وأنا أنعي صديق عمري ورفيق دربي الفقيد الغالي نشوان يحيى العراسي ، أجد صعوبة بالغة في قول كل ما في نفسي من كلام ، والبوح بكل ما في قلبي وصدري من وجع وحزن في هذا المصاب الجلل والعظيم الذي يعجز الزمن عن تبديد جراحه مهما تعاقبت الايام وتقادمت السنين . نشوان العراسي صديقي العزيز والقريب لما ما يزيد عن خمسة وعشرون عاماً ، عرفته أخاً وفياً وصديقاً صادقاً حتى أخر لحظة في حياته ، لم نتخاصم ، أو نختلف يوماً ، لم تفرقنا هموم الدنيا ومشاعل الحياة ، كان يجمعنا الحزن والفرح ، السعادة والتعاسة ، كانت تجمعنا وما زالت صداقة وأخوه حميمة ظلت محل تقدير واحترام متبادل ، كانت صداقة جميلة متوارثه من آبائنا الذي كانت تجمعهم صداقة حميمة أنعكست علينا وكانت البذرة الطيبة للصداقة الجميلة التي جمعتنا في طفولتنا وشبابنا تاركه فينا ذكريات جميلة وخالده . قبل يومين من وفاة صديقي نشوان قال لي في أخر تواصل بيننا عالواتساب والفيس بوك ورسائل الايميل وهو يجري الفحوصات ويستعد لاجراء عملية تبديل صمام في روسيا " لما أموت قول لا أله إلا الله ، ربنا ما يشل إلا الطيب ، قلت له : بعد الشر عليك أنت حبيبي ، فأجاب : أحبك الله هذا نصيب وامتحان من الله له الحمد والشكر " كان يشعر بقرب رحيله ، ينعي ويودع نفسه في معظم أحاديثنا الاخيرة ، وعندما أتصل بي أحد الاصدقاء لينقل لي خبر وفاته صعقت وفجعت بهذه الصدمة القاسية ، وحاولت الهروب وعدم تصديق هذه الحقيقة المؤلمة ووجدت روحي تهذي ، أكذب نفسي وكل من حولي ، أنكر رحيله ، وأرسل له الرسالة تلو الاخرى ، أعاتب غيابه وعدم رده ، وأختلق له الاعذار ، و أطمئن نفسي بانه بخير وسيعود قريبا ، وبقيت بين الشك واليقين متبلد العقل مسرفاً في الهذيان حتى لا أصدق كل ما يشاع ويقال بان صديقي رحل في ريعان شبابه بعد حياة قصيرة ، كبيرة في حجم ما تركه هذا الشاب الجميل من صفات وسجايا نبيلة ، فقد عرفته شهاماً نبيلاً صادقاً ، لن تغريه أطماع الدنيا ومظاهرها الزائفة للتخلي عن قيمه وأخلاقه العالية ، ظل متمسكاً بتربيته الفاضلة وبكل ما غرس فيه من قيم وخلق ومبادئ خيره ، عرفته متسامحاً يعفو ويصفح ، لا يحمل في نفسه أوقلبه أي مثقال ذرة شر أو حقد وكراهية ، ترفع عن الضغائن والصغائر ، عامل كل من حوله معاملة حسنة ، يؤدي واجبه وعمله بكل جهد وانتظام ونزاهة ومسؤولية وامانة ، ومهما قلت لن أوفي هذا الصديق حقه وكل ما يستحقه من الوفاء والاعتزاز به ، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته والهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان ... أودعك وما أودع سوى نفسي (درويش )