هل كانت تخلط بين الأنواع ؟ . . علما بأن معظم دول العالم تعاقب بشدة على خلط نوع بنزين أقل جودة بنوع أفضل جودة .
و بما أن الأسئلة الواردة أعلاه بدون إجابة ، و المعلومات عنها غير متوفرة . فأنه يصعب علينا أن نتناول نتائج الألتباس الذي تمارسه الشركة فيما يخص أنواع البنزين . . و مع ذلك فإن عدم تضمين القرار الحكومي الخاص برفع أسعار المشتقات النفطية : 2 أغسطس 2014م. أسعار محددة لكل نوع من أنواع البنزين يظل خطأ جسيما بالمعايير الاقتصادية و المالية و التجارية .
- تكلفة الأخطاء الاجرائية :
أعلنت الادارة العامة لإحصائيات التجارة ( البنك المركزي ) أن تكاليف استيراد المشتقات النفطية بلغت : 303 مليار ريال و 244 مليون خلال الأربعة الاشهر الأولى من عام : 2014م. و بأرتفاع عن عام 2013م . : 193 مليار ريال . أي بزيادة تقارب : 110 مليار ريال . و قد برر ذلك بأنه نتيجة لخسارة : 3 و 3 مليون برميل محلي كفاقد تخريب خلال الأربعة الأشهر الأولى من العام الحالي . و حسب وزارة المالية فإن مخصصات دعم مشتقات النفطية للعام الحالي 2014م. : 330 مليار دولار . و ما صرف لهذا الغرض حتى نهاية شهر يونيو الماضي : 363 مليار دولار . و عموما كان تبرير الزيادات في الاستيراد للمشتقات النفطية و تكاليفها دائما هو التخريب لأنابيب النفط المحلية ، حيث قالت الجهات الرسمية أن الدولة تكبدت : 75و 4 مليار دولار كخسائر ناتجة عن العمليات التخريبية خلال عام واحد من مارس 2013م. و حتى مارس 2014م. و لكن هذا لا يجعلنا نصدق أن خسارة الأربعة الأشهر الأولى من هذا العام كانت بمعدل متوسط : 750 ألف دولار في الشهر بينما كان معدل متوسط الخسائر الشهرية في العام المذكور آنفا : 365 ألف دولار . فلقد كان عام 2013م . من أسوأ الأعوام تخريبا للأنابيب النفطية . و عدم التصديق له أسبابه التي تعود إلى التلكؤ في إتخاذ القرار مما أعطى فرصة للمهربين في خزن و تهريب كميات كبيرة جدا .
إن الخطأ الإجرائي الأول هو التردد في إتخاذ القرار برفع الدعم عن المشتقات النفطية ، حيث أن مسائل التغيرات السعرية مسائل حساسة و لا تقبل طول مدة نقاش حولها . لقد كانت أهم خسائر الأخطاء الاجرائية من جراء الأزمة في تموين المشتقات النفطية التي بدأت من أزمة شحة توفر مادة الديزل في عام : 2013م. على الرغم من تخفيض الاسعار في شهر إبريل إلى الأزمة الحادة لتوفر جميع المشتقات التفطية و خاصة البنزين و الديزل منذ شهر مارس : 2014م. ما يلي : أرتفاع نفقات الدولة لاستيراد المشتقات النفطية ( كما سبق الايضاح ) ، التكاليف الإضافية على المواطن نتيجة الشراء من السوق السوداء بأسعار مضاعفة عن السعر المحدد ، توقف قسم من المزارع و تلف صادرات ، تجميد قسم من قوارب الصيد ، توقف بعض المصانع و شرائها الديزل باسعار مضاعفة ، انقطاع الكهرباء كخسارة على المواطن و الدولة ، تدني إنتاجية العمل . . و غيرها .
صحيح أن إتخاذ القرار برفع الدعم عن المشتقات النفطية قرار صعب ، و يحتاج إلى أقناع على المستوى الرسمي و الشعبي ، لكن التردد الذي حصل كان أشبه بتعذيب للمواطن و للدولة معا أدى إلى ألحاق خسائر كبيرة بالأقتصاد الوطني . و بالمقابل حقق ( الردد ) فوائد و مكاسب لتجار السوق السوداء و المهربين إلى الخارج ، كانوا أقوى و أذكى من المواطن و الدولة . فتجار السوق السوداء أغتنموا الفرصة و كسبوا الكثير ، و يقال أن بعضهم كسب كربح ما يزيد على خمسة مليار ريال ، هذا بدون ما ربحوا عن ما لديهم من مخزونات عند اتخاذ قرار الاسعار الجديدة بداية الشهر الحالي . . أما المهربين إلى الخارج فإن مكاسبهم كانت تاريخية بالنسبة لهم لأنه لم تتخذ أحتياطات أمنية استثنائية كافية قبل صدور القرار تحد من نشاطهم . و للتأكيد على هذا نعطي أمثلة . . ففي محافظة المهرة وحدها تم يوم : 15 / 7 / 2014م .ضبط سفينة بها براميل تحتوي على : 400 ألف لتر ديزل . و في يوم 27 / 7 / 2014م . ( أي قبل أقل من أسبوع من عملية رفع الدعم ) تم ضبط سفينة هندية محملة ب : 3 ملايين لتر ديزل ، إنها كمية كبيرة و عملية عالية الكلفة ، كمثال . مع الأخذ بعين الاعتبار أن مراكز التهريب العتيقة تطل على البحر الأحمر و ليس على البحر العربي و خليج عدن .
إن ما أوردناه في بداية هذه الفقرة عن زيادة الكميات من المشتقات النفطية التي ضخت للسوق في الأربعة الأشهر الأولى من هذا العام مقارنة بنفس الفترة من العام المنصرم ( 110 مليار ريال ) تكاد تكون ذهبت لتجار السوق السوداء و المهربين إلى الخارج ، و ربما كانت أرباحهم أكبر من ذلك بكثير . . و ما نقصده بتناولنا للأخطاء الإجرائية لتعديل أسعار المشتقات النفطية أنه كان بالإمكان وضع خطة ممنهجة و علمية لتنفيذ الأجراء بدلا من الخسائر المباشرة و غير المباشرة التي وقعت و ستؤثر على مستوى التضخم في الأشهر القادمة . . لو وضعت خطة كمثل هذه الخطة لكان الأجراء أقل كلفة و خسارة و عناء . . و بما أن الأجراء قد تم فعندما تقول : " لو كان . . " يجيبك معظم المسئولين الحكوميين كالعادة دائما : " ليس بالإمكان أفضل مما كان " .
- آليات تنفيذ الأجراء :
إن الأخطاء التي نتناولها في سياق هذا البحث ، و خاصة الأخطاء في تحديد سعر المشتقات النفطية الجديد ، و عدم تحديد سعر معين لكل نوع من أنواع البنزين المتفاوتة الكلفة تؤثر على آليات تنفيذ القرار الحكومي الأخير و تؤثر على الأسواق و آليات تنفيذ الأجراء من أطر و مؤسسات تجارية .
إن النزاع بين الجهات الرسمية عن صلاحية استيراد و توزيع المشتقات النفطية قائم ، و ربما سيشتد في الفترة القادمة نتيجة الأخطاء السلبية المصاحبة للقرار الايجابي . و كان فخامة رئيس الجمهورية قد وجه بتاريخ : 24 / 7 / 2014م. بالفصل في النزاع بين شركة مصافي عدن و شركة النفط الوطنية بأن تتولى الثانية مهام بيع المشتقات النفطية للقطاع الخاص بعد أن كانت هذه المهمة متنازع عليها بين الشركتين . كما أن الحكومة وعدت مصانع القطاع الخاص في شهر مايو الماضي بأن تستورد متطلباتها من المشتقات النفطية من ذات نفسها و لم يتم تنفيذ الوعد حتى الآن .
إن القرار الحكومي الخاص برفع أسعار المشتقات النفطية : 2 أغسطس 2014م. أنحصر على أن يكون قرار تعديل أسعار ، و لم يتطرق إلى تحديد آليات تنفيذه ، و شبكة استيراده و توزيعه و بيعه . و نقول هذا لأن الجهات التي تشكل شبكة تنفيذه متعددة و كل واحدة تبحث عن معالجات لمتطلباتها في ظل الأسعار الجديدة المرتفعة ، و تلك الجهات على النحو التالي :
الرقم الجهة / القطاع مخصص الديزل المدعومة / مليون لتر النسبة من الاجمالي
%
1 المحطات خاصة 141 2 67و 59
2 محطات الكهرباء الحكومية 771 49و 21
3 الشركات الخاصة 255 1و 7
4 محطات شركة النفط 156 35و 4
5 الشركات الأجنبية 76 1و 2
6 جهات حكومية 66 8و 1
7 مصانع الاسمنت 48 3و 1
8 المصانع المختلفة 38 1و 1
9 القوات المسلحة 37 09و 1
= الاجمالي = 588 3 100
و لقد أوردنا حجم مخصص كل جهة من الجهات أعلاه من مادة الديزل لنبين حجم نشاطاتها و حاجاتها . . هذا إلى جانب وجود مجمع متكامل لإنتاج الغاز الطبيعي و شركة مصافي عدن ، و مصفاتين في كل من الحديدة و حضرموت . . و كان يفترض تحديد أسس عمل هذه الشبكة المتنوعة ، و عملها كوحدة واحدة في تنفيذ القرار الجديد . و هل سيسمح للجهات المبينة أعلاه بأن تستورد متطلباتها من المشتقات النفطية من ذات نفسها ، و كذا هل يسمح لها توزيعها في الأسواق ؟
- الإبقاء على دعم قطاع الكهرباء و الطاقة :
إن مسألة الإفصاح عن المبالغ التي وفرتها الدولة من قرار رفع أسعار المشتقات النفطية الأخير مهم جدا . و تصبح هذه المسألة أكثر أهمية في تحديد ما هو متبقي من دعم يقدم من الدولة ، إذ صرح مصدر حكومي مسئول ل " يمن جورنال " بان الحكومة لم تتخلى سوى عن : 62 % من الدعم للمشتقات النفطية . فهل هناك جرعات سعرية قادمة إذا ما ظل العجز في الموازنة العامة قائما ؟ أم أن ما تبقى من نسبة أوردها ذلك المسئول ( 38 % من الدعم السائد قبل الرفع الأخير ) يعني بها ما يخص إبقاء الدعم للمشتقات النفطية الخاصة بقطاع توليد الكهرباء من قبل الدولة . . و ربما كان الاعتقاد الأقرب هو الأخير لأنه شبه منسجم مع تصريح الحكومة في اجتماعها بتاريخ : 5 / 8 / 2014م. الذي ورد فيه أن دعم وقود إنتاج الطاقة الكهربائية في العام الحالي سيستمر ، مبينة أن قيمته تصل إلى : 236 مليار ريال . أي ما يقارب ثلث مجمل الدعم للعام الحالي البالغ : 656 مليار ريال .
و يعلو الرقم الوارد أعلاه عن ما كان عليه في عام 2013م. و قد أوضح تقرير لجنة أزمة المشتقات النفطية التي شكلها مجلس التواب و المقدم للمجلس في شهر يونيو الماضي : ( أن دعم مادة الديزل المقدم للكهرباء يصل إلى أكثر من :154 ريالاً للتر الواحد ، و أن الكمية المسلمة للكهرباء خلال عام : 2013م. بلغت : 851.3 مليون لتر . تصل بالسعر العالمي إلى حوالى : 165.7 مليار ريال ، و تتحمل الحكومة فارق السعر كدعم لمادة الديزل بمبلغ : 157.6 مليار ريال . و بنسبة : 95% من النفط اليمنية و المحتسب بسعر : 40 ريالاً عليها ) .
و يشير التقرير المذكور إلى لب المشكلة في دعم وقود قطاع الكهرباء ، و هي أن الدعم المقدم من وزارة المالية لقطاع الكهرباء بحسب أرقام عام : 2013م. ( 6و 157 مليار ريال ) تنال شركات أو محطات شراء الطاقة الخاصة النصيب الأكبر منه ، إذ نالت خلال العام المذكور : 1و 126 مليار ريال . بينا نالت محطات الكهرباء الحكومية من الدعم في نفس العام : 5و 31 مليار ريال بالإضافة إلى : 1و 8 مليار ريال قدمت لها من قبل المؤسسة العامة للكهرباء قدمت للمحطات الحكومية . و مع ذلك لا يمكن المقارنة بين الدعم لأسعار الديزل الذي تحصل عليه محطات الكهرباء الحكومية مقارنة بما تحصل عليه شركات بيع الطاقة الخاصة . . و يأتي ذلك تبعا للكميات المدعومة من الديزل ، ففي عام 2013م. حصلت محطات الكهرباء الحكومية على : 3و 203 مليار لتر بينما حصلت محطات شراء الطاقة التابعة لشركات خاصة على : 648 مليار لتر . أي ما نسبته : 1و 76 % من المجموع .
هل حاول قرار حكومة الوفاق الوطني الأخير بشأن تعديل أسعار المشتقات النفطية أن يحل المشاكل السابقة المستعصية . و فيما يخص مشكلة دعم الوقود لإنتاج الطاقة الكهربائية الآنفة الذكر الذي ظل الجميع يشكو فيها من شراء الطاقة ، لم يقدم جديدا ؟ و هناك صراع حاد حتى في ظل الوضع السابق الحالي بين الآراء تجاه أسلوب الحل . البعض يرى أن تباع الوقود لمحطات الكهرباء بالأسعار الجديدة و يدفع الدعم نقدا للوزارة حتى لا يختل السوق و يظهر التهريب من جديد . و البعض يرى أن يدفع الدعم من الدولة لوقود الكهرباء عن طريق فواتير المواطنين مباشرة ؟ و لكن المشكلة أكبر في دعم محطات شراء الطاقة من الشركات الخاصة ، كيف سينظم ؟ . . لا أحد يعلم . من المفترض أن تكون كل الأجوبة للأسئلة الصعبة قد وضعت كاملة قبل اتخاذ قرار حكومة الوفاق الوطني برفع الأسعار الأخير .
- الخطأ السياسي الاقتصادي :
إذا نظرنا بمصداقية للتجارب السابقة للسياسات الحكومية في تسعير المشتقات النفطية سنجد أن إهتراء منظومة الدعم و التهريب لم يكونا سببين في رفع أسعار المشتقات النفطية ، إذ أنها كانت تدافع عن نفسها ببسالة . . الحقيقة كان السبب الأول لرفع سعر المشتقات النفطية في اغلب الأحيان هو : العجز في الموازنة الحكومية . . و حتى هذا السبب كداء لم يتم علاجه بالعمليات المتعددة لرفع الأسعار التي بدأت و توالت في الأعوام : 1998م. – 2001 – 2004 - 2005م. – 2007م. ( تم التراجع عن قسم منها ) . و كان الرفع أحيانا بسبب ارتفاع الأسعار العالمية كما هو الحال في عام : 2008م . حيث رفعت أسعار الديزل المباعة على مصانع الحديد و الأسمنت و المصانع الخاصة مما أدى إلى توقف عدد منها.
ثم توالت عمليات الرفع في عام : 2010م. عمليتان . بان تم رفع أول العام حيث بلغ سعر اللتر الديزل إلى : 45 ريال ، و اللتر البنزين إلى : 65 ريال ، و اللتر الكيروسين إلى : 45 ريال . ثم جرى رفع أسعار آخر في شهر يونيو من نفس العام حيث بلغ سعر اللتر الديزل : 50 ريال ، و اللتر البنزين إلى : 75 ريال ، و اللتر الكيروسين إلى : 50 ريال . كما أرتفع سعر الدبة الغاز الطبيعي من : 500 ريال إلى : 800 ريال .
لقد ارتفعت اسعار المشتقات النفطية في عام 2011م. أثناء نشوب الأزمة السياسية الحادة التي شهدها البلد و بدون قرار رسمي إلى : اللتر الديزل : 100 ريال ، و اللتر البنزين إلى : 125 ريال ، و اللتر الكيروسين إلى : 100 ريال . ثم بقرار رسمي في شهر يوليو 2011م. على التوالي إلى : 175 ريال للبنزين ، و 125 ريال للديزل ، و للكيروسين : 200 ريال . – 2011م. و في عامي – 2012م. – 2013م. حصل ارتفاع في اسعار المشتقات النفطية المباعة على المصانع الخاصة و الشركات الاجنبية . كما حصل ارتفاع في اسعار الغاز الطبيعي .
إن الخطأ الرئيس الأول : هو أن قرار حكومة الوفاق الوطني الأخير برفع الدعم عن المشتقات النفطية أتى في سياق السياسات الاقتصادية السابقة لأنه لم يتخذ في وضع طبيعي لإنهاء إهتراء منظومة الدعم و خللها و إنهاء التهريب الذي صار متسلطا على تلك المنظومة و أنما أتى مثلما حدث في الماضي بسبب العجز في الموازنة الحكومية الذي نما عبئ رفع حجم دعم كميات المشتقات النفطية المدعومة عاما بعد عام حتى وصل إلى : 13 % من الناتج المحلي الاجمالي ، و إلى : 20 % من الميزانية الحكومية ، و هذا سبب وجيه لاتخاذ القرار ، و لكنه ضعيف لأنه يبرر ضعف الحكومة بما يقلل من تجاوب المواطنين و يصلب موقف المعارضين .
الخطأ الرئيس الثاني الاجرائي : هو أنه حصلت في الربع الثاني من عام 2012م. أزمة شديدة في توفر المشتقات النفطية في ظل استمرار الاسعار المرتفعة للمشتقات النفطية أثناء الصراع السياسي العسكري منذ عام 2011م. السابقة الذكر . و مع ذلك قررت حكومة الوفاق الوطني الجديدة في شهر إبريل 2013م. العودة بأسعار المشتقات النفطية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة السياسية العامة الحادة بحيث صار سعر الدبة البنزين ( 20 لتر ) : 2500 ريال بدلا عن : 3500 ريال . و سعر الدبة الديزل ( 20 لترا ) : 2000 ريال بدلا عن 3000 ريال . و مع ذلك استمرت الاختناقات التموينية في المشتقات النفطية طوال عام 2013م. لتصل ذروتها في شهر مارس : 2014م. و تواصلت بتصاعد حتى اتخاذ القرارات الأخيرة برفع الدعم عن المشتقات النفطية بداية الشهر الحالي . . و الخطأ السياسي الاقتصادي – هنا – يتمثل في السؤال الكبير : لماذا أعادت حكومة الوفاق الوطني بعد شهرين من تشكيلها الدعم للمشتقات النفطية بعد أن صارت الاسعار المرتفعة في السوق واقعا ؟ . . و يمتد السؤال حتى اليوم : لماذا قامت حكومة الحوار الوطني بعد تسعة عشر شهرا من سريان الأسعار المرفوعة بالتراجع عن قرار التخفيض و رفع أسعار المشتقات النفطية إلى مستوى أعلى مما كانت عليه قبل مجيئهما إلى السلطة عقب الثورة الشبابية السلمية ؟ ، ما السبب ؟ . . الإجابة تطول .
- فشل مكافحة التهريب :
ليس من المعيب أن نقول أن اقتصادنا الوطني إقتصاد عشوائي غير منظم أو غير منتظم . إنه اقتصاد مليء بفوضى شتى أنواع التلاعب و التهريب و السوق السوداء و التهرب من الضرائب و الرسوم ، هو ما يسميه الاقتصاديون " الاقتصاد التحتي " . . و هذا الوضع كان السبب في التلاعب بسياسات دعم المشتقات النفطية بحيث صارت نتائجها سلبية و مخسرة للدولة و لا يستفيد المواطن إلا من قسم بسيط منها .
و هنا نقول أنه ما من شك في أن دعم المشتقات النفطية كسياسة اقتصادية إيجابية وجدت في اليمن و غيرها من الدول لصالح المواطن ، بيد أنها تحولت مع مرور الزمن من عامل إيجاب إلى عامل سلب معيقا بفعل الاستغلال المنفعي الخاص الذي توسع في استغلاله و الاستفادة منه مع تعاقب السنين ، كل من : أصحاب النفوذ الراعيون ، المهربون المتنفذون ، المهربون المحترفون ، الموظفون الفاسدون المدنيون ، الموظفون الفاسدون العسكريون ، عدد من العاملين في الجمارك ، الجهات و المناطق التي تبيع مخصصاتها المتعمدة الزيادة من أجل التهريب و أكثرها قرب مراكز التهريب ، منفذو التهريب المحليين ( الناقلون المحليون ) ، منفذو التهريب الدوليون ( الناقلون إلى الخارج ) المشترين الدوليين .
إلى جانب أنهم شبكة واسعة و كبيرة و قوية ، فالمهربون اليمنيون أيضا خطيرون من الناحية النوعية ، فهم محترفو تهريب مهنييين ، و خبراء في خلط أنواع البنزين و المشتقات النفطية ، و للمعلومية ، أيضا ، أنهم يضيفون مواد غش أخرى لزيادة الكمية المهربة . هذا بالإضافة إلى أنهم يستخدمون أسماء مشتقات نفطية أخرى للديزل و البنزين إذا ما أرادوا تهريبها عبر منافذ بحرية أو برية رسمية . و فوق هذا و ذاك فهم أفراد عصابات مقاتلة لديها مليشيا احتياطية .
و مما زاد تألق تناسق شبكة التهريب اليمنية ضعف الدولة و تخبطها في مكافحة التهريب ، أذكر أنه كانت هناك إدارة عامة في مصلحة الجمارك لمكافحة التهريب ، و عند إعداد دراسة لمؤسسة المهاجر للدراسات عن التهريب من دول الخليج إلى اليمن عام 2006م. سألنا عنها فقيل لنا أنها ألغيت و حولت إلى إدارة عادية تابعة لأحد الوكلاء . و أثناء البحث لم نجد سوى دراسة يتيمة عن التهريب في اليمن . . كان الحديث الرسمي عن التهريب خط أحمر حتى عام : 2012م. حين شكلت لجنة وطنية عليا لمكافحة التهريب من ممثلين لجميع الجهات الرسمية و غيرها ، ربما كان هذا أول عمل جاد في هذا المضمار لكنه جاء متأخرا في وضع تتفوق فيه المجموعات العشر للمهربين التي سبق لنا تعديدها من حيث سعة الخبرة و طول التجربة .
ما نقصده من هذا الحديث ، أن من الأخطاء إهمال مكافحة التهريب الذي أفسد الجودة المتوقعة من برنامج دعم اسعار المشتقات النفطية . . إذ ، صار يصرح – رسميا - بأن حصة المهربين و التهريب من الدعم للمشتقات النفطية تصل تقريبا إلى : 80 مليار ريال سنويا كخسائر يتحملها الدعم ، أي ما نسبته ما بين : 10 - 12 % من إجمالي الدعم الذي تقدمه الدولة للمشتقات النفطية .
و لهذا السبب . كان توجه الرأي العام اليمني بصورة رئيسة نحو القضاء على التهريب و الحد من الفساد كحل بديل لرفع اسعار المشتقات النفطية ، و كذلك كشرط لنجاح هذا الأجراء . بيد أن المشكلة أن الدولة فشلت في مكافحة التهريب ، بالإضافة إلى أن اللجنة العليا لمكافحة التهريب – 2012م. صاحب عملها فشل مكافحة الفساد المستشري و عدم تحقيق تقدم يذكر في استرداد الأموال المنهوبة ، و ما صعب عملها أكثر هو أن حجم التهريب الجمركي و التهرب الضريبي كبير جدا ، إذ تتراوح نسبتهما ما بين : 40 – 50 % .
كان على حكومة الوفاق الوطني أن تتخذ إجراءات و قرارات أشد في مجال مكافحة التهريب ، و بالذات تهريب المشتقات النفطية قبل مدة طويلة من اتخاذ قرار رفع المشتقات النفطية بداية الشهر الحالي . و لكن حصل العكس إذ بلغ تهريب المشتقات النفطية ذروته في السبعة الأشهر الأولى من العام الجاري ، و قد بينا ذلك في سياق بعض بنود هذا البحث السابقة ، سواء فيما له صلة بتزايد الكميات الهائلة التي ضخت إلى الأسواق ، أو بالكميات الكبيرة جدا المنطلقة للتهريب التي ضبطت في محافظة المهرة . . بل أن الأمر تعدى هذه الحدود إلى اتهام بعض الوزارات و المؤسسات الرسمية بالتهريب للمشتقات النفطية ، و كمثال على ذلك أن أحد المسئولين الجمركيين السابقين في شركة مصافي عدن نشر وثائق كثيرة جدا في " الاقتصاد نيوز " بتاريخ : 3 / 8 / 2014م. عن أن كميات كبيرة من المشتقات النفطية قال بأنها كانت تهرب مباشرة قبل دخولها البلاد ( جيبوتي و أثيوبيا ) مع دفع الرسوم المقررة و بعضها بتصريحات جمركية و بعضها بدون تصريحات ، و أشير إلى أنه في العام 2011م. تم استيراد كميات إضافية من المشتقات النفطية بنسبة : 10 % لهذا الغرض . . و قد أعلنت شركة مصافي عدن أن ما كانت تقوم به عملا تجاريا مشروعا و قانونيا ، و بأسعار تجارية . و تقدمت الشركة بدعوى قضائية ضد ذلك المسئول ، و الجميع بانتظار فصل القضاء في هذا الموضوع الذي أوردناه هنا كتأكيد على أنه لم تظهر إتهامات مماثلة أو دعاوى قضائية ضد مهربين تأكدت افعال التهريب ، منهم ؟ . . أينهم ؟ لا احد يعلم . . هناك مشتبهين كل واحد منهم يتهم الآخر . . و هذا دليل على فشل الحكومة في مكافحة تهريب المشتقات النفطية .
- دراسات الجدوى و آثار الإجراء :
لعله من الطبيعي أن لا يوجد إجراء حكومي معين إلا و تلازمه أخطاء ، إلا أن الأخطاء التي تناولناها في هذا البحث يصعب كتمها . و كلما تبودلت الآراء حول إجراء مهم مثل رفع الدعم عن المشتقات النفطية كلما كان ذلك نافعا ، و على وجه الخصوص عندما يكون الأجراء في بدايات تنفيذه ، فلربما أخذ ببعض الملاحظات و تم تصويب بعض الأعوجاج من قبل قيادة الدولة . . و نعتقد إن سبب معظم الأخطاء التي تضمنها هذا البحث ضعف دراسات الجدوى الاقتصادية و عشوائية توقعات الاثار الايجابية و السلبية التي أجريت كأرضية لقرار رفع أسعار المشتقات النفطية في مطلع شهر أغسطس الجاري ، و قد لا تكون تلك الابحاث و الدراسات دقيقة و كافية بسبب تعكر المياه السياسية .
و لعل موضوع آثار إجراء رفع الدعم عن المشتقات النفطية الأخير أكثر صعوبة في التحليل ، و خاصة بالنسبة لتأثيراتها الاقتصادية ، و على مستوى معيشة المواطن ، علما بأن مجموعة من حزم الاجراءات الأصلاحات الاقتصادية قد تم الأعلان عنها قبيل و بعد القرار هناك تثاؤب في تنفيذها . . كما أن هناك مسائل ذات صلة هامة بالموضوع ، منها : أسباب استمرار تضارب الآراء المؤيدة و المعارضة للأسعار الجديدة ، و الموقف المؤيد أو الرافض لمسألة الدعم ، و التساؤل عن إلى أين يذهب ما توفره الدولة من أموال كمحصلة لقرار رفع أسعار المشتقات النفطية ، و ما شابهها .
و عموما . . فإن التوقعات و التنبؤات عن إنعكاسات و نتائج و آثار القرار الجديد بشأن تسعير المشتقات النفطية على ثلاثة أتجاهات : المواطن ، و الاقتصاد الوطني ، و الدولة ستظل على مدى أشهر طوال مثار نقاشات و حوارات و أبحاث . و ربما يمكننا أن ندلي بدلونا في تلك الحوارات و الأبحاث التي تحتاج – كأقل حد – إلى شهرين أو ثلاثة حتى نرى الملامح الأولية الواضحة للأنعكاسات و الآثار بشقيها السلبي و الايجابي .
*مؤسسة المهاجر للدراسات – صنعاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.