باستثناء لصوص هذا البلد وقطاع طرقه وأرزاقه ومصاصي دماء أبناءه وسارقي أحلام أجياله ممن لم يتوقفوا يوماً عن جرائمهم وعن حياكة مؤامراتهم التي تستهدف هذا الوطن وأهله منذ أكثر من خمسة عقود من الزمن وحتى اللحظة... باستثناء هؤلاء القلة من الجهلة والقتلة وعديمي الضمائر الكل في هذا البلد ينشد التغيير ويتوق لغد خالٍ من هذه الشوائب والأدران التي علقت بالأرض والإنسان في هذا الوطن الذي ما زال ينبض بالحياة رغم ما حل به من محن ومن كوارث وأهوال ورغم ما لحق بأبنائه من نوائب ومن أوجاع وآلام. الكل يقف اليوم على مفترقات طرق وعلى حافة منزلق هو الأخطر في تاريخ هذا البلد بعد أن أصبح فرقائه قاب قوسين أو أدنى من المواجهة في ظل الحشد والحشد المضاد في أخطر بقعة جغرافية وفي أكثر المدن ازدحاماً بالسكان وهي العاصمة. لعبة هذا التحشيد في الجانبين تبدو لعبة مسلية للبعض ممن يبيتون للوطن وقاطنيه الشر ويتمنون للجميع في هذا الطرف أو ذاك الذهاب إلى ما هو أبعد من الهتافات ومن رفع الشعارات... إلى الصدام الدموي على طريق جر الوطن كل الوطن إلى أتون محرقة وإلى جحيم نار يصعب على كل من هم على البسيطة إطفاء حرائقها أو إخماد جذواتها في ظل ما يمتلكه كل طرف من مخزون ذخيرة ومن سلاح هو كل ما ادخروه في حياتهم وما ورثوه عن آباءهم وأجدادهم ناهيك عن التمويل الخارجي الذي عادة ما ينشط في مثل هذا الظرف وفي هذا المجال على غرار نشاطه الملحوظ في العراق وسوريا وليبيا على سبيل المثال لا الحصر. أجزم بأن هنالك من يحلو له من متأمري الداخل والخارج رؤية هذه الحشود المتناغمة في جزء من الرؤى الوطنية والمتباينة في جزء آخر منها وهي تقترب من بعضها لينهش كل منها في جسد الآخر ويُريق كل منها دم الآخر حتى إذا ما أضحت هذه الحشود جثث هامدة أقترب منها ومن دمائها المهرقة، هذا المتآمر وذاك ليحتسي من دمائها نخب تأمره وانتصاره وليعتلي على جثثها في إشارة لاطمئنانه على بلوغ مرامه. أقول للأخ الرئيس ماذا تنتظر يا فخامة الرئيس كي تشرع في اتخاذ القرارات الوطنية والتاريخية التي تضع حداً لهذا التسارع نحو المجهول، ماذا تنتظر في ظل حقيقة أن ما بين الجد والهزل هو خيط رفيع ولربما رفة عين الأمر الذي يتطلب منك سرعة التحرك في اتجاه نزع فتيل الاشتعال بعد أن تتحرر من مواثيق وأغلال أسرك التي كُبلت بها لأكثر من عامين من قِبل المبادرة الخليجية وضغوطات المنتفعين من بنود هذه المبادرة ممن راقت لهم لعبة تقاسم السلطة والثروة على حساب معاناة الملايين من أبناء هذا الوطن وعلى حساب طحن الكثير منهم في معيشتهم وفي أمنهم وفي أرزاقهم وفي أمراضهم بل وفي بطالتهم التي أفضت مؤخراً إلى احتشادهم في العاصمة وفي مختلف المدن كفريقين متخاصمين. المتتبع لكل ما يجري في العاصمة من مظاهرات ومن اعتصامات لهذا الفريق أو ذاك يمكنه الاستنتاج بسهولة أن حديد الطرق الواقع بين يدي الرئيس والذي صعب عليه طرقه وتطويعه لأكثر من عامين بات اليوم في أعلى سخونته بحيث يمكنه طرقه وتطويعه كيفما يشاء.... من يتابع هذه الأحداث الدراماتيكية والمسارعة ومن ينصت للهتافات وللشعارات سيجد أن القاسم المشترك بين هذا الشارع وذاك هو الرئيس هادي فكلا الشارعين لا يختلفا في كون الرئيس صمام آمان هذا البلد والأمل المتبقي للجميع في إخراج الوطن من انفاقه والأخذ بيده نحو بر الأمان، في حين يكمن اختلافهما على مطالب أساسية ومصيرية تتمثل بالجرعة وبتوقيت وكيفية محاربة الفساد الذي نخر عظم هذا الوطن وكاد أن يودي به إلى الهلاك. في ضوء هذا الالتقاء الشعبي عند قاسمهم المشترك وهو الرئيس وفي ضوء هذا الاجماع عليه كطوق نجاة ما أود التأكيد عليه هو أن الرسالة الشعبية التي كان ينتظرها الرئيس منذ وصوله إلى سدة الحكم وحتى اليوم قد وصلت إليه، السؤال هنا مرة آخرى: ماذا ينتظر الرئيس بعد اطمئنانه لهذا الالتفاف الشعبي حوله كي يصدر قراراته باجتثاث الفساد واقتلاع الفاسدين وشدهم من أوكارهم ومن جحورهم ليلقي بهم في غياهب السجون أو على أقل احتمال إلى مزبلة الفاسدين... ماذا ينتظر الرئيس كي يبدأ بإصلاح الإعوجاجات في كل أجهزة الدولة ومرافقها كون أي تأخير أو تباطؤ من قِبله تجاه هذا الفعل المنتظر والمرتقب سيفقده الثقة الشعبية التي نالها مؤخراً بل وسيحرمه مستقبلاً التقاط فرصة ذهبية كهذه، إذ من الصعوبة أن تتكرر هذه الفرصة أو أن تلوح في آفق الرئيس مرة آخرى. أياً كانت الطريقة التي اتبعتها جماعة أنصار الله في الضغط على الأخ الرئيس بُغية تنفيذ المطالب التي أعلنت عنها فيما إذا كانت طريقة مُثلى أم خاطئة حين توجهت إلى العاصمة وتموضعت في مداخلها وبعض أحيائها فإن أهم ما حققه هذا الفعل على الأرض هو تحريك المياه الراكدة وإذابة جبل الجليد ودحرجة كرات الثلج لتستقر مؤخراً في ملعب الرئيس المعني أساساً بحل معضلات هذا البلد وحلحلة خيوطه المعقدة والمتشابة. ما كان يحتاجه الرئيس ليُفك عنه وثاقه المتمثل بالمبادرة الخليجية وبالضغوط التي يمارسها عليه متأمري الداخل والخارج هو لضغوط شعبية تتيح له الإمساك بخيوط اللعبة السياسية، التي سلمت بها مؤخراً القوى المناهضة للتغيير ولإجتثاث الفساد ولوقف عجلة الفوضى حين سلمت أوراقها للرئيس في مقابل حمايته لها من غضبة الفعل الشعبي الذي بات على مقربة كبيرة من مواقع هذه القوى المعطلة للتغيير ومن مصالحها، ومن أهم مواقع تحصيناتها في العاصمة. ما أود التأكيد عليه في ضوء هذا المشهد المصوبة نحوه كل الأنظار سواء في الداخل أو الخارج هو أن الكرة باتت في ملعب الرئيس، خاصة إذا ما قرأنا المشهد الراهن قراءة دقيقة ومتأنية، إذ سنجد هذا المشهد بشقيه الموالي لأنصار الله وللطرف الأخر المسمى بالاصطفاف الوطني يصب في مجرى الرئيس... فالاصطفاف الوطني توحدت شعاراته في الوقوف خلف الرئيس في مواجهة فرض القوة خارج إطار الدولة، بينما فعاليات أنصار الله يعود لها الفضل في توحيد شعارات أحزاب التحالف وفي التفافها حول الرئيس بعد أن استشعرت خطر هذه الغضبة الشعبية التي زحفت من كل حدب وصوب إلى شوارع العاصمة وما حولها، مطالبة بوضع حدِ لهذا الوضع المتذبذب والضبابي الذي ينذر بكارثة محتملة تلحق بالوطن وبقاطنيه على السواء. ما أنصح به الرئيس فعله هو المحافظة على هذا المشهد الديمقراطي دون الذهاب إلى مواجهة مع هذا التيار أو ذاك شريطة الإسراع في العمل على تلاشيه قبل أن يستفحل ويتحول إلى مشهد آخر ما انصح به الأخ الرئيس هو الإسراع باتخاذ قرارات صائبة تضع حداً للفساد ولهدر المال العام فضلا عن الإسراع بتفعيل مخرجات الحوار على أرض الواقع ناهيك عن اتخاذ حلول لمعضلات الجرعة من خلال رفع مستوى دخل المواطن الذي لن يتأتى غير بتجفيف منابع الفساد وإيقاف هدر المال العام وتوظيف موارد الدولة في ما يعود بالنفع على التنمية وعلى رفع الدخل القومي الذي سينعكس إيجاباً بالتأكيد على دخل الفرد وعلى معيشته. مرة أخرى أقول للأخ الرئيس: الكرة في ملعبك يا فخامة الرئيس أتمنى عليك أن لا تخطئ في تصويبها نحو مرمىً هو غير المرمى الذي يستوجب منك التهديف فيه فكلا الحراكيين في شوارع صنعاء لصالحك فاحرص على المحافظة عليهما حتى تتكمن من إخراجهما وإخراج البلد إلى بر الآمان. [email protected]