تعتبر هولندا من الداعمين والمانحين الكبار لقطاع المياه، ولها باع كبير وخبرة متأصلة في معرفة أبعاد المشكلة المائية في اليمن . وقد تنوع الدعم الهولندي لقطاع المياه وشمل مجالات كثيرة على مستوى الحضر والريف، وكانت سباقة في إطلاق التحذيرات بخطورة الوضع المائي في اليمن، نظراً لشحة المصادر، وارتفاع الطلب المتزايد بسبب زيادة النمو السكاني، ومحدودية الاستثمارات في هذا القطاع، وهذا ما جعل ملامح الصراع تبرز على المياه في أكثر من مكان . ولذلك فإن هذا الموضوع أصبح يمثل قلقا يستوجب التعامل معه بحكمة وتروّ حتى لا تصبح المياه هي قضية الصراع الحاد في المستقبل، وكان لابد من معرفة الأسباب، وإيجاد المعالجات اللازمة لذلك . وقد أعطى هذا الموضوع اهتماما من الجانب الهولندي، فتم تشكيل فريق ميداني من الخبراء اليمنيين، والهولنديين, لدراسة ظاهرة النزاعات على المياه في اليمن وأسبابها، والخروج بعدد من التوصيات لمواجهتها . ويهدف المشروع الذي أوكل بهذا الفريق إلى تطوير توصيات لمنع وحل الصراعات المتعلقة بالمياه، من خلال تقييم الاقتصاد السياسي لحوكمة المياه في اليمن. وكان لي الشرف أن يتم دعوتي لحضور الحلقة النقاشية التي نظمتها السفارة الهولندية بمناسبة تدشين تقرير الفريق يوم الأربعاء الماضي، التي افتتحتها السيدة رينات بورس القائمة بالأعمال بالنيابة ورئيسة قسم التعاون التنموي بالسفارة، وأدارت تلك الحلقة، السيدة زمريتا ياهتش السكرتيرة الأولى لبرنامج المياه بالسفارة، وبحضور نخبة من المختصين بقطاع المياه وأعضاء الفريق اليمنيين المشارك في البحث الميداني الخاص بالتقرير، وكان الجانب الهولندي المشارك في الفريق مرتبطا معنا عبر الأقمار الصناعية من مدينة لاهاي الهولندية، وهم، باتريك هانتينز، رئيس قسم سياسة المياه بمعهد لاهاي للعدالة العالمية، ورنز دي مان، باحث في نفس المعهد، ومارلين فان ريسويك, برفيسور في قانون المياه الأوربي والهولندي، بجامعة اوتريخت . التقرير بني على خطة منهجية لامست الواقع ..واستخلصت العديد من الملاحظات من خلال اختيار مناطق تشهد أو شهدت نزاعات مباشرة على المياه في ثلاث محافظات يمنية، هي صنعاء حيث التنافس على المياه الجوفية (حوض صنعاء), والحديدة، حيث الصراعات على المياه السطحية في الوديان (وادي سهام) تعز، حيث التنافس شبه الحضري. وتركزت الدراسة على تحليل أبعاد الصراع والحوكمة من خلال ثلاث عوامل رئيسية هي: 1 - معرفة الأسباب الصراعات، على ضوء السياقات المحلية، والطبيعية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والقانونية، والمؤسساتية، ومعرفة مدى تأثير هذه السياقات، بمعنى هل تقلل أو تزيد من الصراع، أو تشكله أو توزعه؟ 2 - تحليل أصحاب المصالح: وذلك من خلال معرفة من هم أصحاب المصالح ذوي العلاقات في الصراع ؟ وما هي مصالحهم ؟ وما هي ممارساتهم لخدمة مصالحهم ؟ 3 - آليات الصراع، وبالتالي ما هي الحلول التي تم اختيارها لمعالجة الصراع، وما هي الحلول التي لم يتم تجربتها ؟ لاشك أن التقرير حول ظاهرة وأسباب وخطورة الصراعات على المياه في اليمن، يدق ناقوس الخطر إذا لم يتم تفعيل كل الإمكانيات المعرفية، والقانونية، والقضائية، والضبطية ، من الآن . والمهم هو الاستفادة القصوى من هذا التقرير الذي توصل إلى نتائج ميدانية، بنيت على ضوئها العديد من التوصيات ، وليس هذا وحسب، بل إن الحلقة النقاشية، نظمت أساساً لاستخلاص توصيات إضافية لدعم التقرير بها، وفعلا كانت هناك أفكار ومقترحات جديدة، تم الأخذ بها بعين الاعتبار، وخاصة أنها قدمت من مختصين وباحثين بقطاعات المياه, والزراعة، والمرأة، وجمعيات مستخدمي المياه، وجامعة صنعاء وغيرها من الجهات، وسيتم وضعها في إطار مصفوفة عملية قابلة للتنفيذ . إن الأصدقاء الهولنديين بهذا العمل المهم الذي يضاف إلى رصيدهم المتميز في مجال المياه في اليمن فإنهم يرمون الكرة إلى الملعب اليمني ليقوم بدوره في معالجة مشكلته الأساسية والرئيسية، باعتبار المياه قضية الحاضر والمستقبل، بل هي قضية الحياة برمتها. [email protected] "الثورة"