كلما احتدم النقاش وكلما ارتفع منسوبه ليصل إلى حد الجدل إزاء ما يجري في البلد من مواجهات دامية كلما زاد حضور الرئيس في الذاكرة الوطنية المتعبة! لاسيما عند هذه المعمعة من النقاش وعند هذا الجدل المُفرغ من الإجابات الشافية، فعلى الرغم من القلق ومن الخوف والهلع الذي ينتاب الناس ويقض مضاجعهم جراء مشهد الصراع الدامي المحتدم منذُ أكثر من شهر وفي أكثر من محافظة بين أنصار الله من جهة وعناصر تنظيم القاعدة من جهة اخرى يظل الرئيس في خضم هذه الأحداث هو الشغل الشاغل للذاكرة الوطنية فيما إذا كان له باع في ما يجري، وفي ما إذا اكان يتحكم بخيوط هذا الصراع وببوصلة اتجاهاته. حديث الناس عن دور الرئيس وعن موقفه من الأحداث الجارية هو حديث مشروع تزداد وتيرته ونبرته كلما زادت توقعات الناس بالمدى الذي يمكن لجماعة أنصار الله أن تبلغه، لاسيما بعد عبورها لكثير من المحافظات وصولاً إلى محافظة إب التي تقع جغرافياً عند أهم مفصل من مفاصل الخارطة اليمنية وهو المفصل الذي يتحكم بأهم الطرق التي تربط بين أهم ثلاث محافظات تشكل عصب الدولة وهي: صنعاءوتعز وعدن. إذا ما نظرنا إلى المشهد الراهن على أنه مشهد حوثي صرف تم رسمه وإضفاء الألوان عليه من قبل السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي وجماعته، عند هذه الرؤية وعند هذا الاعتقاد يصبح من حق أي منا أن يتوقع المدى الذي يمكن للسيد وأنصاره أن يبلغاه، بيد أن الحكاية ليست على هذا النحو من التبسيط! فمن وجهة نظري ووفقاً لما هو ماثل على الأرض وأعني به هنا إنسياب تمدد أنصار الله في كثير من المحافظات دون عوائق تذكر من قبل الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، يمكنني القول أن المشهد الراهن رُسم بأكثر من يد وبأكثر من ريشة وأكثر من مزيج ألوان. ما يهمني في هذا السياق هو دور الرئيس ومساحة إسهامه في رسم هذا المشهد... بالتأكيد لا يمكن لأية أحداث أن تجري وأن تتسارع على هذا النحو الدراماتيكي ومن الفعل الذي لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن من فعل "الجان" ما لم يكن القابض على مقاليد السلطة ولو بنسبة منها راض عن هكذا فعل من منطلق منظوره أن الخروج من أزمات هذا البلد وتعقيداته لا يتأتى إلا من خلال هكذا طريقة وهكذا كيفية التي ربما يراها بمثابة اللجوء للكي بعد اتباع كل وسائل التطبيب. السؤال هنا في ظل التسليم بهذه الحقيقة المُرّة ولو مؤقتاً حتى يتضح لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود في المدى المنظور والقريب وبعد انبلاج فجر يوم جديد السؤال هو: ما هي دوافع الرئيس إزاء صمته وغض طرفه عن مثل هكذا أحداث؟ هنالك دوافع أربعة هي بمثابة أهداف للرئيس عادة ما تلوح لي كلما حاولت الخوض في تفسير هذا الموقف، هذه الدوافع أو الأهداف هي: • خلط الاوراق السياسية مع مستجدات بعض الاوراق التي أفرزتها الأحداث الأخيرة في شمال الشمال وفي جنوب الوطن بغية إحداث توازنات جديدة في الساحة الوطنية. • تعرية بعض القوى السياسية في ضوء الفرز السياسي والقبلي القائم بين بعض الأحزاب والجماعات المسلحة سواء ما هو قائم منذ عقود مثال ذلك حزب الإصلاح والقوى المسماة بالجهادية أو ما هو قائم اليوم بين حزب المؤتمر وجماعة أنصار الله... هذه التعرية التي تأتي من خلال كشف هذه التحالفات غير المعلنة لعامة الناس لمجرد متابعة الأحداث والوقوف على صور وأسماء وتصريحات من يصطف في طابور هذا الطرف أو ذاك. • تخفيف الضغط المتمثل بتنظيم القاعدة على مناطق الجنوب من خلال الدفع بعناصر هذا التنظيم إلى محافظات الشمال لمواجهة تمدد أنصار الله كما هو حاصل اليوم في أكثر من محافظة أذكر منها على سبيل المثال محافظتي إب والبيضاء. • إيصال رسالة خطرة لكثير من أنظمة العالم سواء الإقليمية أو الدولية منها مفادها أن خطر المواجهات المسلحة المحصورة اليوم في إطار السيادة الوطنية ربما لن تبقى في المستقبل المنظور في هذا الإطار، الأمر الذي يتطلب من هذه الأنظمة سرعة التحرك في اتجاه اخماد النار قبل أن تصل إلى تماس مصالحهم لاسيما بعد مراوغة هذه الأنظمة وتهربها عن تحمل مسئولياتها الإنسانية والأخلاقية على امتداد حوالي 3 أعوام. في ضوء هذه الدوافع وهذه الأهداف لا بد لمن وضعها في سبيل الوصول إلى تحقيقها من وضع ضوابط ومن تحديد سقف لأفق تنفيذها وإلا أصبحت سيف ذا حدّين يمكن أن تؤذي صاحبها وتقود إلى نتائج كارثية غير محمودة العواقب، من هذه الضوابط عدم تجاوز خطوط معينة هي ما يطلق عليها عادة بالخطوط الحُمر، من هذه الخطوط عدم تجاوز الخط الفاصل بين محافظة إب ومحافظة تعز. ما قام به اللواء الركن محمود الصبيحي الذي بات موضع احترام الكل في هذا البلد إثر إعلانه استعداد القيادة الرابعة التي يقودها الدفاع عن محافظة تعز إذا ما تجاوزت جماعة أنصار الله هذا الخط يؤكد على محدودية التحركات لأنصار الله خاصة إذا ما عرفنا أن ما قام به هذا القائد لم يكن بدافع ذاتي أو بما تمليه عليه مسئولياته الوطنية وإنما وفق خطوط محظور تجاوزها من قبل القيادة السياسية والعسكرية ممثلة بالرئيس هادي، كون وصول جماعة انصار الله إلى مياه باب المندب معناه فركشة اللعبة السياسية التي بدأت من مربع معهد دماج وتوقفت عند تخوم محافظة تعز. تطور واحد إذا ما حصل سينسف هذا التحليل وغيره من التحليلات التي ربطت بين التقدم السريع لانصار الله في كثير من المحافظات وبين موقف الدولة من هذا التقدم ومن هذه التطورات المتسارعة، هذا العامل يكمن في تقدم هذه الجماعة صوب مياه باب المندب، إذ عند هذا الموقع وعند هذه المياه يكمن الجواب على كثير من التساؤلات. هذا الجواب الذي ربما لن يتسنى لأحدنا التوقف عنده أو الإنصات له لما سيشهده هذا المكان من ضجيج كون كثير من دول العالم الإقليمية والدولية ستكون حاضرة في هذا المكان الحيوي والإستراتيجي لتقول كلمتها لكن بلغة مختلفة عن اللغة التي نتحدث بها في معاملاتنا اليومية إنها لغة القوة التي بدأت مؤشراتها من خلال ردود الأفعال المصرية، هذه الردود التي لن تتوقف على إبداء المخاوف وإنما من خلال فعل على الأرض. [email protected]