قُدر لنا أن نتعايش مع الأحداث دون معرفة من يديرها أو يتحكم في نتائجها! لسنا وحدنا في هذا البلد من ينتابه الذهول جراء دراماتيكية كثير من الأحداث المتسارعة وإنما العالم كله من حولنا الذي ما إن شرع في متابعة الأحداث وفي تحليل بواعثها وفي توقع نتائجها حتى أُصيب بحالة من الذهول حين فوجئ بالألعاب النارية تملأ سماء العاصمة صنعاء ابتهاجاً بانتهاء الحرب والتوقيع على المشاركة في السلطة وكأن ما كان يجري على الأرض هو مجرد أضغاث أحلام لا أكثر. اهتمام العالم بما يجري على أرضنا مرده علم هذا العالم المسبق بما نختزنه من سلاح ومن ذخيرة ومن جهل ومن أحقاد ومن ثارات جاهلية ومن تباينات سياسية ولربما مذهبية ناهيك عمن يُذكي صراعاتنا ومن يغذيها من القوى الإقليمية والداخلية ومن يعمل على تنفيذها على أرض الواقع من القوى العميلة والمأجورة في الداخل، هذه العوامل التي إذا ما وضُعت في مواجهات دامية فإن هذا العالم بقربه وبعده عن تماس جغرافياتنا لن يكون بمنأى عن الأخطار وعن لهب النار وعن تطاير شظايا جمره وجذواته. من خلال متابعتي لخطاب الأخ الرئيس الذي ألقاه يوم الثلاثاء 23/9/2014م والذي حاول من خلاله تسليط الضوء على مجريات الأحداث الأخيرة في العاصمة، لاحظت من هذا الخطاب تأكيده على ما هو في الذاكرة الوطنية من معلومات متجذرة في قناعة كل مواطن ومواطنة في هذا البلد وهو أن ما يجري من مؤامرات ومن أحداث ليست عفوية على الإطلاق إذ تقف ورائها قوى داخلية وخارجية على السواء. السؤال هنا: ما هو الجديد في طرح الرئيس هادي؟ وما هو دوره كصمام أمان لهذا البلد ولقاطنيه إزاء هذه المؤامرات؟ إذ ما كنت أنتظره ولربما ينتظره بالتأكيد غيري عند متابعة هذا الخطاب هو الإفصاح عن الأسباب التي أظهرت الدولة على هذا النحو المذل يوم أن صالت جماعة أنصار الله وجالت في العاصمة لتبدو وكأنها عاصمة لدولة من دول الموز لا عاصمة لأكثر من 25 مليون نسمة ولتاريخ ضارب في القدم يمتد لأكثر من 2400 عام يوم أن أطلق على مدينة صنعاء بالعاصمة السياسية والتاريخية. ما جرى من قبل السلطة ومن قبل قيادة الجيش والأجهزة الأمنية من تهاون ومن لا مبالاة حيال وضع جماعة أنصار الله يدها على العاصمة لا يمكن وصفه إلا بالخلل الأخلاقي، الأمر الذي يدفعني للقول للأخ الرئيس بعد أن وقع الفأس بالرأس"أوقف يا فخامة الرئيس هذا المسلسل المخزي والمخيف وهذا السيناريو المفجع والمذل الذي لا يقبل به أي مواطن سيما حين يشعر أن رقبته ورقبة الوطن واقعة تحت مطرقة هي غير مطرقة الدولة وشرعيتها". صنعاء يا فخامة الرئيس لم تتعرض خلال حصار ال 70 يوماً لما تعرضت له اليوم... رغم ضآلة إمكانيات الدولة والمقاومة الشعبية آنذاك! فكيف بها اليوم تُفتح أبوابها بهذه السهولة رغم ما تتمتع به الدولة من إمكانيات عسكرية وأمنية هائلة وبرغم العدد الهائل من الناس الذين يقطنونها؟ سؤال هو برسم المستقبل الذي لن يبخل علينا بالإجابة على مثل هكذا سؤال بات يؤرق كل الناس ويقض مضاجعهم حتى لو كان المبرر لاقتحام العاصمة هو وضع اليد على بعض قوى الفساد، إذ كان الأجدر بالدولة وبأجهزتها المختصة القيام بهذا الفعل على أن تقوم به جماعة لا صفة قانونية أو شرعية لها في إن تتولى مثل هذا الأمر ناهيك عن انتقاءها لعناصر الفساد في الوقت الذي يشكو فيه الوطن من منظومة فساد متكاملة لا من عنصر أو عنصرين من هذه المنظومة. ما لاحظته على الرئيس وهو يلقي خطابه امام حشد من الوزراء وأعضاء مجلسي النواب والشورى وهيئة مؤتمر الحوار هو امتعاضه من بعض التحليلات التي ذهبت إلى إمكانية نقل العاصمة إلى عدن؛ كمخرج لضغط القبيلة المحيطة بالعاصمة كلما أرادت أن تنتزع حقاً أو باطلاً من الدولة، هذا الحق أو الباطل الذي لا ينحصر تأثيره على العاصمة فقط وإنما على الوطن برمته... ما يفترض بالأخ الرئيس هو أن يفتح عقله وقلبه لكل الآراء ولكل التحليلات السياسية لاسيما تلك التي لها علاقة بأحداث العاصمة الأخيرة وبما يمت لأمن واستقرار الوطن بشكل عام كون احداث دموية كتلك التي جرت وفيما لو تجاوب الطرف المعني بالاستهداف بالذهاب إلى هذا المستنقع وإلى هذا المنزلق الخطير وإلى هذه اللعبة المميتة لكانت العاصمة في خبر كان ولكان الوطن هو الأخر في خبر كان، إذ ما استنتجته من امتعاض الرئيس إزاء التحليل المتعلق بنقل العاصمة إلى عدن هو تأكيده على صحة هذا التحليل في إطار النظرية الرياضية التي تقول: (أن نفي النفي هو الإثبات) رغم امتعاض الرئيس من بعض الآراء ومن بعض التحليلات السياسية إلا أني مضطر لأن أخوض في خطابه الأخير بحيث أصارحه القول بأني لم اجد فيه ضالتي التي أبحث عنها في هذا الخطاب وهو الجواب على سؤال بات على لسان كل الناس في هذا البلد وهو: لماذا اختفت الدولة من العاصمة خلال خوض جماعة أنصار الله حربها الطاحنة مع المرابطين في مقر قيادة المنطقة السادسة "الفرقة الأولى مدرع سابقا" وعند تمدد هذه الجماعة في أكثر من حيّ وفي أكثر من شارع وفي أكثر من منشأة سيادية... سؤال مشروع خاصة وأنه جاء على لسان عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله الاخ محمد البخيتي في لقاءه التلفزيوني في قناة السعيدة يوم الثلاثاء 23/9/2014م حين قال وبالحرف (لقد فوجئنا بغياب الدولة). سؤالي للأخ الرئيس في ضوء هذا التعليق الصادر عن واحد يعد من أهم رجالات انصار الله: لماذا غابت الدولة عن الحضور في المشهد الدامي الذي جرى في العاصمة ناهيك عن غياب أدواتها الشرعية ما بعد توقف الأحداث الدامية سيما في الوقت الذي كان فيه سكان العاصمة معرضون للموت وفي الوقت الذي كان فيه هذا المصير محتماً لولا حكمة قيادات الإصلاح في عدم الذهاب إلى مؤامرة الاقتتال مع جماعة أنصار الله، ولولا حكمة هذه الجماعة الحوثية في عدم التهور والذهاب إلى ما هو أبعد من هدفهم المصوب نحو الفرقة الأولى مدرع ونحو الجنرال علي محسن ونحو جامعة الإيمان ومالكها الحصري الشيخ الزنداني، لكانت الفاجعة ولكانت الكارثة بعد أن أتيحت لهم كل فرص الانقضاض على الدولة. ما يشفع للرئيس لدى المواطن حيال ما حل بالوطن من انتكاسة ومن إذلال هو: فيما إذا كان على اطلاع مسبق بهذا المشهد بغية التخلص من معضلة علي محسن والشيخ الزنداني والاخوان بشكل عام، هذا المشهد الذي لا يخرج عن إطاره أبواب الفرقة الأولى، إذ لربما خُدع الرئيس وشرب من جرّة الحوثي حين فوجئ بتمدد جماعة هذا الاخير في كل مساحة العاصمة. المشكلة والكارثة إذا لم يكن الرئيس مطلع على هذا المشهد مسبقًاً. أسئلة كثيرة وكثيرة ستظل الشغل الشاغل لكل مواطن ومواطنة في هذا البلد لكن ما هو الأهم فيها هو السؤال المتعلق باختفاء الدولة من العاصمة الذي لم يشغل من هم خارج إطار جماعة أنصار الله وإنما شغل أيضا قيادات هذه الجماعة! ما هو مطلوب من فخامة الرئيس هو الإطلالة علينا كشعب ليخبرنا بحقيقة ما جرى ومازال يجري بغية قطع كل اجتهاد وكل تحليل سياسي قد لا يروق له وقد يبقيه ممتعضا في وقت يحتاج فيه لهدوء الاعصاب ولمراجعة حساباته بغية إصلاح ما أفسدته ثلاثة أيام من اجتياح العاصمة. [email protected]